بعد نحو أسبوعين من الزمن يكون قد مر عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل والذى ينص فى بدايته على وقف الأعمال العدائية من صباح يوم ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر: اليوم التالى لولادة الاتفاق الذي أنهى حرباً دامت 66 يوماً.
بعد نحو أسبوعين من الزمن يكون قد مر عام على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل والذى ينص فى بدايته على وقف الأعمال العدائية من صباح يوم ٢٧ تشرين الثاني/نوفمبر: اليوم التالى لولادة الاتفاق الذي أنهى حرباً دامت 66 يوماً.
في زحمة الأحداث على الساحتين العربية والدولية وانشغال لبنان الرسمي والشعبي بنقاش إمكانية عودة الحرب الإسرائيلية على لبنان من عدمها، مرّت ذكرى ترسيم الحدود البحرية (اتفاق كاريش)، أمس الأول، مرور الكرام. برغم ذلك، من المفيد التذكير بها وبخاصة أنها تتزامن مع الضغوطات الدولية على لبنان لإبرام اتفاق أمني مع إسرائيل ومع نقاشات داخلية لا سيّما لجهة رفض "الثنائي الشيعي" لهكذا اتفاق.
في هذا البلد العظيم الذي اسمه لبنان؛ من «قانون الفجوة» إلى «قانون الانتظام المالي» لم يتغيّر سوى العنوان، فيما المسار الإجرائي نفسه يُعيدنا إلى حيث توقّف طرح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
لم تمر احتفالات الذكرى السنوية الأولى لاغتيال الأمينين العامين السابقين لحزب الله السيدين الشهيدين حسن نصرالله وهاشم صفي الدين بسلاسة. عكر صفوها الإشكال الذي وقع بين رئيس الحكومة نواف سلام وقيادة الحزب بشأن اضاءة صخرة الروشة بصور الشهداء، وهذا الأمر شكل إحراجاً لكلا الطرفين وأعاد طرح الأسئلة حول إدارة الدولة والتناقضات القائمة في السلطة السياسية وبينها وبين قوى لبنانية وازنة.
مأزِقُ السلطةِ في لبنانَ بِنيويٌ عميقٌ. عمرُ المأزِقِ مئةٌ وخمسُ سنواتٍ، منذ إعلانِ ما سُمِّيَ "دولةَ لبنانَ الكبير" في العام 1920. سلطة ٌ بلا دولة فعلية. ودولةٌ بلا هويّة. والمعادلةُ واضحةٌ في هذه الحالةِ: سلطةٌ بلا هُويةٍ. تُعاني من انفصام ٍبين خطابِها اللفظويّ وقدرتِها الفعليّة، ويصبحُ كلُّ كلامٍ عن السيادةِ فقَّاعاتٍ للاستخدامِ العابر.
تعرّض وما يزال رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام إلى حملة شيطنة وتخوين غير مسبوقة، وذلك منذ اتخاذ الحكومة قرارها في ٥ آب/أغسطس عند مناقشة الورقة الأميركية المعدّلة بإسقاط شرعية المقاومة للمرة الأولى في تاريخ لبنان منذ توقيع اتفاق الطائف في العام ١٩٨٩.
تحتل مسألة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية موقعاً محورياً في النقاش الوطني منذ ربع قرن تقريباً، وهي أبعد من أن تكون قضية أمنية أو عسكرية، بل تعكس جوهر إشكالية الدولة اللبنانية الحديثة؛ هل تستطيع أن تكون المرجع الأوحد في احتكار العنف الشرعي وقرار السلم والحرب؟ وهل تستطيع أن تنسج توازناً دقيقاً بين مقتضيات السيادة الوطنية وضمانات السلم الأهلي في مجتمع تعددي بالغ التعقيد؟
يدخل لبنان مع نهاية الشهر الحالي مرحلة مفصلية من تاريخه الحديث من شأنها أن تُحدّد مصيره وهويته، فمع مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل يُفترض أن تُقدّم قيادة الجيش اللبناني خطتها لتفيذ قرار الحكومة اللبنانية القاضي بحصر السلاح الذي تُصنفه بأنه غير شرعي، في اشارة إلى سلاح المقاومة. وفي نهاية الشهر الحالي، يُفترض أن يُقرّر مجلس الأمن صيغة التمديد لقوات الطوارىء الدولية المؤقتة العاملة في لبنان (اليونيفيل).
لو دقّقنا النظر اليوم، لوجدنا أنّ مسار التفكير لكلّ جماعة في منطقتنا هو أحادي القطب، لا يميل ولا يتزحزح عنه الناس. والمقلق في الأمر، هو أنّ الفئة التي نُطلق عليها نخبًا، هي الأكثر تشبثًا بهذه الأحادية، فنرى عند كلّ أزمة أو تهديد، خطابًا وتحليلًا ولغةً واحدة، كأنهم يفكرون بعقل واحد (وهنا الأمر يختلف عن الدعوة كي تكون الجماعة على قلب أو قرار واحد)، وهذا أمر يدعو إلى دقّ ناقوس الخطر لما سينتج عن هذه المعضلة الخطيرة المتسترة بلباس الوحدة والقوّة. والصحيح هنا، أن نخلق تحوّلًا يصبح التفكير فيه ركيزة للعقول كلّها ومعيارًا، لتنطلق بشجاعة في ميادين البحث والتدقيق والتحليل والمساءلة والحلول دون خوف أو وجل.
من بيروت إلى تل أبيب، غادرنا الموفد الأميركي توم برّاك ترافقه شريكته في الملف اللبناني مورغان أورتاغوس. هناك سيحاول إقناع المسؤولين الإسرائيليين بما يسميها "هندسة الإلتزامات المتبادلة"، وبطبيعة الحال مع انحياز أميركي لم يعد خافياً على أحد لمصلحة وجهة النظر الإسرائيلية في ما يخص التعامل مع اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، على أن يحمل الرد الإسرائيلي إلى بيروت مجدداً قبل الأول من أيلول/سبتمبر المقبل.