تستمر في فيينا منذ مطلع الأسبوع الحالي جولة المفاوضات النووية السابعة بين ممثلي مجموعة “4+1” الدولية والوفد الايراني برئاسة مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية علي باقري كني. وكما صار معروفاً، فإن طهران عرضت مشروعين حددت فيهما رؤيتها حول آلية رفع العقوبات وآلية التعهدات النووية، غير أن الدول الأوروبية الثلاث ضمن المجموعة (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي كانت رفضت سابقاً هاتين المسودتين.. عادت ووافقت على التفاوض عليهما، وهو الأمر الذي إعتبره كبير المفاوضين الايرانيين “خطوة إيجابية إلى الأمام”.
ووفق مصادر إيرانية موثوقة في فيينا، فإن الإتحاد الأوروبي ممثلاً بأنريكي مورا وجوزيب بوريل لعب دوراً بارزاً في تغيير موقف الدول الأوروبية الثلاث، كما أن السياسة التي تبنتها كل من روسيا والصين في الدفاع عن الموقف الايراني ساهمت في تغيير الموقف الاوروبي، وذلك برغم الجهود المكثفة التي كان يبذلها الإسرائيليون من أجل إفشال الجولة السابعة إلا أنهم فشلوا في تحقيق أهدافهم، على حد تعبير المصادر ذاتها.
وكان مسؤول كبير في الإتحاد الأوروبي أبدى إنطباعه بأن المفاوضات تتقدم ببساطة “على النحو المنطقي تماماً للتفاوض»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، وأضاف أنه لا تزال هناك سبع أو ثماني نقاط بحاجة للاتفاق عليها من أجل إبرام اتفاق، وأنها تمثل «نقاطاً سياسية كبيرة».
وحسب مصادر مطلعة في المنظمة الايرانية للطاقة النووية فإنه في موازاة مفاوضات فيينا، تجري مفاوضات بين ايران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بهدف التوصل إلى إتفاق نهائي حول آلية المراقبة والتفتيش المبني على حسن النوايا ومن المتوقع أن يتم التوصل إلى حل سريع في قضية كاميرات المراقبة المعطلة في موقع “تسا” لإنتاج أجهزة الطرد المركزي المتطورة والواقع في مدينة كرج غرب طهران، وهذا الأمر من شأنه أن يؤثر بشكل إيجابي على مسار مفاوضات فيينا، وهذه الخطوة الايرانية نابعة من السياسة البراغماتية التي تتبناها حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي.
وغداة قول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان إن أجواء المفاوضات “مفيدة”، مشدداً على حسن نية وجدية إيران في التوصل إلى إتفاق جديد، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمام رؤساء البعثات الدبلوماسية الإيرانية في دول الجوار اليوم (السبت) إن طهران منخرطة بجدية في محادثاتها النووية، وأشار إلى أنه “إذا إتسم الجانب الآخر بالجدية أيضاً بشأن رفع العقوبات، يمكن التوصل إلى إتفاق جيد”.
وكان كبير المفاوضين الايرانيين علي باقري كني أكد في أكثر من مناسبة أنه “إما أن نتفق على كل شيء أو لن يكون هنالك إتفاق”، وهذا التوجه الجديد للوفد الايراني المفاوض انتقده البعض في الداخل الايراني ورأى أنه يتعارض مع الأهداف المرجوة من أي مفاوضات.
وفي هذا السياق، يقول النائب السابق في البرلمان الايراني حشمت الله فلاحت بيشة (رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الايراني السابق): “إذا تمسك كل طرف في فيينا بسياسة إما كل شيء أو لا شيء ستصبح الأمور معقدة للغاية ولكن إذا أبدى كل من الطرفين بعض المرونة وعدل عن هذه المواقف سيكون هنالك فرصة للتوصل إلى إتفاق”.
وفي هذا الصدد، أشار فلاحت بيشة إلى أنه من بين الأمور التي قد تفسد المفاوضات أن تقوم الدول الخمس بجر المفاوضات إلى المسار الذي ترى أنه يحقق مصالحها في علاقاتها الثنائية مع طهران أو واشنطن بدل أن تعمل على التفاوض من أجل إعادة إحياء الإتفاق النووي، وهذا الأمر يؤثر بشكل سلبي للغاية على إحراز أي تقدم في المفاوضات.
وتوقف المراقبون أيضاً عند الزيارة التي قام بها وزير خارجية ايران إلى كبار مراجع الدين في العاصمة الدينية لايران مدينة قم، وهؤلاء العلماء (أبرزهم آية الله صافي كلبايكاني وآية الله جوادي آملي) طالبوا عبداللهيان بأن تحافظ وزارة الخارجية على باب الحوار والمفاوضات مع العالم الخارجي بهدف الحفاظ على مصالح الشعب والبلد.
خمسة سيناريوهات
من جهته، قال كامران كرمي في تحليل نشرته صحيفة “عالم الإقتصاد” الايرانية إن مفاوضات فيينا قد تفضي إلى واحد من خمسة سيناريوهات:
الأول؛ المتفائل، الإتفاق المبكر:
توافق الدول الأخرى توافق على الإقتراحات الإيرانية في مشروعي رفع العقوبات والتعهدات النووية في إطار تهيئة الأجواء لطرح المشروع الايراني الثالث المتعلق بالتحقق.
الثاني؛ المتشائم، فشل المفاوضات:
ترفض الدول الأخرى الإقتراحات الايرانية جملة وتفصيلاً وتعلن نهاية المفاوضات وفي هذه الحالة سوف تذهب الولايات المتحدة ودول الترويكا الأوروبية مجتمعة إلى إحياء القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والتي كانت تدين ايران ومن ثم تشديد العقوبات المفروضة على طهران.
الثالث؛ المحتمل، الإتفاق المؤقت:
برغم أن ايران ترفضه رفضاً قاطعاً، يلجأ الطرفان إلى القبول بإجراءات محددة بهدف الحيلولة دون فشل المفاوضات وعدم القضاء على فرص إحياء الإتفاق النووي بشكل كامل، وهذا السيناريو المعروف باتفاق الأقل في مقابل الأقل، إعتبرته الدول الأوروبية مخرجاً لإنسداد المفاوضات.
الرابع؛ التجميد مقابل التحقق:
هذا السيناريو ليس إتفاقاً مؤقتاً وليس إتفاقاً كاملاً وبموجبه، ايران وفي مقابل حصولها على إمتياز رفع كافة العقوبات أو الجزء الأعظم منها تقوم بتجميد بعض أنشطتها النووية لمدة معينة لكي تستعيد ثقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية وفي الوقت ذاته تتمكن من التحقق من رفع العقوبات خلال هذه الفترة الزمنية.
الخامس؛ خطوة مقابل خطوة:
سيناريو ممكن ومنطقي، إذا تحلت جميع الأطراف بالإرادة اللازمة والمرونة المطلوبة، بعد مرور عدة جولات من المفاوضات، يتوصل الطرفان إلى نقطة تفاهم مشتركة تكون أساساً لاستمرار الحوار لمنع إنهيار الإتفاق النووي، وهذه الخطوة تترك باب العودة إلى الإتفاق مفتوحاً وتمنع حصول أي توتر على المستويين الدولي والإقليمي وتمنع أي تأثير سلبي على القضايا الإقليمية مثل قضية المفاوضات الايرانية السعودية والتعاون الجديد بين ايران والإمارات والتوجه نحو إنهاء حرب اليمن.