الغارات الإسرائيلية على سوريا.. ما هي حسابات موسكو؟

Avatarحسن صعب06/11/2021
تشنّ "إسرائيل" منذ عدة أعوام غارات حربيّة شبه متواصلة على ما تدّعي أنها مراكز وأهداف عسكرية تابعة للقوات الإيرانية الموجودة في سوريا، أو قوات حليفة لها، كما على قواعد أو مقرّات للجيش السوري، بما في ذلك مطارات ومصانع ومنشآت ذات بعد عسكري، حسب الإعلام العبري.

وقد شكّل الموقف الروسي الملتبس من هذه الغارات، والتي تؤدّي أحياناً إلى سقوط ضحايا مدنيين، مع تسبّبها بخسائر مادية فادحة، فضلاً عن انتهاكها الفاضح للسيادة السورية، مادة دسمة لوسائل الإعلام ومراكز الدراسات، في سياق محاولات فهم حقيقة الموقف الروسي وتحديد اتجاهاته؛ هل ترفض روسيا الغارات الإسرائيلية فعلاً، وتشعر بالحرج إزاء استمرارها، أم هي تؤيّد ضمناً الاستراتيجية الإسرائيلية لإضعاف الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وماذا إذا كان ذلك يؤدّي بالتالي إلى إضعاف النظام السوري، وهل تتخذ موقفاً “متوازناً” من هذه المسألة الحسّاسة المرتبطة بأمن “إسرائيل” وأمن الإقليم معاً؟

تراوحت المواقف الروسية من الغارات “الإسرائيلية” على سوريا، ولا سيما خلال مرحلة الإنخراط الروسي في الصراع السوري (2015 ـ 2021)، ما بين حدّي الإدانة الكاملة  و”التنسيق” العسكري مع القيادة “الإسرائيلية” لمنع التصادم بين الطائرات الروسية و”الإسرائيلية” في الأجواء السورية، وصولاً إلى التأييد الروسي “الضمني” لبعض الغارات أو غضّ الطرف عنها، في حال لم تتجاوز “إسرائيل” السقف الروسي المرسوم لها في هذا الصدد.

ففي العام 2013، وبعد مرور أكثر من ستة أعوام على الغارة “الإسرائيلية” على منشأة سورية قالت “إسرائيل” إنها مفاعل نووي (6/9/2007)، أعربت موسكو عن “قلقها الشديد” إزاء التقارير التي تحدثت عن غارة “إسرائيلية” جديدة داخل الأراضي السورية، مؤكدة أنها سوف تدين الهجوم في حال ثبتت صحّة المعلومات. وتابعت الوزارة أنه “في حال تأكدت صحّة هذه المعلومات فهذا سيعني أننا أمام عملية إطلاق نار من دون مبرّر على أراضي دولة ذات سيادة، في انتهاك فاضح وغير مقبول لميثاق الأمم المتحدة، أياً كان المبرّر” (1).

لكن اختلفت النظرة إلى الموقف الروسي من الغارات “الإسرائيلية” منذ التدخل العسكري الروسي، في نهاية صيف العام 2015، لكبح تقدّم الجماعات الإرهابية ومنع سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد؛ وهذا ما حصل في النهاية، وذلك بالتنسيق مع الجيش السوري وحزب الله اللبناني والقوات الحليفة، ولا سيما الإيرانية. وكانت الإشكالية المطروحة آنذاك حول عدم تزويد روسيا للجيش السوري بمنظومات دفاع جويّ متطوّرة لصدّ غارات الطائرات “الإسرائيلية” الحديثة، أو لإسقاط الصواريخ التي تُطلقها من داخل أو خارج الأجواء السورية التي يُفترض أن تكون تحت السيطرة العسكرية الروسية في تلك المرحلة.

وعلى النقيض من توقعات سادت في حينه بشأن تنسيق روسي – سوري -إيراني لمنع أو إفشال الغارات “الإسرائيلية”، فقد عدّ معلّقون “إسرائيليون” الغارات الجويّة ضد أهداف لحزب الله في سوريا ونُسبت إلى “إسرائيل”، في أواخر العام 2015، “اختباراً ناجحاً” لآليّة التنسيق التي تمّ التوصل إليها بين الجيشين الروسي و”الإسرائيلي”!

وقال المعلّق العسكري روني دانئيل، إن عدم صدور أي ردّة فعل عن موسكو ودمشق وطهران وحزب الله تدلّل على أن التدخل العسكري الروسي قد حسّن من قدرة “إسرائيل” على تحقيق مصالحها الأمنية والاستراتيجية في سوريا حتى الآن (2).

يعتمد الطرفان الروسي و”الإسرائيلي” سياسة واقعية غير أيديولوجية متحررة من المخاوف القائمة على القيم، ومعتمدة في نفس الوقت على القوة الهادفة إلى تعزيز الأمن وتحقيق المصلحة. روسيا ترى أن التعاون مع “إسرائيل” يشكِّل فرصة مهمة لها لتقوية نفوذها في المنطقة

من ناحيته، اعتبر الجنرال عوزي ديان، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية “الإسرائيلي” الأسبق، أن غضّ الروس الطرف عن الغارات “الإسرائيلية” ينسجم مع التصريحات الواضحة التي أدلى بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتزم فيها باحترام مصالح “إسرائيل” في سوريا (3).

إلاّ أن محلّلين غربيين أشاروا في حينه إلى أن الاتصالات بين “إسرائيل” والكرملين منذ بدء التدخل في سوريا، إقتصرت على التنسيق التكتيكي، لا على أي بعد تنظيمي استراتيجي. وعلى الرغم من أنه يبدو أن روسيا تحترم الخطوط الحمراء “الإسرائيلية” في سوريا، إلا أن ذلك ليس لأن موسكو ترى “إسرائيل” حليفاً لا غنى عنه، لكن لأن ما تسمى “الإجراءات الإسرائيلية” في سوريا لا تمس بخطط ومصالح موسكو بعد.

وممّا لا شكّ فيه أن القيادة العبرية تأمل في أن يبقى الوضع على ما هو عليه حالياً، لكنها تدرك أيضاً أن روسيا و”إسرائيل” ليسا شريكين على قَدَمِ المساواة. ففي اللحظة التي ستتعارض فيها أعمال “إسرائيل” مع المصالح الروسية، ستنحصر حريّة عملها النسبية إلى حدٍ كبير (4). وهنا لا بد من إعطاء مثل عن خطوط روسيا الحمر. فقد تجاوزت “إسرائيل” حدودها في عدة هجمات جويّة شنّتها ضد أهداف في سوريا، حيث أسقِطت في إحداها طائرة عسكرية روسية على متنها 15 جندياً، من قِبل وسائط الدفاع الجوي السوري، بعدما تستّرت الطائرات “الإسرائيلية” المهاجمة بالطائرة الروسية (في أيلول/سبتمبر من العام 2018).

إقرأ على موقع 180  قراءة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية.. التقدّم إلى الخلف!

وقد أكدت روسيا، وقتذاك، أنها تحتفظ لنفسها بحق الرد المناسب على تصرفات “إسرائيل الاستفزازية” (5). ومن بعد هذا التطور، إرتسمت عملياً “قواعد الإشتباك” بين الطرفين، في الجو، وهي قواعد تشمل الأجواء السورية واللبنانية على حد سواء.

هذه القراءة لأبعاد الموقف الروسي المتعددة عبّر عنها مؤخراً وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، أثناء مؤتمر صحفي مشترك في موسكو مع نظيره “الإسرائيلي” يائير لابيد، بقوله “أما بخصوص الغارات الإسرائيلية على سوريا، فنحن نعارض تحويل سوريا إلى حلبة لصراع بين دول أخرى؛ وفي هذا الصدد لا نريد أن تستخدم الأراضي السورية لمهاجمة إسرائيل أو أي بلد آخر” (6).

في الخلاصة، يعتمد الطرفان الروسي و”الإسرائيلي” سياسة واقعية غير أيديولوجية متحررة من المخاوف القائمة على القيم، ومعتمدة في نفس الوقت على القوة الهادفة إلى تعزيز الأمن وتحقيق المصلحة. روسيا ترى أن التعاون مع “إسرائيل” يشكِّل فرصة مهمة لها لتقوية نفوذها في المنطقة؛ فـ”إسرائيل”، ومن موقعها في الغرب، تؤدّي دورًا كبيرًا في تخفيف درجة عزلة روسيا وتُحسِّن صورتها دوليًّا. كما يمكن لروسيا أن تستفيد من تطوّرها التقني في ظل النقص في التقنية المتطورة بسبب العقوبات الغربية على خلفية الهجوم الروسي على جورجيا، 2008، وضم شبه جزيرة القرم 2014؛ بالإضافة إلى التأثير السياسي والديني والإقتصادي للمهاجرين الروس في “إسرائيل”، والذي يحسب الروس له حساباً خاصاً، فضلاً عن عوامل أخرى مثل العداء الروسي للجماعات التكفيرية المتطرفة والحماية الأميركية الكاملة للاستراتيجية “الإسرائيلية” تجاه  سوريا؛ فضلاً عن أسباب أو اعتبارات أقل أهمية، مثل مساهمة “إسرائيل”، من خلال غاراتها المتواصلة على سوريا، في إضعاف نفوذ إيران وحلفائها، عسكرياً وسياسياً، إلى حدٍ ما، وبما يخدم السياسة الروسية أو النفوذ الروسي في المنطقة ضمناً. لا يعني ذلك أن الروس يفضّلون إستمرار علاقتهم مع “الإسرائيليين” بأي ثمن، ولو على حساب حليف روسيا الأول في المنطقة، أي الدولة السورية؛ فهم يحاولون الحفاظ على علاقاتهم الاستراتيجية أو المميّزة مع كل الأطراف الفاعلة في المنطقة، لحفظ وجودهم العسكري والأمني والسياسي المستجد، والذي يستهدف أساساً حماية المصالح الروسية (الإقتصادية) المتنامية في المنطقة عموماً وسوريا خصوصاً.

المصادر:

(1) روسيا تبدي “قلقها الشديد” بشأن المعلومات حول غارة إسرائيلية في سوريا، فرانس 24، 31/1/2013.

(2)  غارات إسرائيلية جديدة بسوريا تختبر نجاح التنسيق مع روسيا، صالح النعامي، موقع عربي21، 2/11/2015.

(3) المرجع السابق.

(4)  نداف بولاك، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 7/12/2015.

(5) روسيا تتوعد إسرائيل.. وتكشف تفاصيل إسقاط الطائرة، سكاي نيوز عربية، 18/9/2018.

(6) لافروف: أمن إسرائيل من أولوياتنا ونعارض استخدام أراضي سوريا لمهاجمة أي دولة،  موقع قناة روسيا اليوم، 9/9/2021.

 

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

باحث لبناني

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "جبال قنديل" مفتاح حل بين سوريا.. وكردها