محمد شياع السوداني.. وتحدي العلاقات العراقية ـ العربية

في أول انتخابات شهدها العراق في العام 2005، غداة الإطاحة بالنظام العراقي السابق، فاز نوري المالكي برئاسة الوزراء ووجد أمامه سلسلة إستحقاقات داخلية وإقليمية ودولية لا تُحصى ولا تُعد.

جسّد نوري المالكي اول رئاسة حكومة تفرزها العملية السياسية في عراق ما بعد العام 2003 من خلال صناديق الاقتراع، فوجد الرجل أمامه سلسلة مهام تأسيسية بعد عقود من الحروب والاستبداد والازمات الاقتصادية والامنية والعسكرية والسياسية. مهمة لم تكن سهلة ولا ميسورة في ضوء مناكفات حزبية وقومية ومذهبية ومناطقية عديدة.

رئاسة الوزراء تلك كانت ايضاً أمام تحد كبير بسبب وجود الاحتلال الذي تحكم بجميع مرافق ومفاصل الدولة العراقية الاستراتيجية، وهذا الأمر ضاعف التحديات والاستحقاقات التي كان من واجب الحكومة أن تتعاطى معها بقدر عالٍ من المسؤولية، في الوقت الذي كان يرابط اكثر من 140 الف جندي امريكي واجنبي علی الارض العراقية.

في ظل هذه التحديات كان العراق امام تحد كبير آخر مع دول الاقليم. مع إيران التي خاض معها حرباً ضروساً (980-1988). ومع الكويت التي غزاها صدام عام 1990 وما ترتب على ذلك الغزو من استحقاقات مالية وسيادية بسبب قرارات أصدرها مجلس الامن الدولي علی خلفية هذا الغزو. مع تركيا وهواجسها التاريخية ولا سيما لجهة تواجد احزاب تركية انفصالية علی الارض العراقية. وعدا هؤلاء برزت اشكاليات أخرى في علاقات العراق مع دول عديدة علی خلفية قضايا شائكة ومعقدة ومزمنة.

قبل أسبوع من انتخابه لرئاسة الوزراء، التقيت نوري المالكي وتحدثنا مطولاً عن التحديات التي تواجه العراق الجديد. يومها كان رئيساً للجنة الأمن في البرلمان العراقي الحديث التشكيل. سمعتُ منه كلاماً مشجعاً حول العلاقة مع الدول العربية وضرورة عودة العراق إلى حاضنته العربية. تحدثنا عن المرحلة السابقة وعن العلاقة مع ايران وتركيا وعن رئاسة الوزراء التي كان طيرها يقفز من هذا الرأس إلی ذاك، وأوضحت له تصوري وهو نتاج لقاءات عديدة جمعتني بشخصيات سياسية عراقية من مختلف الاتجاهات والأطياف وقلت له “رئاسة الوزراء ستؤول إليك”. اقترحتُ عليه إذا تم انتخابه رئيساً للحكومة أن تكون زيارته الأولی خارج العراق للمملكة العربية السعودية كإشارة صريحة بشأن برنامجه الهادف إلى تدعيم علاقات العراق مع محيطه العربي والتأكيد علی عروبة العراق وإستقلاله علماً أنه كان يرزح تحت نير الاحتلال الامريكي حينذاك. هذا الاقتراح لم يكن بعيداً عن تصوره وفعلاً قام بأول زيارة للرياض. لم أسمع منه في ما بعد معطيات تتصل بطبيعة الزيارة وموقف القيادة السعودية؛ الا أنني سمعتُ من دبلوماسي سعودي التقيته عام 2014 أن المالكي يعرف ما نريده منه وللأسف لم ينفذ ما طلبناه مقابل تحسين العلاقات بين البلدين. لم يوضح لي ماذا طلبت المملكة لكنه شدّد مراراً علی أن المالكي يعرف تلك الطلبات جيداً.

حكومة محمد شياع السوداني لديها العزم والارادة في تدعيم علاقات العراق العربية والاسلامية والدولية، وهي تتطلع الی عودة العراق بلداً عربياً مستقلاً قادراً على لعب دور ايجابي في كافة التطورات الاقليمية والدولية.. وهو يملك مثل هذه المؤهلات ليكون كذلك

لم يتسنَ لي معرفة ما كان يجب أن يفعله العراق سواء حكومة المالكي أو الحكومات المتعاقبة لكن العلاقات بين البلدين بقيت فاترة حتی مع حكومة مصطفى الكاظمي التي بدت وكأنها أفضل من غيرها لكنها في حقيقة الأمر لم تكن كذلك اللهم في بعض المستويات.

حتى الآن لم يقم رئيس الوزراء العراقي الجديد محمد شياع السوداني بأي زيارة خارج العراق وأتمنی أن تكون رحلته الأولى إلى السعودية، ليس لطلب المساعدة والدعم وانما من اجل وضع العلاقات العربية ـ العراقية في نصابها الصحيح.

صحيح أنه لم يُتح لي معرفة الشروط التي وضعتها القيادة السعودية أمام المالكي، لكنني أتمنی أن تكون قد صارت من الماضي مع العهد الجديد الذي يقوده محمد بن سلمان، لكنني أتمنی أيضاً أن تتجاوز القيادة السعودية أي شروط تريد وضعها امام محمد شياع السوداني في حال تمت الزيارة، فتبادر إلى أن تضع أمامه ورقة بيضاء وقلماً؛ وتطلب منه كتابة مطالبه واحتياجاته ليتم تنفيذها دون شروط من أجل تعزيز الحاضنة العربية للعراق وحتى تكون عودة العلاقة الطبيعية بين الرياض وبغداد خطوة علی طريق اعادة صياغة العلاقات مع بقية الدول العربية بعيداً عن الاشكالات المذهبية والأمنية والسياسية. إن خطوة من هذا النوع تُشكل ضمانة للأمن والاستقرار ليس في منطقة الشرق الاوسط وحسب بل في المنطقة العربية كلها من المحيط إلى الخليج. هي خطوة ضرورية ومطلوبة، فالعراق بلد متعب ومنهك ويريد اعادة صياغة واقعه السياسي والاقتصادي والإجتماعي في ضوء عديد المشاكل الداخلية التي يواجهها؛ وليس خافياً أن بقية الدول العربية تواجه مشاكل كبيرة وتحديات متنوعة لكن الصحيح ايضاً انها بحاجة لإعادة صياغة علاقاتها البينية بما يخدم مصالحها ومصالح مشاريع التنمية التي تسعى لإنجازها.

إقرأ على موقع 180  من يدير البيت الأبيض؟

حكومة محمد شياع السوداني لديها العزم والارادة في تدعيم علاقات العراق العربية والاسلامية والدولية، وهي تتطلع الی عودة العراق بلداً عربياً مستقلاً قادراً على لعب دور ايجابي في كافة التطورات الاقليمية والدولية.. وهو يملك مثل هذه المؤهلات ليكون كذلك.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  ترامب... وهاجس الإقالة