شارون لرئيس “الشين بيت”: “انطلق.. واقتلهم جميعاً” (98)  

خلال العام الاول من الإنتفاضة الفلسطينية الثانية (2000)، كانت عمليات القتل المتعمد (الإسرائيلية) تتم بصورة عشوائية ومن دون اي اتجاه واضح، يقول رونين بيرغمان في هذا الفصل من كتابه "انهض واقتل أولاً؛ التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية".

تمت عملية الإغتيال الاولى بعد وقت قصير من انطلاقة الإنتفاضة عندما اكتشف جهاز “الشين بيت” ان احد نشطاء حركة “فتح” ويدعى حسين عبيات كان خلف عمليات اطلاق النار على الطرقات في الضفة الغربية وضاحية جيلو المقدسية. ويقول رونين بيرغمان: “بعد عملية الاعدام غير القانونية التي نفذها الفلسطينيون ضد شرطيين “إسرائيليين” في رام الله تم اعتبار كل الاراضي الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية مناطق خطرة حيث كان من الضروري العمل بالكثير من الحذر وبدعم من قوات كبيرة من الجيش “الإسرائيلي”، ولكن كان من شأن الدخول الى تلك المناطق بعدد كبير من القوات من اجل اعتقال او قتل حسين عبيات ان يعطيه الوقت الكافي للفرار او الاختباء، وكانت الطريقة الوحيدة للوصول اليه، بحسب ما استنتج “الإسرائيليون”، تنفيذ عملية بواسطة كوماندوس متنكر الى جانب هجوم من الجو. وكانت “وحدة كينغفيشر” (اسمها باللغة العبرية شالداغ) في الكوماندوس الجوي تقوم عادة بتحديد الهدف بالليزر خلف خطوط العدو، وقد كُلفت بتنفيذ العملية لأنها كانت الوحدة العسكرية الوحيدة المُدربة للعمل مع سلاح الجو والمتوفرة في ذلك الوقت”.

يتابع بيرغمان، “في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2000 شاهد احد الفلسطينيين المتعاملين مع جهاز “الشين بيت” حسين عبيات يركب في سيارة “مرسيدس” سوداء اللون، ويغادر مع بعض رجاله قرية بيت ساحور قرب بيت لحم، وكان احد عملاء “الشين بيت” الى جانب المصدر الفلسطيني على تواصل مع “غرفة الحرب المشتركة” التي كانت بدورها على تواصل مع سلاحي الجو والبر. قام عملاء “وحدة كينغفيشر” بتحديد سيارة الهدف بالليزر لتشكيلين من طائرات هيليكوبتر من طراز “اباتشي” يتألف كل تشكيل منهما من طائرتين، يتابعان الهدف عن بعد. توقفت السيارة قرب احد المنازل وتجمع حولها حشد من الناس”. هنا ينقل الكاتب عن نائب قائد السرب قوله “انتظرنا لبضع دقائق حتى تحركت السيارة ثانية بعيدا عن الناس ثم اطلقنا عليها صاروخين اصابا الهدف. حتى ذلك الوقت كنا ننفذ هذا النوع من العمليات فقط في لبنان، لقد كان شعورا غريبا ان نفعل ذلك داخل اراض تسيطر عليها إسرائيل”.

لقد كان قتل حسين عبيات “اول اغتيال عن طريق الجو داخل الاراضي المحتلة”، يقول بيرغمان، “وكان ذلك امرا غير عادي، لان جهاز “الشين بيت” كان يُفضل ان تتم عمليات القتل ببصمات ضعيفة، لا تظهر بشكل واضح تورط القوات “الإسرائيلية” فيها لان ذلك كان ممنوعا حصوله وفقا لاتفاقيات السلام الموقعة عام 1994، ولكن الاوامر الآن كانت ان تضرب اهدافاً معينة في تلك المناطق. من هذه الاهداف كان إياد حردان قائد منطقة جنين في “حركة الجهاد الاسلامي”، ففي الخامس من ابريل/نيسان عام 2001 عندما رن الهاتف العام المدفوع الذي اعتاد حردان استخدامه في وسط جنين (كان العديد من “الارهابيين” يعرفون ان “الإسرائيليين” يتنصتون على هواتفهم الخليوية، فباتوا بدلاً من ذلك يلجأون الى استخدام الهواتف العامة المدفوعة) رفع حردان السماعة ولكن بدلا من سماع المكالمة التي كان يتوقعها كان هناك انفجار كبير قتله على الفور. فقد كان عملاء من وحدة “العصافير” قد فخخوا السماعة في الليلة السابقة وكانت المنطقة تحت المراقبة الشديدة لطائرتين مسيرتين، وعندما جرى تأكيد صوت حردان على الهاتف اعطيت الاشارة من “غرفة الحرب المشتركة” لتفعيل العبوة. وبعملية مشابهة في 27 يونيو/حزيران قتل اسامة الجوابرة الذي كان عضوا في “فيلق شهداء الاقصى” التابع لحركة “فتح” في مدينة نابلس”.

يتابع بيرغمان، “لقد حاول جهاز “الشين بيت” مرات عديدة قتل الامين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ابو علي مصطفى مستخدما طرقا عدة تحمل بصمات خفيفة، منها محاولة تسميمه ومنها تفخيخ هاتفه الخليوي ومنها تفجير سيارته على الطريق بحيث يبدو انفجارها وكأنه عبوة كان يحاول ابو علي مصطفى نقلها فانفجرت به عن طريق الخطأ، ولكن مع فشل كل تلك المحاولات يئس “الشين بيت” من المحاولات المموهة بالسرية، ففي 27 اغسطس/آب اطلقت طائرة هليكوبتر من طراز “اباتشي” الصواريخ الى داخل نافذة مكتب ابو علي مصطفى في رام الله. زعمت “إسرائيل” ان قرارها استهداف مصطفى “لم يكن بسبب كونه زعيما سياسيا بل لأنه كان – وفقا للرواية الإسرائيلية – متورطا بشكل مباشر في اعمال الارهاب”. لم يُنهِ اغتيال ابو علي مصطفى الهجمات الانتحارية، بل اعتبر الفلسطينيون ان “إسرائيل” تجاوزت الحدود في تلك العملية، اذ قال احد قادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين “اود ان اذكر إسرائيل بمرحلة مطلع السبعينيات، يجب ان نرد بطريقة تردع الإسرائيليين عن إستهداف قادة فلسطينيين آخرين”.

يقول بيرغمان إن الرد على العملية “جاء بعد شهرين، ففي 17 اكتوبر/تشرين الاول قام نشطاء من الجبهة الشعبية باغتيال رحبعام زئيفي في “فندق حياة” في القدس، وكان الاخير عضواً في حكومة أرييل شارون المصغرة وجنرالا سابقا في الجيش “الإسرائيلي” ويحمل معتقدات وطنية متطرفة، وكان شخصية “إسرائيلية” محترمة ومحبوبة وصديقاً مقرباً من شارون منذ ان كان في الخدمة العسكرية. وفي الحقيقة لم تحقق اي من عمليات القتل المتعمد والاغتيال التي نفذتها “إسرائيل” شيئاً سوى انها ادت الى مقتل 454 فلسطينيا وجرح الآلاف واطالت امد الصراع الدموي وغير المتكافيء الذي اودى بحياة المزيد من “الإسرائيليين”.

إقرأ على موقع 180  "الشين بيت".. ما هذه "حماس" التي توقعناها (79)

زاد كل ذلك من حالة الاحباط عند أرييل شارون من عقم المؤسسة العسكرية، يقول بيرغمان، “وفي صبيحة احد الايام اتصل مدير مكتبه وساعده الايمن دوف ويزغلاس برئيس قسم الاستخبارات في جهاز “الشين بيت” باراك بن زور وطلب منه ان يوافيه لاجتماع في مكان غير معتاد، وهو مدخل المركز العالمي للتجارة في تل ابيب. وقام ويزغلاس بتأمين بطاقات الدخول الى غرفة عمليات المركز، واخذ بن زور الى مساحة واسعة محاطة بشاشات تُسجل حركة أسواق المال الداخل الى “إسرائيل” والخارج منها وهي بمثابة الاوكسيجين لاقتصاد البلاد. وبعد دقيقة طويلة من الصمت، سأل ويزغلاس “ماذا تسمع يا بن زور”؟ فاحتار بن زور واجاب “لا شيء، لا اسمع شيئاً”. قال له ويزغلاس “تماما هذا هو الامر، لا يوجد شيء حتى تسمعه. لا عمل. المستثمرون الاجانب لن يأتوا الى هنا لانهم باتوا خائفين من حصول امر ما لهم، وهم لا يجلبون المال لانه من غير الواضح ماذا سيحصل غدا. اذا لم تفعلوا أنتم في “الشين بيت” والجيش “الإسرائيلي” وسلاح الجو شيئاً فعندها وفوق كل الدماء والحزن والاسى والتعاسة المرعبة ستواجه البلاد انهياراً اقتصادياً”.

يقول بيرغمان إن جهاز “الشين بيت” فهم الرسالة، وأن الجهاز “بحاجة الى استراتيجية اوسع من اجل الحد من قدرات حماس وباقي المنظمات “الارهابية” التي تستخدم المفجرين الانتحاريين”. وبالفعل، قدّم رئيس جهاز “الشين بيت” آفي ديتشر الاستراتيجية الجديدة لشارون والحكومة خلال سلسلة من الاجتماعات بحدود نهاية العام 2001. في البداية، تردد الوزراء باقرارها، ولكن خلال اجتماع اعقب الهجوم “الارهابي” على الحافلة في حيفا، حيث قتل 15 راكباً، همس شارون في أُذن ديتشر قائلا “انطلق.. واقتلهم جميعاً”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  شارون يستميت لقتل "أبو عمّار".. لا تطلقوا النار إنه فتحي عرفات (48)