“إنهم بيض، يشبهوننا”.. نماذج من نفاق الإعلام الغربي

نشر موقع Eurasia Review مقالتين للكاتبين شابير كازمى وفيجاى براشاد تناولا فيهما ما أظهرته الحرب الأوكرانية من نفاق القيادات والحكومات ووسائل الإعلام الغربية فى تناولها للحروب والمعاناة الإنسانية حول العالم.. وهذا أبرز ما تضمنت كل منهما. 

يشير الكاتبان ــ شابير كازمى وفيجاى براشاد ــ إلى ازدواجية المعايير التى أظهرها الغرب فى الحرب الأوكرانية، وهى الحقيقة التى يريان أنها تسللت إلى النور خلال الأيام الماضية، وأوضحت الطريقة التى ينظر بها الغرب إلى الحرب فى أوكرانيا والحروب الأخرى التى يشنونها وتفاقم فى بشاعتها الحرب فى أوكرانيا.

يشير الكاتبان إلى النقد الذى وجهه الكثيرون إلى الإعلام العنصرى والنقاد والمراسلين على المنصات الأمريكية والبريطانية الذين أعربوا عن قلقهم من الصراع الدائر فى أوكرانيا بسبب قربها من الغرب وبياض بشرة اللاجئين الأوكرانيين. قال مراسل شبكة «سى بى إس» فى كييف، تشارلى داجاتا، أن «هذا ليس مكانا، مع كل الاحترام الواجب، مثل العراق أو أفغانستان، اللذين شهدا صراعا مستعرا لعقود.. هذه مدينة أوروبية بشكل كبير.. حضارية بشكل كبير.. مكان لا تتوقع فيه أو تأمل أن يحدث فيه حرب». يقول كازمى إنه أيضا مع كل الاحترام الواجب، الصراع فى العراق وأفغانستان نتج عن غزو أمريكى ومحاولات «تحضير» هذه الدول، انطلاقا من أن دولة مثل العراق غير حضارية!.. العراقيون كانوا يعلِّمون العالم العلوم والجبر فى وقت كان الغرب يلوّن فيه وجهه باللون الأزرق ويعيش فى الغابة.

***

غادر نحو نصف مليون أوكرانى منازلهم وعبروا إلى البلدان المجاورة وفقا لرئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، فيليبو غراندى. صُدم الصحفى دانييل حنان الذى يكتب لأكبر صحيفة بريطانية محافظة، تلغراف، لأن أوكرانيا دولة أوروبية وشعبها يبدو مثلنا. بالطبع صدم دانييل حنان بنشوب صراع فى أوروبا، لأنه ربما نسى أن الحرب العالمية الأولى والثانية اندلعت فى أوروبا.

لم تتردد مراسلة «إن بى إس» هالى كوبيلا بقول «بصراحة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا، إنهم مسيحيون، إنهم بيض، إنهم يشبهوننا كثيرا». وبالتالى، وبكل بساطة، إذا كنت سوريًا ولست أبيض أو مسيحيًا، فأنت لست مهمًا فى هذا العالم.

تناول مذيع إخبارى آخر، بيتر دوبى، ما يلبسه الأوكرانيون من ملابس قائلًا: «هؤلاء أناس مزدهرون من الطبقة الوسطى. من الواضح أن هؤلاء ليسوا لاجئين يحاولون الهروب من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا. إنهم يبدون مثل أى عائلة أوروبية».

أما عن سلوك المجتمع الدولى، أضاف براشاد بيان الأمين العم للأمم المتحدة قبل الحرب بيوم ــ وهو بيان صادق حول التدخل العسكرى الروسى فى أوكرانيا ــ «باسم الإنسانية، لا تسمحوا بأن تبدأ فى أوروبا ما يمكن أن يكون أسوأ حرب فى هذا العقد». أدانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين هذا «الهجوم الهمجى»، وقالت إن «الرئيس بوتين يجلب الحرب مرة أخرى إلى أوروبا». يقول براشاد إن «إعادة الحرب إلى أوروبا» ذكره بخطاب إيمى سيزير حول الاستعمار، حيث تحسر الشاعر والشيوعى العظيم على نسيان أوروبا المعاملة الفاشية لشعوب إفريقيا وآسيا من قبل القوى الاستعمارية. كتب سيزير أن الفاشية هى التجربة الاستعمارية التى أعيدت إلى أوروبا.

***

يذكر براشاد أيضا فى مقالته بموقف المجتمع الدولى من حرب العراق. عندما غزت الولايات المتحدة العراق فى عام 2003، لم يتقدم الأمين العام للأمم المتحدة ولا رئيس المفوضية الأوروبية لإدانة تلك الحرب بالسرعة التى حدثت فى حرب أوكرانيا. ساقت المؤسستان الدوليتان الحرب، وسمحتا بتدمير العراق، التى راح ضحيتها أكثر من مليون شخص. فى عام 2004، بعد عام من الحرب الأمريكية على العراق، ظهرت تقارير عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وما يحدث فى سجن، وصف الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفى عنان الحرب بأنها «غير شرعية»، ووصف رئيس الوزراء الإيطالى رومانو برودي ــ الذى كان رئيس المفوضية الأوروبية ــ الحرب ضد العراق بعد ثلاث سنوات (عام 2006) بأنها «خطأ جسيم». فى حالة التدخل الروسى، سارعت هذه المؤسسات إلى إدانة الحرب، وهو أمر جيد للغاية. لكن هل هذا يعنى أنهم سوف يسارعون فى إدانة الولايات المتحدة عندما تبدأ حملة القصف التالية؟.. يعتقد فيجاى براشاد فى مقالته أن المفاجأة والرعب الذى حدث مع التدخل الروسى فى أوكرانيا، نتج لأن العالم تعود على التدخلات العسكرية الأمريكية، وبالتالى التدخل الروسى شكل قطيعة مع الماضى. فهذه المفاجأة حيّرت المراسلين والمحليين على حد سواء.

لم تتردد مراسلة «إن بى إس» هالى كوبيلا بقول «بصراحة، هؤلاء ليسوا لاجئين من سوريا، هؤلاء لاجئون من أوكرانيا، إنهم مسيحيون، إنهم بيض، إنهم يشبهوننا كثيرا». وبالتالى، وبكل بساطة، إذا كنت سوريًا ولست أبيض أو مسيحيًا، فأنت لست مهمًا فى هذا العالم

***

يقول براشاد إن الحروب قبيحة وخاصة حروب العدوان، ويتمثل دور المراسل فى شرح سبب خوض دولة ما للحرب، ولا سيما الحرب غير المبررة. ويقول كازمى إن اللاجئين هم لاجئون بغض النظر عن لبسهم وشكلهم والمكان الذى يعيشون فيه، والتعصب العنصرى أثناء النزاعات هو أمر مخزٍ تماما. والفكرة القائلة بأن الصراع داخل أوروبا المتحضرة هو أمر مقلق للغاية؛ لأن الحروب تحدث فقط فى البلدان غير المتحضرة، هو أسلوب يظهر ازدواجية المعايير والتحليلات المنافقة؛ لأن جميع الحروب التى حدثت خارج أوروبا، والتى وقعت الغالبية العظمى منها فى غرب آسيا وأفريقيا، نتجت عن الإمبريالية والمؤامرات والمغامرات العسكرية الغربية، ولم تشعلها شعوب هذه المناطق. ويستطرد براشاد قائلا: إن الحرب فى أوكرانيا تنضم إلى سلسلة من الحروب الموجودة على هذا الكوكب الهش. الحروب فى أفريقيا وآسيا لا نهاية لها، ونادرا ما يتم التعليق عليها. على سبيل المثال كان من المستحيل جذب اهتمام وسائل الإعلام العالمية الكبرى بالصراع فى كابو ديلجادو فى موزمبيق، والذى نشأ نتيجة استيلاء الشركة الفرنسية «توتال إنيرجيز» والشركة الأمريكية «إيكسون موبيل» على الغاز الطبيعى، وتتبعه نشر الجيش الرواندى المدعوم من فرنسا فى موزمبيق.

إقرأ على موقع 180  روسيا وطالبان.. قصة سلام أم قصة حرب؟

يروى الكاتب كازمي ما حدث معه فى قمة المناخ كوب26 عندما أخبر مجموعة من المسئولين التنفيذيين لشركات النفط عن هذا التدخل وأجاب أحدهم «أنت محق في ما تقوله، لكن لا أحد يهتم بهذا». القوى السياسية فى الغرب لا تهتم بمعاناة الأطفال فى أفريقيا وآسيا، لكنهم فقط مهتمون بالحرب فى أوكرانيا. هى بالفعل حرب مهمة وتزعجنا جميعا، لكن لا يجب أن ننسى أن هناك صراعات أخرى أسوأ وأكثر وحشية منها تحدث فى جميع أنحاء العالم، ومن المرجح ألا يتذكرها أحد بسبب أن قادة العالم ووسائل إعلامهم لا يهتمون بها.

***

يذكر كازمى ما تقوم به وسائل الإعلام البريطانية أيضا من تمجيد للأوكرانيين الذين يقاتلون الروس وانحياز لن يجرؤوا على تبنيه فى أى من الصراعات الأخرى فيقول: «تخيل أن يحظى الفلسطينيون الذين يقاومون القوات الإسرائيلية بمثل هذه التغطية.. عرضت قناة سكاى نيوز البريطانية مقطعا يوضح كيفية صنع القنابل وجعلها فعالة قدر الإمكان. لو كان هؤلاء الأشخاص الذين يصنعون العبوات الناسفة فلسطينيين لكانوا وصفوا بأنهم إرهابيون. ظهرت العديد من الأمثلة على هذا النفاق خلال الأيام القليلة الماضية وتطول القائمة بطريقة تصعب تغطيتها كلها».

تم حظر التلويح بالأعلام الفلسطينية فى ملاعب كرة القدم البريطانية؛ لأنه لا يجب خلط السياسة بالرياضة، هذا بينما تم خلال الأيام القليلة الماضية توزيع الأعلام الأوكرانية فى ملاعب كرة القدم في بريطانيا

يشير كازمى أيضا إلى ماكينة نشر الأخبار المضللة التى تعمل فى الدول الغربية لنشر أكاذيبها على وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى، وتكرر نفس الأخطاء. فى المملكة المتحدة، النقاد الذين اتهموا نايجل فاراج وموقفه بتأييد البريكست قائلين: إنه يرغب فى ترحيل البولنديين، يطالبون الآن بترحيل الروس من بريطانيا. دائما ما تعظ الدول الأوروبية حول كيفية وضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة، لكن فى نفس الوقت انطلقت دعوات تحرم الروس الذين يمتلكون أسهما فى تشيلسى من ممتلكاتهم وتدعو إلى ترحيلهم. هذا فى وقت تمتلك السعودية ناديين لكرة القدم فى بريطانيا وتمتلك الإمارات نادى مانشستر سيتى على الرغم من الحرب فى اليمن، كما سمح الاتحاد الأوروبى بدخول إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبى لكرة القدم على الرغم من احتلالها لأراض فلسطينية بشكل غير قانونى وارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا حصر لها لأكثر من نصف قرن.. ولكن روسيا تم طردها فجأة. لم يذكر أحد نادى كرة القدم البريطانى مانشستر يونايتد الذى يملكه أمريكيون، على الرغم من عمليات احتلال وحروب وغزوات واشنطن التى لا تعد ولا تحصى.

يقول كازمى أيضا إن الاتحاد الأوروبى الذى يدعى دفاعه عن حرية الرأى والتعبير حظر وسائل الإعلام الروسية، ليقدم رواية واحدة محدودة عن الأحداث الجارية لشعوبهم. أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس أنها ستدعم بشكل مطلق الأشخاص الذين يريدون السفر إلى أوكرانيا والقتال فيها، على الرغم من أن هذا غير قانونى فى بريطانيا؛ حيث قامت الحكومة البريطانية بسجن الأشخاص الذين ذهبوا للقتال والدفاع عن المسنين والنساء والأطفال ضد جماعة داعش الإرهابية فى العراق وسوريا، وأولئك الذين احتجزتهم السلطات البريطانية ما زالوا يقضون عقوبتهم بالسجن. يتساءل كازمى هل يمكن تخيل ذهاب شخص ما للقتال من أجل الفلسطينيين ضد النظام الإسرائيلى، فهل ستدعمهم ليز تروس تماما؟ تذكر أنه تم حظر التلويح بالأعلام الفلسطينية فى ملاعب كرة القدم البريطانية؛ لأنه لا يجب خلط السياسة بالرياضة، هذا بينما تم خلال الأيام القليلة الماضية توزيع الأعلام الأوكرانية فى ملاعب كرة القدم في بريطانيا.

الشىء الأكثر إثارة للقلق فى كل هذا هو قيام الغرب بضخ المزيد من الأسلحة لأوكرانيا، وهو ما يعين إطالة الصراع. وبدلا من طرح مبادرات سلام لحل الأزمة، يبدو أن الغرب يريد أن يستمر القتال.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إبتهال أحمد

باحثة مصرية في الشؤون الدولية

Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  من أين يمكن أن تندلع شرارة الحرب العالمية؟