“مع تصاعُد التوترات بين حزب الله وإسرائيل، وإمكان اندلاع أيام من القتال، أو حدوث تصعيد في الشمال يبدو متوقعاً اليوم أكثر من الماضي، فإن جهوزية القوات البرية يجب أن تثير قلق كل مواطن في إسرائيل.
الجدل في مدى جهوزية سلاح البر للحرب ليس جديداً. منذ حرب لبنان الثانية، وباستثناء بعض العمليات المحدودة في غزة، فإن سلاح البر بالكاد يُشغّل مع تراجُع مستمر في مكانته. الشكوك في قدرة قوات سلاح البر على حسم الحرب تأتي من قيادة الأركان العامة والمستوى السياسي، على خلفية الإدراك أن المجتمع الإسرائيلي غير قادر على تحمُّل خسائر كبيرة في الحرب.
استلم رئيس أركان الجيش اللواء أفيف كوخافي منصبه قبل 3 أعوام ونصف العام، مزوداً بمجموعة من الأفكار الجديدة، كان هدف أغلبيتها، ولو بصورة غير معلنة، تحسين قدرة سلاح البر على حسم الحرب المقبلة.
في سلاح البر يحذرون من مشكلات أخطر بكثير، تتعلق بالأساس بسلاح المدرعات الذي يعاني في الأعوام الأخيرة جرّاء تراجُع الحوافز بصورة خاصة، وجرّاء التآكل، وجرّاء تقليصات واسعة النطاق
لكن قبل بضعة أشهر من انتهاء ولاية كوخافي، أجرينا أحاديث مع العديد من الضباط، في الأساس في الخدمة النظامية، الذين يحذرون من أنه على الرغم من الإرادة الطيبة، فإنه لا تزال هناك فجوة كبيرة بين الأفكار وبين الوقائع على الأرض. ويدّعي هؤلاء أنه تحت إدارة اللواء كوخافي، أقام الجيش في الأعوام الأخيرة قيادات كثيرة، وجرى تعزيز هيئة الأركان العامة بصورة غير متناسبة، على حساب القيادة العملانية التي تعاني جرّاء مشكلات خطِرة. هيئة الأركان العامة ترفض، طبعاً، هذه الادعاءات وتدعي أن وحدات القيادة العملانية لا ترى الصورة الشاملة، وأن هيئة الأركان العامة هي التي سمحت بإدخال قدرات مبتكرة ومتقدمة إلى ساحة المعركة.
لكن في الوحدات العملانية يتحدثون عن شعور كبير بالإحباط، وعن الإحساس بأن المستويين السياسي والعسكري الرفيع لا يعتمدان عليهم، وهما يبذلان كل جهدهما كي لا يستخدمونهما في يوم القتال.
ولقد اكتسبت هذه المزاعم قدراً من الصحة في السنة الماضية عندما اتُّخذ قرار بعدم استخدام سلاح البر في عملية “حارس الأسوار”. لكن في قيادة الجيش يدّعون أن هذه المناورة كان يجب أن تُستخدم كمخرج أخير، ويشددون على أنه في حرب لبنان الثالثة لن يكون هناك مفر من استخدام القوات البرية من أجل الانتصار على حزب الله.
في سلاح البر يحذرون من مشكلات أخطر بكثير، تتعلق بالأساس بسلاح المدرعات الذي يعاني في الأعوام الأخيرة جرّاء تراجُع الحوافز بصورة خاصة، وجرّاء التآكل، وجرّاء تقليصات واسعة النطاق. نادراً ما يجري إبراز مركزية سلاح المدرعات في وسائل الإعلام، لكن الكل يفهم أنه لا يمكن اليوم القيام بأي عملية برية واسعة من دونه، أو على الأقل من دون دعم الدبابات التي تتمتع بالحركة والصمود وقوة نار كبيرة. هذا هو السبب الذي من أجله تتطلب العقيدة القتالية الحديثة في الجيش الإسرائيلي الاندماج بين قوات مختلفة، وتنظيم القوات في أوقات الطوارىء ضمن وحدات مشتركة من سلاح الجو وسلاح البر والمدرعات والهندسة وغيرها. وهذا يعني أنه إذا وصل لواء مدرّع إلى حرب لبنان الثالثة بجهوزية منخفضة، فإن تحرُّك الجيش الإسرائيلي كله سيكون في مشكلة.
تبدأ المشكلة في سلاح المدرعات مع تراجُع الحوافز لدى الشباب للخدمة في هذا السلاح. وبالإضافة إلى الصعوبة في ضم قوة بشرية نوعية إلى سلاح المدرعات بسبب تراجُع الحوافز، هناك اعتبارات اقتصادية، وعدم رغبة الجيش في أن يفرض على الشباب التجند في سلاح المدرعات، أدت هذه الأمور قبل أعوام إلى إغلاق سرية نظامية في كل فرقة وتحويلها إلى سرية للاحتياطيين. وحتى لو كان المقصود جنوداً في الاحتياط ممتازين كما يدّعون في الجيش، فإن هؤلاء الجنود الاحتياطيين من المفترض أن يقاتلوا كجزء من كتيبة نظامية.
الشكوك في قدرة قوات سلاح البر على حسم الحرب تأتي من قيادة الأركان العامة والمستوى السياسي، على خلفية الإدراك أن المجتمع الإسرائيلي غير قادر على تحمُّل خسائر كبيرة في الحرب
يُضاف إلى ذلك أن الجيش أغلق قبل بضعة أعوام سرية “المساعدة” للمدرعات، واستبدلها بسرية “كشف – وهجوم”، يتجند المقاتلون فيها من كل ألوية سلاح البر. وبالإضافة إلى أن هذا يضلل المجندين، فهو يلحق ضرراً كبيراً بسلاح المدرعات الذي يحصل على سرايا بديلة وليس سرايا أصيلة تشكل جزءاً لا يتجزأ منه. والنتيجة هي أن نصف كل كتيبة مدرعات مؤلف من قوات ليست جزءاً لا يتجزأ من الكتيبة.
ثمة مشكلة أُخرى لا تقل أهمية هي أنه في العقود الأخيرة أغلق الجيش عدداً لا بأس به من ألوية المدرعات في الجيش النظامي والاحتياط. والاعتبارات التي أدت إلى ذلك كثيرة، بينها التغيّر في طبيعة القتال، بالإضافة إلى اعتبارات عملانية ومالية. وعملياً، في سنة 2022، يحتفظ الجيش الإسرائيلي بكميات قليلة من الدبابات مقارنةً بالماضي، وإجمالاً، لديه ثلاثة ألوية مدرعات في الجيش النظامي بالإضافة إلى عدد من الألوية المدرعة في الاحتياط (…)”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).