

هذا العام، للذكرى طعم خاص، فالصديق المناضل والحقوقي البارز، الذي يُعتبر أحد أهم مفكّري العرب، قضى القسط الأكبر من حياته في الكفاح الفكري والعملي وبين العمل الثقافي والأكاديمي، وقدّم رؤىً سياسيةً وفكريةً متقدّمةً، أقول إن هذا العام له نكهة خاصة لأن الصديق شعبان يبلغ 80 عامًا من عمره، ولديه اليوم 80 كتابًا مطبوعًا.
الصديق المفكّر والكاتب الكبير الذي استعانت بمنجزاته الجامعات ومراكز الأبحاث وشخصيات عديدة كبرى، عربية وكردية، وألقى محاضرات في أعرق الجامعات العربية والعالمية، احتفت به مدينة النجف الأشرف مؤخرًا، حيث كان الاحتفال تظاهرة ثقافية متميّزة، حضرها شيوخ عشائر ورجال دين ومثقفون وإعلاميون وأكاديميون وجمهور غفير من أنحاء العراق كافة، واستمعوا لما قاله عنه عدد من المتحدثين ومن بينهم أبناء مدينته البطلة من آل سميسم وآل الحكيم وآل عوينة وغيرهم.
ثمانون عامًا وهو يروي شجرة المعرفة بالمحبة والدفاع عن مصالح الفقراء والمظلومين، تحمّل بسببها الاعتقال والتعذيب عدّة مرّات، فضلًا عن اضطراره للهجرة أكثر من مرّة.
ي النجف الأشرف، مدينة الإمام علي، التي نشأ وترعرع فيها وجالس الخطباء والشعراء والمثقفين والدارسين في الحوزة، كان شعبان متصالحًا مع محيطه ومع مدينته، وظلّ يأتي على ذكرها وفضلها عليه، وهو ابن العائلة المرموقة، حيث كانت لأكثر من 500 سنة تحتلّ مكانة السدانة في الحضرة العلوية المطهّرة ورئاسة المرشدين الدينيين الذين يحقّ لهم الخدمة في حضرة الإمام علي.
لم ينس شعبان وهو في عزّ تألقه واجتيازه أعلى المواقع العلمية الهمّ العربي بشكل عام والهم الفلسطيني بشكل خاص، وكان سباقًا في الدفاع عن العروبة وفلسطين ضدّ الصهيونية، وجاهر بذلك في المحافل العالمية.
وكم كان بودّي حضور احتفالية النجف الأشرف، خصوصًا وتربطنا مع رموزها علاقات طيبة مثل السيد صاحب جليل الحكيم، رفيق درب شعبان أيضًا وصديق عمره، وعدد كبير من خيرة المناضلين، مثل حسين سلطان وباقر ابراهيم وغيرهم.
لقد عملت مع الصديق عبد الحسين شعبان منذ أكثر من 6 عقود من الزمن، حيث كان في القيادة العليا لاتحاد الطلبة العراقيين، وحضرنا لقاءات ومؤتمرات عديدة، إضافة إلى عملنا في الحزب الشيوعي العراقي لغاية المؤتمر الرابع، وأعرف مؤهلاته القيادية وأطروحاته الفكرية واتّساع ثقافته، إضافة إلى تواضعه وحبه للناس، فضلًا عن شجاعته وجرأته.
وارتبطنا بتشكيلة المنبر الشيوعي، وكان موقفنا من الحرب العراقية – الإيرانية، إدانة من أشعل الحرب وإدانة من استمرّ فيها، ولم نقبل بأي اجتياح للحدود العراقية.
ولا يمكن ذكر د. شعبان دون ذكر علاقته المتميّزة بالجواهري ومظفر النواب، وقد أسهم في الكتابة عنهما بما يشكل إضافة جديّة للمكتبة العربية، فضلًا عن علاقته المتميزة مع المبدعين العراقيين الآخرين والعرب، وقد كتب عنهم بما يعلي من شأن الثقافة.
ويُعتبر شعبان من أبرز قادة الرأي ومن أكثر الشخصيات التي انشغلت بحقوق الإنسان ونال جائزة أبرز مناضل في العالم العربي في العام 2003 في القاهرة.
امتاز الصديق “أبو ياسر” باستقلاليته الفكرية ووضوح رؤيته ومنهجه الخاص في معالجة المشكلات والتحدّيات وهو لا يتردّد في المراجعة والنقد والنقد الذاتي.
شخصيًا وبعيدًا عن السياسة فأنا أرتبط والدكتور شعبان بعلاقات عائلية متينة، ولا يمكن أن أنسى أنه كتب مقدمة جميلة لكتابي الموسوم “نصف قرن في رحاب الحركة الشيوعية”، وهو لم يبخل بمساعدة العراقيين والعرب حين كان رئيسًا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، ويساعده طاقم عمل في تزويد الكتب الرسمية إلى السلطات البريطانية لتزكية طالبي اللجوء.
اليوم وقد بلغ الصديق شعبان الثمانين من عمره، لا يسعني إلّا تهنئته، متمنيًا له حياة سعيدة، ولابنتيه المحامية سوسن والشاعرة سنا الفخر بوالدهما، وكان قد بذل جهوده في تربيتهما وتعليمهما، وحصلتا على شهادات عليا بتفوق.
أتمنى له الصحة والنشاط الدائم والمواصلة في استكمال رسالته الإنسانية في الإبداع والعمل لمسيرة باهرة يعتزّ بها كل عراقي وكل عربي بالمناضل الأممي البارز.
للعزيز الدكتور عبد الحسين شعبان العمر المديد وباقة ورد حمراء بمناسبة عيد ميلاده الثمانين.