نوال الحوار19/08/2024
لم تودع فرنسا بالأمس فناناً جميلاً وساحراً ورومنسياً وقمراً من أقمارها الرائعة. لربما ودّعت عصراً من الجمال تختصره سيرة الفنان الكبير آلان ديلون الذي سلب قلوب وعقول الملايين من الجميلات على سطح هذا الكوكب.
لم تصل شهرة فنان على مستوى العالم إلى ما وصل إليه نجم آلان ديلون، فقد ترك خلفه حياة عاطفية عاصفة، كيف لا وهو النجم الأوسم ذو الشرك الذي لا يُمكن أن تنفذ منه غزالة؛ ومثلها وأكثر ترك إرثاً سينمائياً كبيراً نظراً للعمر الذي عاشه (88 عاماً) وأنتج خلاله سبعة أفلام تلفزيونية وسبع مسرحيات وأكثر من 88 فيلماً وأنتج 32 فيلماً.. إلى أن استفاق العالم بالأمس على بيان مقتضب لعائلته تُعلن فيها وفاة آلان ديلون “بسلام داخل منزله في دوتشي”، الضاحية القريبة من العاصمة الفرنسية باريس، علماً أن أسرته أرادت نقله إلى سويسرا هرباً من الضرائب الباهظة في فرنسا.
كانت الوسامة هي جواز مرور آلان ديلون إلى عالم السينما والشهرة، فمعظم البطولات التي أسندت إليه كانت بسبب وسامته وجاذبيته وكاريزميته، بخاصة أن الكثير من النقاد لم يكونوا على ثقة تامة بموهبته الفنية.
بعد عودته من الخدمة العسكرية ضمن الجيش الفرنسي في حرب فيتنام، كانت أول تجربة له في العام 1957 مع أول أفلامه “أرسل امرأة عندما يفشل الشيطان”، وبعدها كان فيلم “روكو وإخوته” في عام 1960، ثم فيلم “Plein soleil” (شمس كاملة) الذي قاده إلى الشهرة.
ومع الزمن، تبين للنقاد أنهم أخطأوا في فك شيفرات هذا الأرستقراطي الموهوب. وجدوا أنفسهم أمام نسق فني مخملي، وبرغم ذلك لم ينل ديلون أياً من جوائز الأوسكار إلى أن كرمه مهرجان برلين السينمائي بمنحه جائزة (دب الشرف).
في العام 2019، نال ديلون السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي وألقى خطاباً وداعياً قال فيه “هذه ليست كلمة أعلن فيها نهاية الخدمة وأشكركم على ذلك.. بل إنها تكريم لي بعد الوفاة لكن في حياتي”.
نعى الرجل نفسه. تزوج مرتين؛ الأولى من الممثلة ناتالي ديلون وأنجب منها إبنه البكر أنطوني قبل أن ينفصل عنها ويغوص في علاقات متعددة كثيرة لعل أشهرها علاقته برومي شنايدر (حب عمره) ليتزوج لاحقا بالهولندية روزالي فان بريمان ويُنجب منها ابنه فابيان وابنته أنوشكا.
جمع آلان ديلون ثروة كبيرة تقدر بنحو ثلاثمائة مليون يورو. تعاقدت معه أهم شركة فرنسية للعطور كوجه إعلاني ووضعت صورة قديمة له، فهو حلم لجيله وأيقونة للجيل الجديد مع غيره من الفنانين أمثال جان بيير ميلفيل ولويس بونويل وداليدا وبريجيت باردو وجان بول بلموندو.
آلان ديلون هو ابن العصر الذهبي للسينما الفرنسية. ومثلما كانت سيرته الشخصية مثخنة بالخيبات، كذلك سيرته السياسية، فقد دعم اليمين المتطرف على خلفية صداقات تاريخية أنشأها وهو شاب عندما كان يخدم في جيش فرنسا في فيتنام والجزائر.
ارتبط إسمه بأكثر من قضية جنائية بسبب علاقاته مع رجال تهريب الأسلحة فقد كان مدمناً على شرائها ولم يتردد قبل سنتين في طلب “الموت الرحيم” عندما كان يقيم في سويسرا. يقول إنه طلب الموت الرحيم أيضاً لكلبه: “أوصيت طبيباً بيطرياً ليحقنه بمادة خاصة، بحيث يلحق بي عند تركي لعالم يصيبني بالامتعاض؛ لكثرة ما أصبح مليئاً بالفساد والجرائم كل يوم»، بحسب مجلة «Paris Match» الفرنسية في تقرير أعدته لمناسبة مرور 50 عاماً على مسيرته الفنية.
إستعادت صحيفة “لوموند” الفرنسية عبارة قالها آلان ديلون في مقابلة سابقة معه: “لو أنني بقيت جزاراً لما تعرضت لكل المنغصات التي تعرضت لها كنجم سينمائي”. قبل أن يدخل عالم الفن، عمل آلان ديلون جزاراً في المحل الذي يملكه والده للحوم المقددة.
لو عدنا إلى ذكريات بيوتنا القديمة؛ ندر أن تدخل غرفة فتاة من تلك البيوت إلا وتجد صورة لآلان ديلون مُثبتة فوق السرير على جدار الطين نزعتها إحداهن من غلاف مجلة استعارتها من جارتها الجميلة.
وداعا لفرنسا الجميلة التي كانت ذات يوم تشبه جمال آلان ديلون.