حزب الله في معادلة جديدة: لا تفاوض خارج الـ 1701

في خطوة نادرة تعكس حجم التوتر السياسي والأمني الذي يعيشه لبنان، رغم مرور عامٍ كامل على وقف إطلاق النار، الذي رعاه الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، أصدر حزب الله، اليوم (الخميس)، بياناً مفتوحاً، موجّهاً إلى الرؤساء الثلاثة وإلى الشعب اللبناني، يعلن فيه موقفه الرافض لمبدأ "التفاوض المباشر" مع إسرائيل، ويؤكد على حق المقاومة في ما وصفه بـ"زمن الهدنة الهشّة".

إن اختيار صيغة “كتاب مفتوح”، لا بياناً حزبياً، يحمل دلالتين واضحتين: تحميل الدولة والرأي العام، معاً، مسؤولية الدفاع عن سيادة لبنان، وتثبيت موقف المقاومة في مواجهة الضغوط الدولية المتصاعدة.

لم يأتِ البيان كردّ على حادثٍ ميداني أو تصعيد آني، بل بدا كوثيقة سياسية شاملة ترسم رؤية الحزب للمرحلة المقبلة، وتعيد تأكيد ثوابته تجاه إسرائيل والعلاقة مع الدولة اللبنانية.

في الشكل والمضمون

البيان صيغ بلغة هادئة ومنضبطة، لكنه حمل في طيّاته مضموناً سياسياً عالي السقف. فهو يعيد تثبيت معادلة “الجيش، والشعب، والمقاومة” كإطارٍ وطني لا يقبل المساومة، ويرفض في المقابل أي نقاش حول سلاح المقاومة خارج “استراتيجية دفاعية وطنية” داخلية.

كما أن اختيار توجيه البيان إلى إلى الرؤساء الثلاثة (الجمهورية العماد جوزف عون، والحكومة نواف سلام، والنيابي نبيه بري) وإلى الشعب اللبناني عموماً لا إلى جمهور الحزب فقط، يؤكد رغبة الحزب في وضع الجميع أمام مسؤولية مشتركة، وفي الوقت ذاته توجيه رسالة سياسية إلى الخارج بأن المقاومة لن تُفرِّط بسلاحها ولا بحقها في الردّ.

ويمكن تلخيص المحاور الأساسية في البيان كما يلي:

1- تثبيت مرجعية القرار 1701

يستند حزب الله إلى القرار الدولي لعام 2006 وإلى اتفاق وقف النار عام 2024 ليقول إن لبنان التزم ببنوده، بينما خرقته إسرائيل مراراً وتكراراً. وهذا التوصيف يمنحه مشروعية سياسية ودبلوماسية، ويعفي المقاومة من تهمة خرق القرارات الدولية.

2- رفض التفاوض من جديد

يحذّر البيان من “الانزلاق إلى أفخاخ تفاوضية”، في إشارة واضحة إلى المساعي الأميركية لإطلاق مفاوضات جديدة حول “وقف نار دائم”. ويرفض الحزب أي مسار تفاوضي جديد خارج الإطار الوطني، ويعتبر أنّ مثل هذه المحاولات تخدم إسرائيل وحدها.

3- رفض مبدأ “حصرية السلاح”

ينتقد البيان موقف الحكومة الأخير بشأن “حصرية السلاح بيد الدولة”، ويصفه بـ”الخطيئة” التي يستغلها العدو لفرض نزع سلاح المقاومة. ويرى الحزب أنّ هذا النقاش يجب أن يُدار في الداخل لا تحت ضغط الخارج، بما يعيد التأكيد على أنّ المقاومة جزء من منظومة الدفاع الوطني لا منافسة لها.

4- تأكيد حق المقاومة في الردّ

بعبارة حاسمة يقول البيان: “الدفاع المشروع لا يندرج تحت قرار الحرب أو السلم”. أي إنّ قرار الردّ على العدوان يبقى بيد المقاومة، وليس بيد الحكومة وحدها، ما يعيد تثبيت استقلالية قرارها الميداني ضمن حدود الدفاع المشروع.

5- الدعوة إلى وحدة الموقف الوطني

ورغم صلابته، ختم البيان بدعوة إلى “توحيد الجهود ووقف الانتهاكات”، في إشارة إلى أنّ الحزب لا يسعى إلى مواجهة داخلية، بل إلى تحصين الجبهة الوطنية أمام تصعيد إسرائيلي محتمل.

دلالات داخلية وخارجية

يحمل البيان في طيّاته دلالات داخلية وخارجية، أبرزها:

البيان المفتوح إعلان استراتيجي لمعادلة جديدة، هي: لا تفاوض مع إسرائيل خارج القرار 1701، لا نقاش في سلاح المقاومة إلا ضمن إطار وطني، لا سيادة للبنان إن خضع للابتزاز الخارجي

1- مواجهة المساعي الأميركية والإسرائيلية. فقد جاء البيان كرسالة استباقية موجهة أيضاً إلى واشنطن وتل أبيب، مفادها أنّ الحزب لن يشارك في أي تفاوض جديد، ولن يسمح بإعادة فتح ملف السلاح أو الحدود تحت ضغط دبلوماسي خارجي.

2- تقييد حركة الحكومة والرئاسة. لقد أراد الحزب، بتوجيه بيانه إلى الرؤساء الثلاثة، وضع حدود سياسية واضحة تمنع أي تنازل أو تفاوض لا يمر عبره، ما يقيّد هامش المبادرة أمام الرئاسة والحكومة في المرحلة المقبلة.

3- خطاب إقليمي متماسك. إن الحزب، باستخدامه عبارات مثل “العدو المتوحش المدعوم من الطاغوت الأميركي”، قد أعاد ربط لبنان بخطاب “محور المقاومة”، وذلك في لحظة تشهد تصعيداً في غزة واليمن والعراق، ما يؤكد أنّ الحزب يربط الساحة اللبنانية بمعركة الإقليم الكبرى.

4- تأكيد الجهوزية الميدانية. كذلك فإن الحديث عن “حق الدفاع المشروع” يعني عملياً أن الهدوء في الجنوب هشّ ومشروط، وأنّ أي خرق إسرائيلي قد يعيد فتح جبهة المواجهة في أي وقت.

لا شكَّ أن البيان سيجد صداه في الداخل اللبناني بين من يراه خطوة سيادية تحصّن لبنان، ومن يعتبره تكريساً لإزدواجية القرار الأمني والسلاح. وبين هذين الموقفين، تحاول الدولة اللبنانية أن تمسك العصا من الوسط، خوفاً من تفجر أزمة سياسية جديدة تعيد الانقسام إلى الواجهة.

ويمكن القول إن لبنان- من جهة التقدير الاستراتيجي للمشهد المقبل- يدخل مرحلة جديدة من شدّ الحبال بين منطق الدولة ومنطق المقاومة، وسط ضغوط خارجية غير مسبوقة. وإن التهدئة الميدانية الحالية قد تستمر، لكنها مشروطة بسلوك إسرائيل وبمدى صلابة الموقف الداخلي.

أما المفاوضات غير المباشرة، فمرجّح أن تتعثر بعد أن أعلن الحزب صراحة رفضه لأي مسار تفاوضي جديد.

إقرأ على موقع 180  الدين والدنيا في الولايات المتحدة

معادلة جديدة من “لاءات” ثلاث

 البيان المفتوح، الذي أصدره حزب الله، اليوم، ليس مجرّد موقف سياسي، بل إعلان استراتيجي لمعادلة جديدة من “لاءات” ثلاث، وهي:

لا تفاوض مع إسرائيل خارج القرار 1701، لا نقاش في سلاح المقاومة إلا ضمن إطار وطني، ولا سيادة للبنان إن خضع للابتزاز الخارجي.

 بهذا الموقف (المعادلة)، يضع الحزب الدولة أمام مفترق دقيق بين التماهي مع رؤيته أو الانخراط في ضغوط دولية متزايدة، في مرحلة يبدو عنوانها الأوضح: لبنان بين التهدئة المشروطة والمواجهة المحتملة.

Print Friendly, PDF & Email
هشام الأعور

أكاديمي وكاتب سياسي لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  ميلونشون: غزة هي “غرنيكا” القرن العشرين