تخلي الدولة اللبنانية عن مواطنيها.. غازي نموذجاً

بيان وزارة الخارجية اللبنانية حول ظروف وفاة المواطن غازي عزالدين في الإمارات صِيغَ بلغة أقرب الى "الدَرْوشة" منه إلى دولة تهتم بأمر مواطنيها.

فضلاً عن أن البيان تأخر بضعة أيام عن واقعة وفاة مواطن لبناني في “ظروف مشبوهة”، حسب تعبير منظمة العفو الدولية، داخل مركز احتجاز، فهو يفيد بأن وزارة الخارجية إكتفت بما أكده وزير خارجية الإمارات لنظيره اللبناني في إتصال هاتفي من أن “عائلة المرحوم غازي عزالدين حُرة بمغادرة الامارات أو البقاء فيها”، في مقابل تأكيد منظمة العفو أن سلطات الإمارات أطلقت شقيقَيْ المواطن عزالدين لكنها منعتهما من مغادرة ذلك البلد. كما بدا أن الوزارة أخذت بحصيلة تواصل السفير اللبناني في أبو ظبي بزوجة المرحوم وشقيقه “هاتفياً”، وأنه تلقى رسالة خطية موقَّعة من العائلة تفيد بأن “المغفور له توفي من جراء أزمة قلبية”، وأن “مراسم العزاء والدفن تمت بحضور العائلة في الإمارات وبناء على رغبتها”، مع وعد بأن السفير “سيزور العائلة قريباً لتقديم واجب العزاء والوقوف على إحتياجاتها”.

هل هذا البيان كان مُقنِعاً للرأي العام؟ وهل وضع خاتمة “طبيعية” لحادثة تحتاج الى تحقيق واستقصاء يتم بهذا التبسيط؟

من المفيد ملاحظة الآتي:

  • وفاة أي شخص في السجن يُحمّل مبدئياً الدولة التي احتجزته مسؤولية التحقيق في ظروف الوفاة لاحتمال وجود مسؤولية ما على السجّانين، لكن سلطات الإمارات وقعت في مطبات عدة في التعامل مع الموضوع: لم تُصدر بياناً رسمياً يتحدث عن وفاة مواطن أجنبي في مركز احتجاز تابع لها كما يُفترض في هكذا حالة، بحيث لم نعرف بالواقعة إلا بعد أيام عن طريق مواطنين لبنانيين بالتواتر، ثم أكدته منظمة العفو الدولية. ثم عمدت السلطات إلى السماح بدفن الرجل من دون تشريح للجثة لتحديد الأسباب، كما ألقت طريقة تعاملها الإجمالية بأسئلة عدة حول تفاصيل مهمة: مكان الدفن (لم يحدَّد بدقة) وظروف الدفن ومن شارك. وثمة سؤال هام: هل أعطيت العائلة الخيار بشأن مكان الدفن؟ علماً أن هناك عُرفاً لدى اللبنانيين عامة، ولدى أهالي الجنوب خاصة، بنقل موتاهم الى الوطن لدفنهم في ترابه، وهذه مسألة ترتبط ببعد عاطفي وجداني لدى العائلات. ويصحّ ذلك حتى على من يُتوفّون في الديار المقدسة أو حتى في أفريقيا واوروبا وأميركا وغيرها. وقد أشار المرحوم كمال جنبلاط مرة الى المقيمين الجنوبيين في ضواحي بيروت الذين ينقلون موتاهم الى قراهم في الجنوب لأنهم يتعلقون بإنتمائهم الى الأرض التي نبتوا فيها وليس بالمكان الذي وفدوا إليه، وما زال هذا العُرف جارياً ومعمولاً به إلى اليوم مع تغيرات لا تلغي القاعدة.

في حال وجود تهم جدية وأدلة دامغة، لماذا لا يُصار الى إعلانها وتنظيم محاكمة علنية؟ ولماذا تبقى الإعتقالات وما ينتج عنها في الكواليس؟ وإذا كان لبنان الطرف الأضعف في هذه المعادلة، فهذا يشير الى علاقة غير طبيعية بين أشقاء عرب ويتطلب الخروج من دوامة الصمت الرهيبة التي تحيق بعائلات المحتجزين

  • كل ما تقوم به عائلة المرحوم عزالدين أو تقوله وهي على أرض الإمارات ينبغي أن يتم التعامل معه على أنه وليد الظرف المكاني وليس يُعبّر بالضرورة عن قناعاتها، إذا أخذنا بالإعتبار ما ذكرته منظمة العفو من أن شقيقَيْ المرحوم مُنعا من المغادرة بعد إطلاق سراحهما إثر وفاة شقيقهما، ولِما نعرفه من طريقة تعاملها مع الرعايا الذين يخالفون أوامرها ونواهيها. وقد يُستعاد أرشيف الشخص المعني على مواقع التواصل الإجتماعي للإستظهار به عليه. وبالتالي، فإن إستدلال وزارة الخارجية اللبنانية بما تبلغته من عائلة عزالدين من كونه توفي بـ”أزمة قلبية” في مركز الإحتجاز، لا يُعبّر إلا عن شيء واحد وهو ان الوزارة تتخفف ديبلوماسياً من الملف، لأسباب سياسية.
  • تعيد القضية طرح السؤال المزمن حول واقع إهتمام الحكومة اللبنانية بالمُغيَّبين في سجون الإمارات ودول الخليج الذين يُحاسَبون أحياناً بناء على تُهم فضفاضة ويتعرضون للإحتجاز لفترة طويلة من دون محاكمة أو السماح لهم بتكليف محام. والسؤال هنا: في حال وجود تهم جدية وأدلة دامغة، لماذا لا يُصار الى إعلانها وتنظيم محاكمة علنية؟ ولماذا تبقى الإعتقالات وما ينتج عنها في الكواليس؟ وإذا كان لبنان الطرف الأضعف في هذه المعادلة بسبب السطوة المالية للدول الخليجية والتهديد المصلت دائماً بسحب رعاياها من لبنان أو طرد اللبنانيين على أرضها أو وقف الصادرات اللبنانية إليها، فهذا يشير الى علاقة غير طبيعية بين أشقاء عرب ويتطلب الخروج من دوامة الصمت الرهيبة التي تحيق بعائلات المحتجزين الذين يشعرون بأن الدولة اللبنانية ليست دولتهم وأنها تخلت وتتخلى عنهم، بما يعزز الشعور بالإغتراب عنها. والجدير بالذكر أن المدير العام السابق للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إضطلع بدور بعيد عن الأضواء في متابعة قضية المحتجزين في الإمارات ودول خليجية أخرى مستفيداً من علاقاته الواسعة، وتحققت في حينها بعض النتائج الإيجابية. لكن ليس واضحاً الآن من يتابع هذا الموضوع بعد تقاعده، إنما يجب بالتأكيد تعيين مسؤول مزوَّد بالتوجيهات والصلاحيات اللازمة للعمل على رفع المعاناة عن الأهالي المعنيين. كما يجدر إيفاد مسؤول من بيروت الى الإمارات لإيجاد حل نهائي لقضية هؤلاء المواطنين وفتح حوار صريح ومُطَمئن بين الجانبين وإزالة عوامل “سوء الفهم” التي تجعل الإمارات مكاناً محفوفاً بالمخاطر الأمنية حتى لمن يقصدونها بصورة ترانزيت.
Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  عتب إيراني على الأسد.. لكن ماذا عن دمشق وحافّة التطبيع؟ 
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ازدياد الطلب على النفط والطاقات المستدامة خلال مرحلة التحول الطاقوي