لم يتمكن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في لقائهما الخامس الأخير الذي خصص لتبادل الافكار والاوراق حول الصيغ الوزارية المطروحة من التوصل الى نتيجة حاسمة تخرج الملف الحكومي من حالة الركود.
يفضي ذلك إلى قناعة رئاسية بأن ثمة تراكمات ادت الى تراجع الارادة في التأليف لحساب المكاشفة في التعطيل، “فالأمر ليس مقصورا على حصص وزارية انما على ملفات تعطلت بفعل فاعل، بدليل ان اللقاءات الاربعة السابقة بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال كانت حكومية صرفة، أي مخصصة لملف التأليف، بينما ذهبا في اللقاء الخامس لمدة ثلاثين دقيقة إلى حد وضع النقاط على الحروف حول الأسباب الكامنة وراء تجميد بعض الملفات التي كانت تتطلب معالجة سريعة واتخاذ قرارات عاجلة بشأنها، اضافة الى ملفات ومواضيع عالقة منذ اشهر وسنوات، ومنها مرسوم محاكم التمييز الذي من شأنه تحريك التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت، وتعيين عمداء الجامعة اللبنانية وغير ذلك من المراسيم المجمدة، وعندما يُعرف السبب لن يبطل العجب انما سيزداد”.
الامور حكوميا متوقفة عند طلب رئيس الجمهورية تعيين ستة وزراء دولة من السياسيين، بينما لا يبدي الرئيس المكلف حماسة لهذا الطرح، في حين يرفضه رئيس مجلس النواب رفضاً مطلقاً. والسؤال الذي يُطرح: لماذا يتبنى ميشال عون فكرة زيادة ستة وزراء دولة لتصبح الحكومة من ثلاثين وزيراً ويعتبرها فكرة اساسية؟
الجواب، بحسب المعلومات، ان عون “لم يطرح فكرة الوزراء الستة وجعل الحكومة ثلاثينية بهدف زيادة حصته في الحكومة ولا من اجل الحصول على الثلث المعطل، بل بهدف تأمين الغطاء السياسي لحكومة التكنوقراط التي اعاد ميقاتي تقديم صيغتها الثانية منذ اسابيع، بعدما حصر التعديل بوزيرين عوض ثلاثة وزراء، اذ ابقى حقيبة الطاقة بعهدة وليد فياض وحصر التعديل بحقيبتي الاقتصاد والتجارة (أمين سلام) والمهجرين (عصام شرف الدين)، الاولى، لتمثيل محافظة عكار وارضاء الكتلة الشمالية السنية التي سمّته في استشارات التكليف الملزمة؛ والثانية، لعدم تسمية اسم وزير درزي يستفز رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط”.
ليس مستبعداً أن نشهد خلال الاسبوع الاول من اكتوبر/ تشرين الاول ولادة حكومة لبنانية جديدة، والاكثر ترجيحاً هو سقوط المراوحة حول العدد والاسماء، والذهاب الى اعادة انتاج الحكومة الحالية بتركيبتها وأسمائها وحقائبها لكن بمراسيم جديدة، كي تحصل بسرعة على ثقة مجلس النواب
ووفق المعلومات إياها، فإن الكثير من الكتل النيابية “كانت تأخذ على هذه الحكومة عدم قدرتها على التعاطي في الشؤون الوطنية والسياسية لكون اعضاءها من اصحاب الاختصاص (تكنوقراط)، ومن هنا جاءت فكرة عون بحيث يركّز وزراء الاختصاص على شؤون وزاراتهم في حين يؤمن وزراء الدولة الستة الغطاء السياسي للحكومة وللقرارات التي ستتخذها حيال الاستحقاقات الوطنية المطروحة، ان كان في ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية او خطة التعافي الإقتصادي والمالي او القوانين التي يرى صندوق النقد الدولي ضرورة لإقرارها كشرط لانجاز الاتفاق النهائي مع لبنان، فضلا عن ان مثل هكذا حكومة محصنة سياسيا يمكنها في حال وقوع الشغور الرئاسي ان تعكس ارادة الاطراف السياسية في متابعة الشؤون السياسية والوطنية”.
هل يعني هذا الاصرار الرئاسي على تحصين الحكومة سياسياً تسليماً بالشغور في سدة الرئاسة الاولى بعد 31 اكتوبر/ تشرين الاول المقبل؟
ربما يقرأ البعض هذا الاصرار لدى رئيس الجمهورية إنما يصب في هذا الاتجاه، ولكن ليس من رئيس جمهورية الا وكان يشعر بالغصة عندما ينتهي عهده من دون ان يسلم رئيساً منتخباً، وبالتالي يتمنى ميشال عون أن يُسلم رئيساً جديداً ويقلده ارفع وسام في الجمهورية اللبنانية ويغادر. غير أن تجربتي حكومتي التكنوقراط الحالية برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي والسابقة برئاسة الرئيس حسان دياب، “تجعلان إستنتاج رئيس الجمهورية في محله، فلطالما كانت جلسات مجلس الوزراء تشهد تريث معظم الوزراء في الموافقة على البنود المطروحة على جدول الاعمال او من خارجه لأجل العودة الى مرجعياتهم السياسية، فتتعطل جلسات مجلس الوزراء بانتظار الحصول على موافقة هذه المرجعية أو تلك.. او يتوقف البحث في المواضيع المطروحة عدة اسابيع. هذا الامر دفع عون الى تقديم اقتراحه، وهو قد راوده منذ اليوم الاول لاعتبار الحكومة الحالية مستقيلة، وليس من باب عرقلة التأليف”.
لذلك؛ من يلتقي عون في هذه الأيام يلمس حرصه الشديد على تشكيل حكومة في اسرع وقت، وان لا صحة لما يقال بأنه لا يرغب بولادة حكومة جديدة، انما الحكومة المنتظرة تختلف عن سابقاتها من حكومات العهد كونها قد تتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، اذا تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لاي سبب كان، وبالتالي لا بد من ان تتوافر لها القدرة على تولي مسؤولياتها سواء من حيث تحقيق الشراكة الوطنية والميثاقية الدستورية والغطاء السياسي، حتى لا يشعر اي طرف لاحقا بأنه غير معني بهذه الحكومة ولا بقراراتها ويعرقل عملها.
ما هي حدود الخطر حتى يُسرّع الفرقاء مسار تأليف الحكومة؟
ربما سينقضي شهر سبتمبر/ايلول الحالي من دون ان يحصل اي تطور في الملف الحكومي، لان الانشغال سيكون طيلة هذا الشهر في عملية استكشاف ورصد امكانية عقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، واذا ما كانت هذه الجلسة ستنتج رئيسا، ولكن اذا تبين ان الاستعصاء الرئاسي غير قابل للكسر، ليس مستبعداً أن نشهد خلال الاسبوع الاول من اكتوبر/ تشرين الاول ولادة حكومة لبنانية جديدة، والاكثر ترجيحاً هو سقوط المراوحة حول العدد والاسماء، والذهاب الى اعادة انتاج الحكومة الحالية بتركيبتها وأسمائها وحقائبها لكن بمراسيم جديدة، كي تحصل بسرعة على ثقة مجلس النواب.
على ما يبدو، توقفت الامور في ملف تأليف الحكومة عند حد معين، لا تراجع فيه الى الخلف مع صعوبة التقدم ولو بخطوة بسيطة الى الامام. “عون وميقاتي يريدان تأليف الحكومة الأمس قبل اليوم ولكن…”، هذا ما تشي به مناخات القصر الجمهوري.