لا يزال المشهد العراقي ضبابياً بشأن الموعد المحدد لانعقاد الجلسة الاستثنائية للبرلمان العراقي للتصويت على حكومة الرئيس المكلف محمد توفيق علاوي. فهل سيعقد البرلمان جلسته غداً (الإثنين) ويعطي ثقته لحكومة علاوي أو للجزء الأكبر منها أم يتم التفاهم على تأجيلها إلى موعد آخر، أم ثمة مخرج آخر على قاعدة لا منتصر ولا مهزوم؟
وفق الدستور العراقي والنظام الداخلي للبرلمان العراقي، فإن موعد الجلسة الاستثنائية لمجلس النواب غداً مازال قائماً، برغم الإعلان عن سفر رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي الذي صرح، قبيل سفره “السياسي” المفاجىء، أنه لم يحدد حتى الآن موعد الجلسة الإستثنائية، وأن التحديد يلي عادةً وصول المنهاج الوزاري وأسماء الوزراء (قبل 48 ساعة بالحد الأدنى)، محذّراً من مغبة تجاوز الدستور.
موقف الحلبوسي جاء مناقضاً لما صدر عن نائبه الأول حسن الكعبي من تأكيد على موعد الجلسة، قبل أن يبادر الأخير إلى ترجيح التأجيل وعقد الجلسة يوم الأربعاء المقبل بدل الإثنين، علماً أنه في حال إتفاق النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس على الموعد يصبح ساري المفعول، ذلك أن عقد الجلسة الاستثنائية يتطلب، وفقا للعرف السياسي، موافقة هيئة رئاسة مجلس النواب (الرئيس ونائباه) لكن إذا كان رئيس البرلمان والنائب الثاني ضد عقد الجلسة سيكون من الصعب إلتئامها، “لأنه لا يجوز عقد جلسة إستثنائية للبرلمان خلال العطلة التشريعية”، على حد تعبير أحد النواب العراقيين المعترضين. يذكر أن الكعبي ينتمي إلى تحالف “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر.
وكان قد سجل وصول طلبين من كل من رئيس مجلس الوزراء المكلف (علاوي) ورئيس الوزراء المستقيل (عادل عبد المهدي) وطلب ثالث موقع من سبعين نائبا لعقد الجلسة الاستثنائية . ووفق الدستور العراقي، فإن جلسة البرلمان الخاصة بمنح الثقة للحكومة، تعقد بناء على طلب من 50 نائبا، أو رئيس الجمهورية، أو رئيس البرلمان، أو رئيس الوزراء المستقيل أو المكلف.
ويشترط لحصول الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان، تصويت الأغلبية المطلقة (50 في المئة+ 1) من أصل عدد الأعضاء الحاضرين، أما النصاب القانوني لبدء أعمال الجلسة، فيفترض حضور 165 نائباً على الأقل، من أصل 328 هم إجمالي أعضاء المجلس (أي النصف+1). وهذا الرقم يمكن تأمينه من خلال حضور الكتل الداعمة لكابين علاوي الوزارية، ولكن قد يؤدي إلى تشقق سياسي قد يتخذ طابعاً مذهبياً وطائفياً.
وفي إنتظار أن يعرض علاوي أسماء الوزراء والمنهاج الوزاري على الكتل النيابية، تتكثف المشاورات السياسية، حيث ينتظر أن يعود إلى العاصمة العراقية، الوفد المفاوض لإقليم كردستان الذي وضع القيادات في أربيل في أجواء المشاورات، وما تخللها من تقدم (أعطيت وزارات المال والتجارة والعدل للأكراد) “ولكن من دون التوصل إلى إتفاق نهائي حتى الآن”، على حد تعبير عضو الوفد الكردي المفاوض رئيس كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني في البرلمان العراقي، جمال كوجر.
ولم تهدأ المفاوضات في بغداد بين الكتل والرئيس المكلف، وتمحورت بشكل خاص حول سبل تبديد تحفظات المكونين الكردي والسني، برغم أن بعض الكتل الشيعية تتناغم في تحفظها مع المكونين الكردي والسني، لكن لأسباب سياسية تنافسية.
هذا الكر والفر الذي يسبق جلسة التصويت على الحكومة، جعل المتظاهرين يعدون بأن 25 شباط/فبراير (الثلثاء)، سيشهد مليونية للتعبير عن رفض تسمية علاوي
وقد صرح عضو الاتحاد الكردستاني غياث السورجي أن القوى الكردستانية انقسمت الى ثلاث رؤى بشأن حكومة علاوي، حيث سجل الاتحاد الوطني موقفا ايجابيا، وكذلك بعض النواب الكرد الداخلين في تحالف الأحزاب الثلاثة: حركة الجيل الجديد وحركة التغيير والاتحاد الاسلامي، في حين يتخذ الحزب الديمقراطي الكردستاني موقفا ضاغطا يسعى إلى التمسك بما يسميه استحقاقا قومياً، ويصر على أسماء يقدمها لعلاوي حتى يختار منها، وهو ما اكد علاوي باستمرار رفضه له. وقال رئيس كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني: “الكتل الكردستانية وبالتحديد كتلة الحزب الديمقراطي غير راضية عن الطريقة التي تتعامل بها الحكومة المكلفة مع المكونات وبشكل خاص مع الكتل الكردية، لذا لم نقرر حتى الآن ما إذا كنا سوف نشارك في جلسة منح الثقة لحكومة علاوي أم لا”.
وكان لافتاً للإنتباه أن أحد نواب إئتلاف الفتح، قد ألمح إلى إمكانية تأجيل الجلسة، وهو الأمر الذي أثار حفيظة آخرين. هذا الكر والفر الذي يسبق جلسة التصويت على الحكومة، جعل المتظاهرين يعدون بأن 25 شباط/فبراير (الثلثاء)، سيشهد مليونية للتعبير عن رفض تسمية علاوي، علماً أن هاشتاغ #راجعينلكم_بمليونية، قد أُطلق عبر تويتر في الأيام القليلة الماضية.
رفضُ المتظاهرين منح الثقة لاقاه كامل الدليمي، النائب السابق والمقرب من رئيس البرلمان بقوله ان “هناك تفاهمات بين اتحاد القوى العراقية والقوى الكردية وائتلافي النصر ودولة القانون على عدم تمرير الحكومة في مجلس النواب”، في حين صرحت القوى السنية الأخرى في جبهة الانقاذ والتنمية، بزعامة اسامة النجيفي، انها من الداعمين لحكومة علاوي. وقد ألمح النائب نعيم العبودي إلى أن السنة تعهدوا بالموافقة على حكومة علاوي شريطة أن يتم اختيار مستقلين من مناطقهم، وأنهم اكتفوا بوضع “فيتو” على توزير عراقيي الخارج. في حين أشار عضو ائتلاف دولة القانون، سعد المطلبي، إلى وجود تحرك من قبل السفير البريطاني لدى العراق، لدعم القوى السنية في الحكومة الجديدة برئاسة علاوي.
وعلى الرغم من هذه المواقف، فإن بعض التسريبات تلمح إلى أن القوى الشيعية بكل عناوينها وبالتعاون مع أطراف سنية وكردية عازمة على تمرير حكومة علاوي في الجلسة النيابية المقبلة، وأن أي اعتراض ليس إلا في إطار الضغط من أجل تحقيق المكاسب، لا سيما وأن عدم التصويت على تأييد اختيارات علاوي قد تدفع الرئيس العراقي للذهاب لاستخدام المادة 81 وهي من صلاحيات رئيس الدولة، والتي تؤدي إلى حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، ما سيحرم العديد من الأحزاب من مواقعها التي تعودت عليها، خصوصاً وأن الكتل السياسية خسرت كثيراً بعد احتجاجات تشرين/أكتوبر، وهي غير مستعدة لحصد المزيد من الخسائر. ويرى مراقبون أن علاوي سيستثمر الوضع العراقي لمصلحته من خلال جرّ بعض الأطراف السياسية المعترضة إلى صراع معلن داخل البرلمان، لإيصال رسالة للمحتجين أنه يحاول طرح توليفة مستقلة لكن القوى السياسية هي التي تمانع، ما قد يضيف ضغطاً جديداً على تلك الكتل.
وأوردت صحيفة “الصباح” العراقية أن محمد توفيق علاوي يمتلك غطاء برلمانيا يتجاوز 180 نائبا لمنح الثقة لحكومته. خبرٌ قد تعززه سلسلة من التصريحات المؤيدة من بعض الكتل، سواء ما جاء على لسان المالكي، وهادي العامري، أو على لسان السيد مقتدى الصدر الذي عاد بالأمس (السبت) إلى العراق. وكان الصدر قد عبر بأن نوابه سيصوتون لكابينة وزارية غير محاصصاتية “وليكن من اول مهماتها تحديد الموعد وتوفير الاجواء لانتخابات مبكرة نزيهة وفق تطلعات الشعب”. وهدد أنه “إذا لم تنعقد الجلسة خلال هذا الأسبوع أو إذا انعقدت ولم يتم التصويت على كابينة عراقية نزيهة أو إذا كانت الكابينة ليست من تطلعات المرجعية والشعب فهذا يستدعي الخروج لمظاهرة مليونية شعبية بدون عناوين جهوية ثم تحويلها إلى اعتصامات حول المنطقة الخضراء”.
ومن المفترض أن تضم كابينة علاوي 22 وزيراً، كشفت بعض التسريبات الإعلامية أسماء بعضهم: وسن عبود جايد وزيرة لـلصحة، احمد راضي وزيرا للشباب والرياضة، ماجد مهدي حنتوش وزيرا للكهرباء، عبد الغني الاسدي وزيرا للداخلية، حسين الجلبي وزيرا للنفط، صالح التميمي وزيرا للخارجية، شوان طه وزيرا للمالية، رزكار محمد امين وزيرا للعدل، مظهر محمد صالح وزيرا للتخطيط، مزاحم الخياط وزيرا للتعليم، فيصل فنر وزيرا للدفاع في حكومة، عادل كريم وزيرا للتجارة.
الجدير ذكره أن تأخير ولادة الحكومة وعدم عقد جلسات مجلس النواب يرتدا سلباً على عمل المؤسسات، فقد حذر البعض من تأخر إقرار مشروع قانون موازنة العام الجاري ودخول العراق مرحلة الكساد بعد ستة أشهر من الآن، على اعتبار أن التأخر في إقرارها يعني تأخرا في إنجاز المشاريع الاستثمارية الجديدة التي تشملها تخصيصات الموازنة العامة الاتحادية 2020، كما أنه سيعطي إشارة سلبية للمستثمرين في القطاع الخاص للشروع باستثماراتهم، ما يؤدي لاحقا إلى تزايد معدلات البطالة وارتفاع نسب الفقر بسبب النمو السنوي للسكان والقوى العاملة التي تتطلع إلى العمل.