كل الإنتصارات التي يتنازعها فرسان الخصام اللبناني، ليست سوى بروباغندا. وهذا ما ألمح إليه معظم الفرقاء وأولهم السيد حسن نصرالله حين اقرّ بأن أحداً لم يكسب الأكثرية، مستنتجاً ضرورة التعاون بين الجميع. لكن عزّ من يسمع نداء العقل في هذه العصفورية اللبنانية المفتوحة؟
إحدى أبرز معوّقات التعاون بين مختلف الأطراف، أنه ينبغي أن يُنتج حكومة تآلف وتشارك وطني، لكن هذا لم يعد يمرّ مرور الكرام، وبات الجميع متأكدين من أن هكذا توليفة لن تكون إلا وصفة خراب كما أثبتت كل “حكومات الوحدة الوطنية” في العقود الثلاثة الماضية. فهي لم تكن في واقعها العملاني سوى حكومات مُحاصصة ونهب وفساد وتبديد لأموال الدولة وسطو على ودائع الناس. صحيح أن “حزب الله” الذي يدفع نحو هكذا حكومة اليوم، ليس مُتهماً بما ارتكبته أطراف أخرى، إلا أنه لن يكون بوسعه الحيلولة دون انفلات النهب، وهو الذي لم يتمكن في السابق من قطع دابره. وهذه نقطة قوة تدعم رفض حزب «القوات اللبنانية» وباقي من يتحلقون حوله، السير بهكذا حكومة. لكن الزعم أنه لن يشارك في حكومة وحدة وطنية، ولن يجلس حول طاولة واحدة مع “حزب الله”، كان مجرّد كلام إستهلاكي عابر ناتج عن بُخار نصر موهوم.
لذا فالسؤال الأول يتعلّق بهوية الحكومة التي ينبغي السعي إلى تشكيلها، بحيث تكون مقبولة من مختلف الأطراف الذين تساووا في عدم الحصول على أكثرية كافية لإملاء الشروط.
قبل أن يقول قائل إن المطلوب هو حكومة إنقاذ، ينبغي التفكير أولاً بنوع جديد من الحوار بين القوى التي أفرزتها صناديق الانتخاب. وهذا سيشكل عنصر إختبار غير مسبوق في سجل الحوارات اللبنانية، والأهم أنه يحتاج إلى قدر وافٍ واستثنائي من المسؤولية الوطنية.
والسؤال الأهم: هل يمكن المراهنة (بعد) على مسؤولية وطنية كافية لدى الفرقاء الذين باتوا هم نواة السلطة التشريعية الجديدة؟
لعل هذا يتطلّب أن يبادر وليد جنبلاط إلى تثبيت موقعه الوسطي، فلا يقع لا في أحضان “القوات اللبنانية” ولا غيرها، ويتطلب من النواب المستقلين أو الذين يمثلون ما يسمى “المجتمع المدني” أن تصبح كتلتهم مثل بقعة الزيت قادرة على التمدد وإحتواء التناقضات وألا تسمح لأحد من طرفي الإشتباك السياسي (حزب الله والقوات اللبنانية تحديداً) في جعلها كيس رمل يتلقى الرصاص من هذا الإتجاه وذاك في آن معاً.
هذا كلّه لا يحتاج إلى وقت إضافي فقط، بل إلى كثير من الدعاء. ففي الأزمات الخانقة، وحين يكون المريض قد خرج من جناح الجراحة إلى مقصورة العناية، فلا أمل إلا في الله.