ثلاثية الاختصار الصهيوني.. إنهاء المقدس والإنسان

بعد مائة سنة من الاحتلال، فشلت الآلة المعرفية الصهيونية بمعية القوة العسكرية والسياسية في لي إرادة الشعب الفلسطيني وفشلت أيضًا في التأثير على الشعوب لطمس تاريخ وحضارة فلسطين، بل وعقيدة وآيات ومسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومبعث الرسالات ومركز الجهاد والتغيير وقيادة الأمة.

المحور الأول: لماذا خرجت الروح الصهيونية الدينية بتصعيد واستيطان في الضفة والقدس والأقصى؟

تعلمت من رصد حياة الصهاينة وقسوتهم أنهم في نهاية ضيقهم يخرجون بقوة روحهم بأشد، إنها الروح الصهيونية التي صنعت فيهم قسوة قلبية، تحولت إلى قسوة فكرية لنقل الروح من مكان إلى مكان وكيان إلى كيان، إلى قسوة عملية ترفع الروح الصهيونية إلى مقام الدولة الإسرائيلية المزيفة.

هكذا حاولت القوى الصهيونية الدينية الحاضنة لمشروع القسوة القلبية من أجدادهم في كهوف الغيتو أن تخرج بتطرف، وقوة، وتصعيد في الضفة وغيرها، بعد يأسها من سياسات الليبراليين الصهاينة أمام التعامل مع الضفة والمقاومة والشعب الفلسطيني.

إن شئت يمكن أن نسمي هذا الخروج المتطرف للصهاينة بـ”مشروع الاختصار”، بمعنى اختصار المواجهة الصهيونية للفلسطيني بشكل مستعجل دون تسويات التطبيع وأوسلو وكامب ديفيد وتدرجات الفكر الصهيوني الليبرالي اليساري.

اليأس من الانتظار وسياسات الصفقات يقابله تقدم في الضفة وغزة للمقاومة والمنطقة ومشروع التحرير.

المحور الثاني: مصطلح الاختصار

في محاضرات سابقة ومقالات أدرجت “مصطلح الاختصار” في المعركة وأن المشروع الصهيوني بسبب الضيق الذي يعيشه ورزمة الانكسارات والهزائم التي يتميز بها هذه الأيام سيسعى إلى مشروع الاختصار، اختصار الطريق في المواجهة، وقد تعجبت هذا الأسبوع بتوظيف سموتريتش الصهيوني (وزير المالية المتطرف) نفس المصطلح بعد فشلهم هذا الأسبوع في جنين ونابلس ومستوطنة عيلي، فقابلوا الهزيمة بمشروع أول هو اختصار الاستيطان، واصطلحت الحكومة الإسرائيلية على المشروع (مشروع اختصار الاستيطان).

ماذا تريد القوى الصهيونية الدينية؟

باختصار هذه الروح اليهودية الصهيونية التي نشأت في الملاحات والغيتو ووراء الحصون والجدران قبل تأسيس الدولة الإسرائيلية المزيفة تختصر المسافة في المواجهة، وتخرج الروح لتضع نهاية للمعركة.

في هذه المرحلة، ليست الصهيونية السياسية فقط التي خرجت لتصفية الشعب الفلسطيني بل روحها الدينية الصهيونية وقوتها وتطرفها، وهي نفس الروح التي صنعت الحاخامات وصنعت هذا الفكر اليهودي المتطرف قبل نشأة الفكر الصهيوني.

تريد هذه الروح الصهيونية الدينية حرق المراحل وتجاوز الاجتهادات والمحاولات اليسارية الصهيونية واختصار المعركة، وإذا خرجت هذه الروح بقوة وتصعيد، فإن الأمة العربية والإسلامية والقوة في فلسطين ستخرج بروحها، وروحها هي روح المسجد، روح المقدسيين، روح عباد الله، روح الرباط، روح المرابطين ورجال الأنفاق، هذه بتلك، خرجوا بروح من غيتو فتخرج له مقابلها روح المسجد تطهر الأرض من كل دنس، ولن ينهي الروح الخبيثة إلا روح طاهرة حاملة لمشروع التحرير.

ما هو الاختصار في عين الاحتلال؟

مفهومه هو تسريع واختصار مسافة المواجهة بإنهاء أهم مقومات القضية الفلسطينية الثلاثة:

  • المكان والزمان المقدس.. بالقدس والأقصى.
  • جغرافية الضفة وعمارها.
  • إنسان المقاومة.

ومن يرى التصعيد الصهيوني مؤخرا في الضفة فهو ليس محض ردات فعل مستوطنين أو وزراء صهاينة متطرفين. الأمر منظم ومخطط له بميزانية مالية ثقيلة وتفكير ودراسة وتوجه صهيوني سياسي استراتيجي يريد القضاء على المشروع الفلسطيني من خلال مشروع الاختصار الصهيوني الثلاثي كما هو معنون في مقالي، هي خطة في ثلاث زوايا أو مستويات:

1- إنهاء العمران وجغرافية الضفة بمشروع الضم و500 ألف مستوطن.

2- إنهاء وتصفية المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا بمشروع هالفي.

3- إنهاء الإنسان المقاوم في الضفة وغزة بالإعدام والقتل.

المحور الثالث: دوافع التصعيد وإخراج ثلاثية الاختصار الصهيوني

السبب الأول: تأخر الاحتلال

الاختصار في عين الاحتلال مفهوم أخرجه المتطرف السياسي الصهيوني من أجل إنهاء واختصار المسافات في التعامل مع أهم مقومات القضية الفلسطينية: مقوم الضفة وعمارها، ومقوم المسجد الأقصى المقدس زمانيا ومكانيا، ومقوم الإنسان المقاوم في الضفة وغزة.

هي عملية اختصارية استعجالية تسريعية وردة فعل بسبب تغيرات في المقاومة والشعب الفلسطيني. قد تأخر الاحتلال والجنين ازداد في الضفة بمقاومة جديدة واختصرت الأم الصناعة والولادة، هو تأخر صهيوني أفضى إلى الاختصار والعجلة والإحباط والإرباك، الاختصار الصهيوني في خطواته سببه انتصار مقاومة وتمددها.

الاختصار سببه انتصار.

السبب الثاني: الانحشار يولد الاختصار

من سنن الكون إذا حاصرت حيوانا في غابة بأسلحة وسياج فإنه يهيج ويختصر سبل الانعتاق من المشهد والضيق بطرق مختصرة سريعة، وإذا حاصرت أفعى في جحرها واختصرت أنت كصياد نهاية حياتها بتضييق في جحرها فإنها تغضب وتثور، وإذا اختصرت الداء الصهيوني في جحر ضيق مثل الضفة وحاصرته من غزة إلى الضفة ورام الله ونابلس وجنين وطولكرم وشعفاط والقدس، فإنه ولا بد أن يجنح الاحتلال إلى سبل اختصار معركته في عجل كي يخرج من الاختصار والانحشار الذي حاصرته به المقاومة.

الذي حقق مفهوم الاختصار والانحشار والحصار هي المقاومة الفلسطينية، ضيقت الخناق على الاحتلال من غزة إلى الضفة من خلال صناعة بؤر مسلحة وصلت حتى إلى أراضي 48 أي الأراضي المحتلة داخل الكيان الصهيوني.

في المقابل واجه الاحتلال الاختصار بالاختصار، المقاومة اختصرت وحاصرت وضيقت، والعدو أراد اختصار خطواته العسكرية كذلك والاستعجال لإنهاء المقاومة.

إقرأ على موقع 180  "مغامرة" التحرير اللبنانية بعيون عراقية

السبب الثالث: فشل الصفقات والتوجه التقليدي

سأحاول أن أبسط بين أيديكم تفسيرا واضحا لمشروع الاختصار الصهيوني الذي لم يصنع عبثا من القوى الصهيونية، بل سببه فشل صفقات سابقة مثل صفقة القرن من أجل تصفية المقاومة بشكل تدريجي، وعقل أمريكي يجنح إلى عدم التسرع، وتنسيق عربي مطبع يفضي إلى تهميش القضية الفلسطينية من خلال اتفاقات التطبيع ويحقق (ناتو عربي وإسرائيلي) يساعد في كبح تمدد المقاومة داخليا، لكن التطرف الصهيوني اكتشف أن خطوات الحكومة الإسرائيلية الليبرالية ومسار التوجه الأمريكي في حل قضية فلسطين بعقل الديمقراطيين والفكر التقليدي سيؤخر تصفية المقاومة بل وسيدفعها إلى التطور والتقدم، لذلك خرج التطرف الصهيوني وخرجت الروح الصهيونية الدينية في شكل حكومة صهيونية تم تقمصها وتلبسها من أجل تسريع عملية تصفية المقاومة والشعب من خلال اختصار مسافات المواجهة.

وأي مواجهة مستقبلية ضد الاحتلال ستكون في مسار هذه الثلاثية: الجغرافية.. المقدس.. الإنسان.

حاولت جمع هذه الخطة الصهيونية المختصرة في قراءة جامعة للتنزيل الصهيوني لمشروع التصفية المتصاعدة من خلال ثلاثية سميتها “ثلاثية الاختصار الصهيوني”.

المحور الرابع: ثلاثية الاختصار الصهيوني

1- إنهاء مقوم العمران وجغرافية الضفة بمشروع الضم و500 ألف مستوطن.

2- إنهاء وتصفية مقوم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا بمشروع هالفي.

3- إنهاء مقوم الإنسان المقاوم في الضفة وغزة بالإعدام والقتل.

حاولت في كل مستوى من تصفية المقاوم أن أعرف هذا التوجه الصهيوني، ثم رصد المستهدف والكيف والغاية، في شكل مرتب سبرت أغوار هذا المشروع الصهيوني الذي تجاوز الأفكار الليبرالية الصهيونية.

أولاً: اختصار الاستيطان لاستهداف العمران والإنسان

تعريف: الاختصار في الاستيطان عملية تسريعية استعجالية، تسريعية للضم وإدخال المستوطن بقوة بسلاحه لتهويد المكان وقتل الإنسان، واستعجالية خوفا من استكمال المقاومة مشروع البؤر المقاومة في الضفة.

1- المستهدف = جغرافية الضفة وعمارها بإنهائهما وتهجير الإنسان وتهويد الضفة لتجاوز مخاطرها.

2- الكيف = مشروع الضم مشروع 500 الف مستوطن في الضفة

3- الغاية = استهداف الإنسان تصفية وتهجيرا، مواجهة الشعب في الضفة بالقوة الشعبية الاستيطانية رفقة الأمن بعد فشل القوة الأمنية لوحدها لمواجهة ما هو قادم..

ثانياً: اختصار الزمان والمكان

تعريف: الاختصار في الزمان والمكان يستهدف المقدس خصوصا المسجد الأقصى من خلال مشروع التقسيم الزماني والمكاني، لاختصار معركة المسجد الأقصى، واختصار تصفية مشروع المرابطين والمقدسيين ..

هي عملية تسريعية استعجالية مثل (عملية اختصار الاستيطان)، مختصرة من العقل المتطرف الصهيوني.

1- المستهدف: المستهدف من مشروع اختصار الزمان والمكان المقدس ومشروع الرباط وروح المسجد

2- الكيف = مشروع هاليفي لتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا

3ـ الغاية = استهداف الزمان والمكان وهما مكان عبادة وزمان عبادة المسلمين وصلواتهم وهما أهم شيء في هوية الشعوب العربية والإسلامية والشعب الفلسطيني

ثالثاً: اختصار الإنسان (صاحب المشروع)

المستهدف: الإنسان المقاوم الصانع

تعريف: وهو أشد الاختصارات والتصفيات، فهو مختلف عن اختصار (تصفية وإنهاء) العمران بالاستيطان واختصار (تصفية وإنهاء) الزمان والمكان المقدسين بمشروع التقسيم الزماني والمكاني، هو مشروع اختصار (أي تصفية وإنهاء الإنسان الصانع للتحرير).

1-المستهدف = هو مشروع يستهدف الإنسان المقاوم الذي يصنع في الضفة وغزة، لذلك الفكر التطرفي العسكري اختصر المواجهة بالإعدام في الضفة بشدة والاغتيال في غزة.

2-الكيف = مشروع الإعدامات من بن غفير، مشروع اقتحامات جنين والضفة لإنهاء مشروع المقاومين في الضفة.

3- الغاية = حجب مقاومة الضفة عن تنسيق مع مقاومة غزة من أجل الإعداد لمعركة قادمة مفتوحة.

ختاماً؛

الروح الصهيونية الدينية في شكل التطرف الصهيوني هي التي خرجت من الغيتو اليهودي (الموضع الذي صنع فيه التلمود والمشروع الصهيوني)، وسنرى أن الشعب الفلسطيني رفقة الأمة سيخرجان بروح المسجد، فالمعركة دينية عقدية، ولن يطهر الروح سوى الروح.

وانظر بعينك وتدبر كيف أن المواجهة والمعارك والأحداث كانت تتوجه نحو المنطقة والتطبيع، والقمم وإدماج إسرائيل في المنطقة، واتفاقات أمنية وعسكرية إسرائيلية عربية، وصفقة قرن وترامب وكوشنير وبينيت، ولبيد ومنامة وقمة نقب وعقبة وووو… من أجل تصفية القضية الفلسطينية من الخارج، بتوظيف الكيان الصهيوني لموظفي الأشباح من حكام العرب والأمريكان لصناعة ناتو عربي إسرائيلي يختصر المسافات ويحمي الكيان ويدعمه لتصفية القضية الفلسطينية.

لكن كلها كانت معارك جانبية خارجية بدأها الكيان من خارجه لجمع الشلة الاستبدادية العربية والأمريكية لعونه في صفقة تسمى صفقة القرن لإنهاء القضية الفلسطينية بخطة أبراهام، لكن التطرف الصهيوني كلما رأى التحرك الخارجي غير نافع فإنه ينقل المعركة إلى مكانها الحقيقي، بالمسجد الأقصى وفلسطين.

طريق الاختصار سببه الانتصار.

Print Friendly, PDF & Email
هشام توفيق

كاتب وباحث متخصص في الشأن الفلسطيني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "مغامرة" التحرير اللبنانية بعيون عراقية