رمضان سوريا ولبنان والعراق: الحدّ الأدنى من كلّ شيء
Syrians buy sweets for the fast breaking meal during the Muslim holy month of Ramadan, at the Maidan market in the capital Damascus, on April 26, 2020. (Photo by LOUAI BESHARA / AFP) (Photo by LOUAI BESHARA/AFP via Getty Images)

أزمة مزدوجة تواجه الصائمين خلال شهر رمضان في كل من سوريا ولبنان والعراق. أزمة اقتصادية لا تقل قسوة عن أزمة انتشار فيروس كوفيد - 19، كلاهما تحتّم تغييراً في أنماط الاستهلاك وتفرض قيوداً على ممارسة العادات والتقاليد.

سوريا

إنهاء تعيين حازم قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي اليوم (الثلاثاء) لم يترك أي انعكاس على سوق القطع في سوريا، كما لم ينعكس على حركة الأسواق التجارية التي تشهد تضخّماً إستثنائياً وخصوصاً مع بداية شهر رمضان، فالمواطنون السوريون لم يستغربوا الأسعار الجديدة التي ظهرت على بعض الرفوف أو في محال الحلويات التقليدية. فقد أعلنت غرفتا التجارة في دمشق في 11 نيسان/ ابريل الحالي أن شركات الصرافة ستبيع الدولار للتجار والصناعيين بأسعار متدرّجة الانخفاض خلال شهر رمضان، وفق ثلاث شرائح مدة كل منها 10 أيام مع الإشارة إلى أن “الأولوية لتغطية المستوردات الغذائية والدوائية”. هذا الإعلان أدى إلى تغيير أسعار السلع المستوردة وبعض المنتجات المحلية التي تستخدم موادّاً أولية مستوردة، وتحدثت بعض التقارير غير الرسمية عن ارتفعات تراوح بين 15% و30% في أسعار الأرز والمعلبات والزيوت والسكر والفاكهة برغم تحسن سعر الصرف قياساً إلى الأيام السابقة.

وبرغم أن إعلان غرفتي التجارة يحدد سعر الصرف خلال العشرية الأولى (من 1 إلى 10 رمضان) عند 3250 ليرة سورية ثم يخفضه إلى 3100 ليرة في العشرية الثانية، وإلى 2900 ليرة في العشرية الأخيرة، إلا أن السوريين يخشون عدم عودة الأسعار إلى سابق عهدها أو انخفاضها بالقدر الذي يراعي قدرتهم الشرائية.

إنهاء تعيين حازم قرفول حاكماً لمصرف سوريا المركزي اليوم (الثلاثاء) لم يترك أي انعكاس على سوق القطع في سوريا

بعضهم عبّر على مواقع التواصل الاجتماعي عن خيبته من عدم القدرة على إقامة الموائد المتنوعة والغنية أو من تحوّل الحلويات التقليدية المنكّهة بزهر الليمون والقرنفل والمحشية بالقشطة والمكسرات إلى ترف لا تقدر عليه معظم الأسر السورية. فيما استنكر البعض الآخر تحديدَ وزارة الأوقاف السورية للحدود الدنيا لصدقة الفطر وفدية الصوم لشهر رمضان (مع نصاب الذهب والفضة) إستناداً إلى سعر الصرف الحالي مع مراعاة مستوى التضخم في البلاد. ولوحظ أن قيم المقادير الشرعية سجلت ارتفاعات تصل نسبتها إلى 100% مقارنة بما كانت عليه العام الماضي.

وفي ظل انتشار فيروس كوفيد-19، سمحت وزارة الأوقاف بإقامة صلاة التراويح ضمن المساجد مع الالتزام بالتعقيم والتباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات.

لبنان

لا يختلف الوضع كثيراً في لبنان. وقد لا يحتاج المراقب إلى رصد حركة البيع والشراء لاكتشاف عمق الركود الذي أصاب الأسواق. نظرةٌ عامة إلى الشوارع الرئيسة والمحال التجارية الكبيرة والمتوسطة، كافية لملاحظة الفرق بين الحركة في الأعوام الماضية وهذا العام.

يُضطر اللبنانيون إلى الاكتفاء بالحدّ الأدنى من مكونات المائدة الرمضانية وإلى الاستغناء عن الولائم التي يلتمّ حولها الأقارب والأصدقاء، ليس فقط للحدّ من تفشي فيروس كوفيد – 19 بل لترشيد الإنفاق في موازاة انخفاض قيمة المداخيل. ومن لا يستطيع تأمين وجبة الإفطار، يعوّل على المساعدات، عينيّةً كانت أم مالية، وكلّها تُسمّى في قاموس التندّر لدى اللبنانيين “كرتونة إعاشة”! كيف لا والإعاشة باتت مكرمةً  تقدّمها مختلف القوى السياسية والمرجعيات الدينية، منذ ما قبل حلول رمضان، في ظل عجز الدولة عن إدارة الأزمة المالية والنقدية والاقتصادية التي انفجرت بدءاً من أواخر العام 2019. ومنذ ذلك الحين انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بأكثر من 85% أمام الدولار وانهارت القدرة الشرائية للمواطنين المنهكين أصلاً بسبب احتجاز ودائعهم الدولارية في المصارف، وارتفاع التضخم 84.9% عام 2020 إستناداً إلى أرقام إدارة الإحصاء المركزي. علماً أن هذه النسبة زادت منذ مطلع العام الحالي لكن لم يصدر أيُّ رقم رسميّ بعد.

أظهرت دراسة أعدّها مرصد الأزمة التابع للجامعة الأميركية في بيروت، أن كلفة الإفطار الأساسي لأسرة من 5 أفراد ستعادل مرتين ونصفاً الحدَّ الأدنى للأجور

وأظهرت دراسة أعدّها مرصد الأزمة التابع للجامعة الأميركية في بيروت، أن كلفة الإفطار الأساسي لأسرة من 5 أفراد ستعادل مرتين ونصفاً الحدَّ الأدنى للأجور. فالكلفة الشهرية لإعداد الوجبات الرئيسة مع بعض المكونات الاضافية، تُقدّر بنحو مليون و800 ألف ليرة لبنانية فيما الحد الأدنى للأجور يقف عند 675 ألف ليرة (نحو 54 دولاراً بحسب السعر المتداول راهناً في السوق الموازية) مع العلم أن هذه الكلفة لا تتضمن المياه والعصائر والحلويات والغاز والكهرباء ومواد التّنظيف.

وفي ما يتعلق بالإجراءات الخاصة بمحاربة جائحة كورونا، سمحت “المديرية العامة للأوقاف الإسلامية” في لبنان بفتح أبواب المساجد لأداء صلاة التراويح، وأمرت بإغلاق أماكن الوضوء والخلاء في المساجد إضافة إلى إحضار سجادة صلاة ولبس الكمامة لكل مُصلٍّ. بدروها أقرّت لجنةٌ تابعة لرئاسة الحكومة اللبنانية منع الخروج إلى الشوارع والطرقات لمدة شهر من الساعة التاسعة والنصف مساء إلى الخامسة فجراً من كل يوم.

العراق

لا تعكس الحركة النشطة في شوارع بغداد وأسواقها حقيقة الأوضاع المعيشية ولا المخاوف الناجمة عن تفشي فيروس -19. فالمستهلكون يتوافدون إلى الأسواق الشعبية ولا سيما أسواق الخضار ومتاجر التجزئة لاختيار أساسيات المائدة وحاجات المنزل وفق ما يتناسب مع انخفاض قدرتهم الشرائية بعدما قفز متوسط سعر صرف الدينار إلى نحو 1470 دينارا للشراء، و1480 دينارا للبيع. علماً أن هذا المتوسط يُحتسب في بورصة بغداد (بورصة الكفاح) غير انه يختلف في محافظات ديالى، والموصل، وصلاح الدين، والبصرة حيث يتحرك ضمن هامش 20 دينارا صعوداً أو هبوطاً.

مثلما لا تؤدي القيود على التداول النقدي في لبنان إلى تغيير أنماط الإستهلاك، يسري ذلك على سوريا. إنها لعبة الأواني المستطرقة من بيروت إلى بغداد

وفي مشهد غير مألوف لدى العراقيين، نشرت وزارة الداخلية مفارز أمنية لمراقبة السوق ومحاسبة التجار الذين يحتكرون المواد الغذائية بقصد رفع قيمتها، غير أن المشهد لم يبعث الطمأنينة في النفوس القلقة من فقدان خصوصية شهر الصيام والعجز عن ممارسة طقوسه التي غالباً ما تبعث الفرح والإلفة بين الناس. إذ بدا أن مراقبة الأسعار وضبط الزيادات التي تطالها، غير ممكنة في ظل صعود الدولار واستمرار انهيار قيمة الدينار الذي يعطي التجار والباعة ذريعة لتغيير الأسعار بما يتوافق مع تغيّر سعر الصرف. ولعلّ هذا ما يبرّر ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ ما قبل حلول شهر رمضان، بنسب تراوح بين 30% و50%. وعلى سبيل المثال، ارتفع سعر عبوة زيت الطعام بحجم ليتر واحد من 1250 ديناراً إلى 3000 دينار بينما ارتفع سعر الكيلوغرام الواحد من الطماطم من 500 دينار إلى 1000 دينار.

إقرأ على موقع 180  وداعاً طلال سلمان

وتشعر الأسر العراقية التي اعتادت تأمين الغذاء على بطاقة تموينية، أنها في مأزق كبير بعدما تخلّفت السلطات العراقية هذا العام عن تسليم الحصص للمحال المتخصصة ببيعها ما عدا شهر شباط فبراير لأسباب غير معلنة. ولعلّ هذا ما دفع منظمة الغذاء العالمية إلى التحذير من أن 10% من سكان العراق لا يحصلون على المواد الغذائية الأساسية منذ نحو عام. علماً أن الحصة التي تضمنها البطاقة التموينية شهرياً، تضم 3 كيلوغرامات من الأرزّ، وكيلوغرامين من السكر، وقارورة زيت وتسعة كيلوغرامات من الطحين.

في المحصلة، أصبحت أسواق لبنان وسوريا والعراق مترابطة إلى حد كبير. السوقان اللبناني والسوري هما الأكثر تشابهاً. الدليل هو السوق النقدية الواحدة ولا سيما بالعملة الصعبة. يسري ذلك على المحروقات والأدوية والمواد الغذائية، وكلما إرتفع سعر صرف الدولار الأميركي في السوق اللبناني نشهد إرتفاعا مماثلاً في السوق السوري. ومثلما لا تؤدي القيود على التداول النقدي في لبنان إلى تغيير أنماط الإستهلاك، يسري ذلك على سوريا. إنها لعبة الأواني المستطرقة من بيروت إلى بغداد.

Print Friendly, PDF & Email
اليسار كرم

صحافية لبنانية متخصصة في الاقتصاد

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  عن سامي الجميّل "الثوري" الحالم بالسلطة!