“في هذه اللحظة تقترب الولايات المتحدة وإيران من الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بتشجيع من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. ولقد ثبُت أن هذه الخطوة كانت كارثية: عشية الانسحاب في سنة 2018، كان لدى إيران 300 كيلوغرام من اليورانيوم المخصّب على درجة مدنية – نحو 3.67%. اليوم، لديها 3.809 كيلوغرامات، جزء منها مخصّب على درجة 60%، ومن هناك، من السريع جداً الانتقال إلى درجة عسكرية 90%. يومها، كانت إيران على مسافة نحو السنة من الحصول على مواد انشطارية مطلوبة لصنع قنبلة واحدة؛ اليوم، هي بحاجة إلى بضعة أيام للحصول على مواد انشطارية تكفي لإنتاج أول قنبلتين، ونحو 6 أشهر من أجل 5 قنابل.
إسرائيل هي دولة تنظر فقط إلى النصف الفارغ من الكأس. وهذا راسخ فينا منذ بداية التاريخ اليهودي. نحن نرى الأسود فقط، ولا نرى الجانب الإيجابي من الأمور. نتردد دائماً بين البديل المرغوب فيه وبين الواقع، ونخوض معارك خاسرة سلفاً، حتى عندما يكون واضحاً أن الولايات المتحدة مصرة على العودة إلى الاتفاق.
إيران تأقلمت مع الضغط بفضل أسعار النفط وتعميق علاقاتها مع الصين و”الاقتصاد المقاوم” الذي طورته. لقد كان من الأفضل تغيير النظام في طهران، لكن ليس لدى أحد فكرة كيف يمكن القيام بذلك
وبعكس المجالات الأُخرى التي أظهر فيها نفتالي بينت ويائير لبيد تفكيراً مختلفاً وحاولا تمييز نفسيهما عن سلفهما، فإنهما واصلا، من دون تغيير تقريباً، الخط المعادي الذي انتهجه نتنياهو ضد الاتفاق. يبدو أن تخوّفهما من تحريض نتنياهو، في حال كانت مقاربتهما أكثر إيجابية، ومن ردود الناخبين – الذين اقتنعت أغلبيتهم بالأوصاف الصعبة التي باعهم إياها نتنياهو خلال أيامه الطويلة في السلطة – هو الذي ساهم في موقفهما هذا. لكن سيُحسب لمصلحتهما أن مواقفهما لم تشكل تحدياً مؤذياً ضد الولايات المتحدة.
لا عزاء لإسرائيل
ربما من الصائب أن نشير بهدوء إلى كبار المسؤولين في الولايات المتحدة بشأن ماهية المخاطر التي ينطوي عليها الاتفاق، لكن لا جدوى من تكرار الشعار المثير للشفقة بأن إسرائيل ليست ملزمة بالاتفاق، وستدافع عن مصالحها بنفسها، فمن الواضح أن ليس لديها خيار عسكري مستقل، لذا، ليس من المستغرب مواصلة عمليات إحباط محدودة من أجل تأجيل النهاية. لقد حوّلنا نهج نتنياهو – بينت – لبيد من حليف يشعر بالقلق – وهو محق – إلى مصدر إزعاج، تأثيره محدود في أفضل الأحوال.
الحياة هي مسألة بدائل. من الأفضل لو كان من الممكن بلورة اتفاق جيد، لكن ما هو مطروح على الطاولة حالياً ليس الخيار بين اتفاق سيئ واتفاق جيد، بل بين الاتفاق الموجود وبين لا اتفاق عموماً – وزوال كل القيود أمام تقدُّم إيران نحو القنبلة. كان من الأفضل لو فرض المجتمع الدولي عقوبات تشلّ إيران لإخضاعها. لكنه مع الأسف، لم يكن مستعداً لذلك، وطبعاً، هو ليس مستعداً لذلك اليوم أيضاً، في ضوء الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار النفط. من جهتها، تأقلمت إيران مع الضغط بفضل أسعار النفط وتعميق علاقاتها الاقتصادية مع الصين و”الاقتصاد المقاوم” الذي طورته. لقد كان من الأفضل تغيير النظام في طهران، لكن ليس لدى أحد فكرة كيف يمكن القيام بذلك.
إذا كنَّا غير قادرين على منع تنظيم صغير موجود على حدودنا من إطلاق الصواريخ – من دون الحديث عن الترسانة الهائلة لحزب الله – فإنه يجب أن ننظر إلى الأمور من المنظور الصحيح
لقد كان من الأفضل لو تسببت عمليات إحباط البرنامج النووي الإيراني المنسوبة إلى إسرائيل – بالقضاء على البرنامج، وليس عرقلته. مع الأسف، لم يحدث هذا. صحيح أن عمليات الإحباط مهمة، لكنها لا تقدم حلاً حقيقياً للمشكلة. لقد كان من الأفضل لو أثمرت المساعي لبناء منظومة إقليمية ضد إيران، لكن للشركاء العرب مصالحهم الخاصة، وهم الآن يعملون على إصلاح علاقاتهم مع إيران. وفي جميع الأحوال، ثمة شك في أن يوافقوا على ما هو أكثر من إعطاء إنذار مبكر ومساعٍ دفاعية مشتركة محدودة الحجم.
كان من الأفضل لو جرى توجيه ضربة إلى إيران، من دون أن تنطوي على آثار جانبية قاسية. لكن إذا كنَّا غير قادرين على منع تنظيم صغير موجود على حدودنا من إطلاق الصواريخ – من دون الحديث عن الترسانة الهائلة لحزب الله – فإنه يجب أن ننظر إلى الأمور من المنظور الصحيح.
يخيفوننا من أن الاتفاق سيحرر أموالاً كبيرة لمصلحة “الإرهاب” – لكنهم لا يذكرون أن إيران لم توظف مثل هذه الأموال قبل العقوبات، وأن سكانها، البالغ عددهم 85 مليوناً، يتوقون إلى استثمار هذه الأموال في مجالات عديدة. يخيفوننا من أن برنامج إيران النووي سيحظى بشرعية دولية بعد الاتفاق – لكن هذا يتعارض مع الاتفاق المكتوب وسياسة الدول الكبرى كلها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
لا غنى عن الولايات المتحدة
يجب أن تتركز الجهود الآن على محاولة الدفع قدماً بتفاهمات مع الولايات المتحدة بشأن الرد على انتهاكات محتملة للاتفاق من جانب إيران، والسقف الممنوع على إيران تجاوُزه؛ وكذلك على الوسائل لتقليص تحويل الأموال إلى “الإرهاب”، ومحاولة الدفع قدماً بتفاهم صامت تعلن فيه الولايات المتحدة وسائر الدول الكبرى الغربية، عشية انتهاء الاتفاق، تمديد صلاحيته لوقت معين. لذلك، يجب التعاون مع الإدارة الأميركية، والعمل بشراكة كاملة مع حليفتنا المركزية، والتوقف عن الخطاب المزعج والتافه، وبلورة استراتيجيا مشتركة.
بعد انتهاء جولة الانتخابات التي لا تنتهي، يجب البدء بالعمل على بلورة استراتيجيا إسرائيلية منتظمة، وفي الوقت عينه الاستعداد، في حال نجحت إيران في أن تصبح نووية، وبعدها دول أُخرى أيضاً. من المحتمل أن يثمر مثل هذا الفحص خلاصات إيجابية تتعلق ببدائل رُفضت في الماضي – مثل الحصول على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة، وإنهاء سياسة الغموض، أو مساع إقليمية للرقابة على السلاح. إن فرص تجديد الاتفاق النووي هو الأمر الأساسي الذي يقف اليوم في وجه إيران نووية. حان الوقت كي نتعلم رؤية نصف الكوب المملوء”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).