من غور الاردن بالضفة الغربية المحتلة، أراد بنيامين نتنياهو تظهير إطلالته الرسمية الأخيرة، قبل أقل من ثمان وأربعين ساعة على توجه الناخبين الإسرائيليين إلى صناديق الإقتراع. ترأس في إحدى المستوطنات الإجتماع الأخير لحكومته. هي رسالة أراد توجيهها إلى ناخبيه بأن “صوتوا لي”، كي يصبح وعد ضم منطقة الغور وشمال البحر الميت ذات الأهمية الإستراتيجية، والتي تمثل نحو ثلث الضفة الغربية، ويقطنها نحو 65 ألف فلسطيني، على جدول أعماله، إذا أعيد إنتخابه، برغم إقتناعه ضمنا أن الأمر لن يتعدى الوعد الإنتخابي، لأسباب دولية، وتحديدا أميركية روسية بالدرجة الأولى.
في الجلسة – الرسالة، أعلن نتنياهو أنه قرر تشكيل لجنة تخطيط خاصة بتطبيق “السيادة الإسرائيلية” على المنطقة، عقب الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، كذلك تعيين فريق عمل برئاسة المدير التنفيذي لمكتبه، لوضع مخطط “تطبيق السيادة”. هي خطوة أولى سيليها ضم مستوطنات أخرى بعد نشر خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للسلام، كاشفاً أن ترامب سيعرض “صفقة القرن” بعد يوم من الانتخابات الإسرائيلية.
كعادته إذاً، ينتهج نتنياهو سياسة حافة الهاوية على أبواب كل موسم إنتخابي، لا يردعه تحفظ داخلي، قضائي تحديداً، عن الإندفاع بإتجاه إطلاق وعد ضم الغور، ولا كلام خصومه بأنها مجرد رشوة إنتخابية لن تدوم مفاعيلها، ولا التنديد الدولي، ولا حتى تحفظ بعض من في الإدارة الأميركية، مخافة التشويش على “صفقة القرن”.
أكثر من ذلك حاول نتنياهو مد يده نحو قواعد الآخرين. إستغل علاقاته الروسية وكذلك مع دول الإتحاد السوفياتي السابق، وخصوصا أوكرانيا، للحصول على أصوات إسرائيليين من أصول روسية أو أوكرانية، ممن كانوا يفضلون أن تذهب أصواتهم إلى أفيغدور ليبرمان زعيم حزب “إسرائيل بيتنا”. كما لوحظ أن صورة عملاقة تجمعه وفلاديمير بوتين قد زينت أحد جدران مبنى حزب الليكود، للغاية نفسها.
أخفق نتنياهو في تشكيل إئتلاف حكومي يستطيع الحكم، في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الدولة العبرية.
يخوض نتنياهو، ومعه الأحزاب الاسرائيلية من اليمين المتطرف إلى يمين الوسط، والجنرالات وأحزاب المستوطنين واليسار، إنتخابات تحمل صفة الإستثناء. هي الإنتخابات التشريعية الـ 22 للكنيست، والاولى التي تجري للمرة الثانية في عام واحد و خلال 5 أشهر فقط. ففي أعقاب الانتخابات المبكرة التي جرت في 9 نيسان/ أبريل الماضي، أعلن نتنياهو فوز حزبه الليكود، لكنه أخفق في تشكيل إئتلاف حكومي يستطيع الحكم، في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ الدولة العبرية.
بعد 42 يوماً، وهي المهلة التي يمنحه إياها القانون لتشكيل الإئتلاف، وفشله بهذا الإستحقاق، ذهب نتنياهو وحزبه إلى الأمام بتمرير قانون حل الكنيست في أواخر أيار/ مايو الماضي، قاطعاً الطريق على إحتمال تسمية الرئيس الاسرائيلي ريوفين رفلين رئيس حزب آخر لتشكيل الحكومة.
منذ ذلك الحين، إنطلقت الحملات الانتخابية. إستل كل حزب ما يملك من شعارات لخوضها: الفساد (نتنياهو يواجه تهماً بالاحتيال وتلقي رشى، ومحاولة الحصول على حصانة من التقاضي، وتلقي هدايا من رجال أعمال أثرياء)، بناء المستوطنات، تهويد المسجد الأقصى والقدس، ضم غور الاردن، التلويح بشن حرب على غزة في المستقبل القريب، التحريض ضد المواطنين العرب من أبناء مناطق الـ 48، (على غرار التغريدة التي نشرت على صفحة نتنياهو على فايسبوك قبل يومين، وحذرت من أن العرب “يريدون إبادتنا جميعاً” ما دفع إدارة هذا الموقع الى تصنيف التغريدة بالعنصرية، وتوجيه إنذار لصفحة حزب الليكود من خلال إغلاقها لمدة 24 ساعة، رداً على “إنتهاكه سياسة مناهضة بث الكراهية” قبل أن يبادر إلى سحب التغريدة والتبرؤ منها)، فضلا عن تنفيذ سلسلة إعتداءات ضد أهداف في كل من سوريا والعراق ولبنان في الأسابيع الأخيرة.
كيف تتوزع خارطة المتنافسين إلى هذه الإنتخابات؟
في مفارقة في تاريخ الإنتخابات، تبدو الخريطة الحزبية الانتخابية الإسرائيلية غير مكتملة، برغم الإنقسام العمودي بين معسكرين يمينيين، أول، يقوده زعيم الليكود (إندمج ضمنه حزب كولانو بقيادة موشيه كاحلون)، ويشمل حزب شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين (سافارديم) ويهوديت هتوراة الذي يمثل اليهود الغربيين (أشكيناز) وهما حزبان حريديان، بالإضافة إلى أحزاب اليمين الديني الصهيوني. الثاني، يسمى يسار وسط وعلى رأسه “كاحول لافان” (أزرق أبيض) بقيادة رئيس الاركان السابق الجنرال بيني غانتس، ويضم أيضا “المعسكر الديموقراطي” و”العمل ـ غيشر”.
وإلى جانب هذين المعسكرين، ولد مؤخراً حزب “إسرائيل الديمقراطية” برئاسة زعيم العمل السابق إيهود باراك. ويخوض الإنتخابات حزب “يسرائيل بتينو”(إسرائيل بيتنا) بزعامة أفيغدور ليبرمان. كما تخوض الإنتخابات القائمة العربية وهي تضم تحالف الجبهة الديمقراطية مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي وحزب التجمع الوطني الديمقراطي، والحركة الإسلامية الجنوبية، والحركة العربية للتغيير.
تبدو نتائج إستطلاعات الرأي متقاربة بين المتنافسين الأبرزين: الليكود وزعيمه، وكاحول لافان (أزرق أبيض) وزعيمه
وعلى غرار إنتخابات نيسان/ أبريل الماضي، تبدو نتائج إستطلاعات الرأي متقاربة بين المتنافسين الأبرزين: الليكود وزعيمه، وكاحول لافان (أزرق أبيض) وزعيمه الذي يمثل إئتلاف الوسط. فقد أظهرت آخر إستطلاعات الرأي مساء الخميس والجمعة الماضيين قبل حلول الصمت الانتخابي، تقارب عدد المقاعد التي ستحصل عليها قائمتا الحزبين بشكل كبير، وربما تطابقهما بحصول كل منهما على 32.
هذه النتيجة توقعتها القناتان 12 و13 في التلفزيون الإسرائيليّ. أما صحيفة معاريف فنشرت إستطلاعاً بيّن حصول قائمة حزب “الليكود” على 33 مقعداً، وقائمة تحالف “أزرق أبيض” برئاسة غانتس على 32 مقعداً. وفي الخلاصة العامة، بات محسوماً أن الفائز سواء كان نتنياهو أو غانتس، غير قادر على تشكيل حكومة مع الحلفاء الطبيعيين وفق تصويت الأغلبية، (الصهيونيّة الدينيّة والحريديين في حالة نتنياهو)، بل يحتاج كل واحد منهما إلى تأمين تحالفات لضمان الأغلبية البسيطة، الضرورية للتشكيل، وهي لا تقل عن 61 مقعدًا في الكنيست.
بيضة القبان بهذا المعنى قد تكون أحزاب مثل “إسرئيل بيتنا” بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي ترجح إستطلاعات الرأي حصوله على 9 مقاعد، مقترباً بالنتيجة مع حزب “إلى اليمين” أو “يامينا” برئاسة آييلت شاكيد التي تحصل في أسوأ التوقعات على 7 مقاعد وفي أحسنها على 9، والقائمة العربية المشتركة المتوقع حصولها بين 10 إلى 12 مقعداً.
القائمة العربية هذه التي تريد إسقاط نتنياهو، يضع القيميون عليها نصب أعينهم ملامسة المقعد الثاني عشر، إذا نجحوا في رفع نسبة التصويت في صفوف العرب (أكثر من 60%)، علما أن الأحزاب الصهيونية تطمح للفوز بنسبة من الأصوات العربية.
من هي أبرز الأحزاب الإسرائيلية المشاركة في الإنتخابات؟
الليكود:
هو أبرز ما تسمى أحزاب اليمين التقليدي المحافظ. إنبثق في العام 1973 عن حزب “حيروت” الذي كان يتزعمه وقتها مناحيم بيغن، والذي تعود جذوره إلى حزب “الإصلاح” المنادي منذ نشأته في العام 1925 بـ “خصوصية الأمة اليهودية”. دخل الليكود الكنيست للمرة الأولى في العام الذي أنشىء فيه. تولى مناحيم بيغن أولى حكومات هذا الحزب في العام1977. وتقلب بعدها بين السلطة والمعارضة. وإلى بيغن، تولى رئاسة الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من حزب الليكود كل من إسحاق شامير وبنيامين نتنياهو ( 5 مرات) وأرييل شارون الذي إنشق عن الحزب الأم في العام 2005، وأسس حينها حزب كاديما.
كاحول – لافان (أزرق ابيض):
برغم أن حزب “كاحول-لافان” يتموضع في ما يسمى اليمين الوسط، لكن منطلقاته يمينية. معظم أركانه هم من جنرالات الجيش السابقين. زعيمه هو رئيس الأركان الأسبق بيني غانتس، ومن أبرز قيادييه وزير الدفاع الأسبق موشيه يعالون، رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، كما يضم حزب “يش عتيد” الذي يرأسه يائير لابيد. أنشىء الحزب عشية الانتخابات التشريعية المبكرة في نيسان/ أبريل الماضي لمواجهة زعيم الليكود. ينادي بالتعددية والعلمانية، لكنه لا يختلف مع اليمين في مقاربة الصراع العربي الاسرائيلي، والصراع مع الفلسطينيين ( ينادي باعتبار القدس عاصمة موحدة وابدية للشعب اليهودي، وبالسيطرة الأمنية والعسكرية على الضفة الغربية، وبالإبقاء على الكتل الاستيطانية، وعدم الانسحاب من الجولان السوري المحتل وغور الأردن).
اسرائيل بيتنا:
هو حزب يميني متطرف. أسسه أفيغدور ليبرمان عام 1999، معظم جمهوره من المهاجرين الروس من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. يحمل هذا الحزب ادبيات متطرفة معادية للعرب وللفلسطينيين، وهو الداعي إلى تنفيذ خطة ترحيل الفلسطينيين المعروفة بـ “الترانسفير”.
يامينا (الى اليمين):
هو تحالف سياسي يضم أحزاباً من اليمين، واليمين المتطرف، أنشىء عشية الانتخابات الحالية، بزعامة ايليت شاكيد، إحدى قيادات حزب “البيت اليهودي”. شاكيد من مواليد العام 1976، يهودية من أصل عراقي، وعسكرية سابقة تولت تدريب المشاة في لواء غولاني، عملت مديرة لمكتب نتنياهو قبل خروجها من الليكود في العام 2008. كما تولت وزارة العدل. تعرف بمواقفها العنصرية المتطرفة، منها الدعوة الى إبادة امهات وأبناء الفلسطينيين.
شاس:
هو حزب ديني صهيوني أسسه الحاخام اليهودي من أصل عراقي عوفاديا يوسف في العام 1884. يعتبر القوة الدينية الأولى في إسرائيل ويمثل الفئة المتدينة من اليهود الشرقيين “السفارديم”. تم تشكيله رداً على التمييز الذي واجهه هؤلاء من قبل اليهود الغربيين “الأشكناز”. وبخلاف الأحزاب الدينية الأخرى التي تركز أدبياتها على مسائل توراتية، إنخرط شاس في الحياة السياسية وإنضم إلى الائتلافات الحكومية المتعاقبة. تتسم مواقفه بالتباين، فهو يؤيد التفاوض مع الفلسطينيين لكنه يدعم الاستيطان، ويرفض التفاوض حول مستقبل مدينة القدس.
يهوديت هتوراة (يهودية التوراة):
يعتبر حالياً رابع أقوى حزب في الكنيست الإسرائيلي . فقد فاز في انتخابات نيسان / أبريل الماضي ب 8 مقاعد. أسس هذا الحزب الديني المتطرف الذي يمثل اليهود الغربيين “الأشكيناز” في العام 1988 عبر إندماج 3 أحزاب دينية تمثل يهود اسرائيل و اوروبا و اميركا ، بقيادة رابي شاش. يدعو لإقامة دولة يهودية تقودها القوانين الدينية لا المدنية.
اسرائيل الديمقراطية:
بعد ضمور حزب العمل، وغيابه عن المشهد السياسي، عاد رئيس الحكومة الاسرائيلي السابق ايهود باراك الى الواجهة معلناً في تموز/ يوليو الماضي عن تأسيس حزب “اسرائيل الديمقراطية” لخوض الانتخابات الحالية، جنباً الى جنب نائب رئيس الاركان الاسبق يائير غولان، وبالتحالف مع حزب ميريتس اليساري.
القائمة العربية المشتركة:
تحالف من 4 أحزاب ناشطة في مناطق الـ 48، يترأسها أيمن عودة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، مقرها الناصرة، وهي تضم تحالف؛ الجبهة الديمقراطية مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي، حزب التجمع الوطني الديمقراطي، الحركة الإسلامية الجنوبية، والحركة العربية للتغيير.
الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة:
تأسست في العام 1977 وهي تحالف يساري عربي يهودي، تطرح شعار العدالة الاجتماعية وحقوق العمال. تشدد على أنها جبهة غير صهيونية، تنادي بحل الدولتين، وبالانسحاب الاسرائيلي من كافة الاراضي المحتلة عام 1967، وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وحق العودة، كما تدعو الى الاعتراف بالعرب الفلسطينيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية كأقلية قومية.
التجمع الوطني الديمقراطي:
تاسس في العام 1995 عبر ائتلاف قوى عدة ذات توجه فلسطيني قومي عربي. ينادي بالعدالة الاجتماعية، وبالربط بين الهوية القومية ومبادىء الديمقراطية.
الحركة العربية للتغيير:
يتزعمها عضو الكنيست احمد الطيبي. تأسست عام 1996، تصف نفسها بأنها حزب سياسي اجتماعي، وترى أن الشخصية والهوية العربية للفلسطينيين في إسرائيل مكونة من مركبين أساسيين، فهم جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني، وهم على الصعيد المدني والرسمي القانوني مواطنون في “دولة إسرائيل” تدعو لتحرير كل المناطق الفلسطينية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في حدود العام 1967 تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.
الحركة الاسلامية الجنوبية: