مَثل موقف جيل Z الأمريكى من العدوان الإسرائيلى، وحجم الدعم والتعاطف مع الجانب الفلسطينى فى الصراع، صدمة لجيل الآباء والأمهات الذين فوجئوا بعقلية مختلفة من حيث رؤيتهم لأنفسهم وللعالم، ولمعانى الحق، والعدل، والمساواة.
***
ويستخدم مفهوم الجيل Z لوصف هؤلاء الذين ولدوا خلال أواخر تسعينيات القرن العشرين وأوائل الحادى والعشرين، وتصنف بعض الموسوعات نطاقها العمرى بين عامى 1997 إلى 2007، إلا أن هناك الكثير من الآراء حول صعوبة تحديد الأجيال وروح العصر الخاصة بهم بدقة وربطها بإطار زمنى محدد.
يُعد الجيل Z أول جيل رقمى حقيقى، وعلى عكس جيل الألفية، الجيل الذى عاش خلال صعود الإنترنت بينما لا يزال ينمو مع التلفزيون التقليدى والهواتف الأرضية، عاش الجيل Z حياتهم بالكامل متصلة رقميا وتكنولوجيا بصورة لم يعهدها أيا من الأجيال السابقة عليهم. ولا يتذكر هذا الجيل الحياة قبل وجود وانتشار الهواتف الذكية. ونشأ هذا الجيل بصورة طبيعية واصلا ومستقبلا للمعلومات والأحداث حول العالم فى ثوان عبر محتويات البث المباشر ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة. ولا يقرأ هذا الجيل فى أغلبه الجرائد والصحف، لا الورقية ولا الرقمية منها، ولا يشاهد الشبكات الإخبارية الشهيرة.
كيف سيشكل هذا الجيل Z مستقبل وموقف أمريكا من صراع غاب عنه الحياد لما يزيد عن 75 عاما؟ وهل سيغيّر الطلاب المتحمسون للتظاهر والاحتجاج مواقفهم عندما يكبرون عمريا وينتقلون إلى فئة عمرية أقل حماسة وأكثر واقعية فى المستقبل؟
ودفع ذلك لاستقلال هذا الجيل بعيدا عن سطوة الإعلام الأميركى الطاغى والذى سيطر على عقول وقلوب أجيال آباء وأمهات الجيل Z. ويتلقى هذا الجيل ويستقى معلوماته عن العدوان على قطاع غزة بصورة لا مركزية غير مسبوقة، ويرى ويشاهد فيديوهات قصيرة لا تتعدى الدقيقة الواحدة أو الدقيقتين على أقصى تقدير، ويشاهد الكثير من الصور التى تصله من كل العالم بما فيها من شوارع تل أبيب إلى دهاليز واشنطن وصولا إلى صور من وسط ركام ودمار شوارع ومستشفيات ومدارس قطاع غزة.
***
برغم أن الأمريكيين العاديين يحملون مشاعر إيجابية تجاه الإسرائيليين أكثر من مثيلاتها تجاه الفلسطينيين، فإن أغلب استطلاعات الرأى تشير إلى زيادة كبيرة فى نسب تعاطف الشباب الأمريكى من الجيل Z مع الفلسطينيين فى الصراع الجارى، خاصة الفئة العمرية بين (18 و29 عاما)، إذ ينظر 61% منهم بإيجابية إلى الفلسطينيين، فى حين تبلغ النسبة تجاه الإسرائيليين 56%.
أحد الأسباب التى جعلت الأخبار الواردة من غزة تؤثر بشكل كبير على جيل الشباب هو أنهم نشأوا وهم يعتبرون السلام أمرا طبيعيا. لم تقدم الحرب فى غزة قضية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى فحسب إلى الشباب الأمريكى، بل أظهرت لهم وجه الحرب الحقيقى.
وتزامنا مع العدوان على قطاع غزة، تحولت الجامعات الأمريكية إلى ساحة ساخنة للتنافس بين الطلاب المناصرين للجانب الفلسطينى والمؤيدين لإسرائيل، وسط دعم كبير من الطلاب للموقف الفلسطينى.
ويدفع شباب الجيل Z من الأمريكيين العرب والمسلمين ــ الذى يشارك بصورة واضحة فى الحراك الطلابى ــ إلى تسرب خطاب نقدى جديد وقوى يفند مقولات حتمية التحالف الأمريكى والدعم الكامل غير المشروط لإسرائيل.
ولم تعد شعارات «حق إسرائيل فى الوجود»، و«الدفاع عن النفس»، و«معاداة السامية تسيطر على المشهد الجامعى الأمريكى، لكن ظهرت فى هذا العدوان كلمات وعبارات جديدة يفهمها الشباب الأمريكى، مثل «قتل المدنيين دون تمييز»، و«نظام الأبارتهايد»، و«التطهير العرقى».
أصبحت مشاهد المواجهات والسجالات فى الجامعات مألوفة بشكل متزايد، إذ يتنافس الطلاب تبعا لتداعيات استمرار الحرب وارتفاع أعداد ضحايا القصف الإسرائيلى داخل قطاع غزة.
إذا كان هذا الجيل يمقت الحروب والعنف والدمار والظلم، فهل له أن يحاسب حكومته وساسته على دعمهم الأعمى للطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف، وهل سيتولون هم بأنفسهم مهمة تغيير موقف بلادهم، أم سيكونون جيلا عابرا كغيره من الأجيال التى سبقت، ولم تكترث؟
ودفعت تغيرات التركيبة السكانية الأمريكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة إلى زيادة أعداد المنتمين للجيل Z من أولاد مهاجرى الدول الإسلامية الذين يقترب عددهم بسرعة من عدد الجالية اليهودية فى الولايات المتحدة. وأصبح من المألوف وجود مئات الطلاب المسلمين والعرب فى مختلف الجامعات فى كل الولايات الأمريكية.
وبسبب حراك الجيل Z المؤيد للجانب الفلسطينى فى الكثير من الجامعات، دخل أعضاء هيئات التدريس والمانحون والمتبرعون للمؤسسات التعليمية على خط المواجهات، وتلقت الجامعات خلال الأسابيع الأخيرة آلاف الرسائل والبيانات والعرائض التى تطالبها بالتنديد أو التحدث أو التزام الصمت، ردا على احتجاجات الحرم الجامعى على خلفية عملية “طوفان الأقصى” والعدوان على قطاع غزة. ويخشى أنصار إسرائيل من خسارة جيل أمريكى قادم وسط صعوبة السيطرة الفكرية عليه بالأدوات التقليدية.
***
يبقى سؤال هام، وهو كيف سيشكل هذا الجيل Z مستقبل وموقف أمريكا من صراع غاب عنه الحياد لما يزيد عن 75 عاما؟ وهل سيغيّر الطلاب المتحمسون للتظاهر والاحتجاج مواقفهم عندما يكبرون عمريا وينتقلون إلى فئة عمرية أقل حماسة وأكثر واقعية فى المستقبل؟ وإذا كان هذا الجيل يمقت الحروب والعنف والدمار والظلم، فهل له أن يحاسب حكومته وساسته على دعمهم الأعمى للطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف، وهل سيتولون هم بأنفسهم مهمة تغيير موقف بلادهم، أم سيكونون جيلا عابرا كغيره من الأجيال التى سبقت، ولم تكترث؟
(*) بالتزامن مع “الشروق“