دفء البيت الخشبي في بنشعي، وزينة الميلاد حول المدفأة الكبيرة، وأناقة المكان، ورؤوس الطرائد المعلّقة على الجدران بعد عقود من الصيد أمضاها سليمان فرنجية في مناطق كثيرة من العالم، وسحرُ الطبيعة المحيطة بالمنزل الريفي، كلُّ ذلك يناقض تماما اضطراب الأوضاع على مساحة الوطن، ويوحي بأنك في وطن ينعم بالطمأنينة والاستقرار والجمال. لكن الحقيقة هي غير هذا الديكور الحميم تماما. هي حقيقة يقولها سليمان فرنجية بصراحته المعهودة، بينما زوجته الزميلة السابقة ريما فرنجية تمارس أصالة الضيافة بمحبة وابتسامة تجعلان ما نسمعه أقل وطأة، برغم الهواجس الكبيرة التي تقلق رئيس تيار المردة في هذه الأيام.
“انا مع مطالب الحراك” يقول فرنجية المتدفّق حيوية وشبابا بحضور نجله النائب طوني، فيبدوان شقيقين. يضيف ان هذه المطالب انطلقت من معاناة الناس وفقرهم وتراجع الخدمات واستفحال الفساد. لكنه سرعان ما يضيف:”الأسباب شيء والأهداف شيء آخر”، فالأولى مبررة تماما ومُحقّة تماما ويجب التعامل معها بحكمة وسعة صدر، أما الثانية، فتثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك، وتوحي بأن المستهدف هو رأس المقاومة، والشواهد كثيرة ولا سيما منها المواقف الأميركية.
لكن الزعيم الشمالي لم يشأ الظهور بمظهر المستغل لضعف العهد حاليا من أجل الانقضاض عليه. يقدم الرجل المصلحة الوطنية على ما عداها
كان بمقدور فرنجية، برغم بعض التظاهرات المطلبية في زغرتا ومحيطها، أن ينخرط في الحراك، لكن الزعيم الشمالي لم يشأ الظهور بمظهر المستغل لضعف العهد حاليا من أجل الانقضاض عليه. يقدم الرجل المصلحة الوطنية على ما عداها، وخاصة تلك المتصلة بحماية المقاومة.
لذلك، تبنى فرنجية المعادلة القائلة بأن مطالب الناس محقة ويجب تحسين شروط وآليات التعامل معها وتوجيه خطاب استيعابي حيالها، لكن مع ضرورة الانتباه الى عدم السماح بانحرافها صوب أهداف المحور الآخر. وهنا يبرز تشديد الزعيم الزغرتاوي على وجوب صياغة مطالب واضحة من أهل الحراك، واختيار قيادة موحدة، والولوج في حوار جدي بغية تنفيذ هذه المطالب، كي لا يتحول الامر من حراك الى فوضى. وهنا ينبغي على الجيش ان يلعب دورا واضحا في منع قطع الطرقات وفي التعامل مع كل المناطق بالحزم نفسه من منطلقات أمنية لا سياسية.
يُنصت الضيوف جيدا لسليمان فرنجية. وبين الضيوف على الغداء، عدد من الزملاء في موقع ومجلة 180، وعضو المكتب السياسي في تيار المردة فيرا يمين، والمسؤول الإعلامي المحامي سليمان فرنجية. يتساءل بعضنا عمّا اذا كان طوني فرنجية لا يريد فعلا النزول الى الساحات والوقوف الى جانب الشباب، ذلك انه يشبه شباب الساحات أكثر مما ينتمي الى الطبقة السياسية القديمة، لكن فرنجية الأب الذي إنتزعت لقمة الرئاسة من صدره وليس من فمه، يتصرف بشهامة مخافة تفسير أي خطوة وكأنها نوع من الإمعان في تحطيم صورة العهد.
أي حكومة ستأتي قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية محكومة بمواجهة أزمات اقتصادية ومالية خطيرة وربما تواجه انهيارا ماليا
يُبدي زعيم تيار المردة، تفهما لافتا للإنتباه حيال رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، فالأخير “صريح وصادق ويريد تأليف حكومة ويريد التعاون بصدق مع حزب الله وحلفائه، لكنه قد يكون اسير وضع خارجي لا نعرفه، أو لعلّه يدرك أن الوقت لم يحن لتولي حكومة انقاذ، فالواضح ان أي حكومة ستأتي قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية محكومة بمواجهة أزمات اقتصادية ومالية خطيرة وربما تواجه انهيارا ماليا”.
وخلافا للكثير مما يقال عن دورٍ غامض لرئيس القوات اللبنانية سمير جعجع في ركوب الحراك لأهداف خطيرة، فان سليمان فرنجية يخفف من المغالاة، ويرى ان ثمة تضخيما للموضوع ، لكنه يعرب عن خشيته من أن أي صدام شيعي – مسيحي أو مسيحي – مسيحي، لذلك لا مصلحة لنا ولحلفائنا بأي صدام من هذا النوع، حرصا على السلم الأهلي أولا، ومنعا لإستثمار هذا الصدام من المحور الآخر ثانيا.
نسأل عن الضغوط الخارجية. يبدو فرنجية مقتنعا بأن لا احد يريد الفوضى الكبرى في لبنان ولا الحروب، لكن الخطر كبير قبل نضوج الحوار بين ايران وأميركا، “فماذا سيمنع الدولار من تجاوز بعض السقوف؟ وماذا سيمنع أي تسويات إقليمية ودولية من إضعاف المسيحيين اكثر؟ الا يوحي انكفاء كل طرف لبناني الى داخل مناطقه لتحصينها بأن الأشهر المقبلة صعبة ؟ ثم ماذا عن النازحين السوريين؟ ماذا لو جرى تسليح بعضهم في المرحلة المقبلة ليكونوا وقودا ضد المقاومة؟ وماذا لو تسلل ارهابيون من خارج الحدود، كيف سيكون حال لبنان عامة والشمال خاصة؟ وماذا لو تطورت الاوضاع الى تجديد شبح الفتنة السنية – الشيعية او الفتنة الطائفية الإسلامية المسيحية التي نجت بأعجوبة قبل أيام قليلة في منطقة الشياح ـ عين الرمانة”؟
يرى فرنجية أن المحور الحليف صار أكثر قوة في العراق واليمن وسوريا ولبنان برغم كل ما يحصل، ولا مجال معه ومع إيران الا للتسويات السياسية لا الحروب
يتساءل زعيم المردة بكثير من القلق، فنزيد على تساؤلاته سؤالا إعتراضيا: لماذا لا يخرج رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وكذلك حزب الله من الحكومة ويسهّلون بالتالي تشكيلها وإنقاذ الوضع الاقتصادي والمالي ومنع التدهور الأمني والسياسي؟
يبدو رئيس تيار المردة حازما وحاسما ووفياً لقناعاته حيال المقاومة، فيرى أن عدم وجود حزب الله داخل الحكومة يعني انه خضع للهجمة ضده وللرغبات الدولية بإقصائه، لكن ذلك لا يمنعنا ونحن نستمع الى فرنجية من فهم لومه لوزير الخارجية جبران باسيل وكيفية ادارته للمعارك السياسية في هذا الظرف المصيري والإستثنائي.
غامر سليمان فرنجية كثيرا في بقائه الى جانب سوريا والمقاومة في أقسى وأصعب اللحظات، وآمن ولا يزال بعروبة لبنان رغم كل الرياح والاغراءات والتهديدات، وبقي صلبا في قناعاته حتى في أوج الضغوط والانذارات التي تعرّض لها بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكنه اليوم يرى ان المشهد قد تبدل تماما وأن المحور الحليف صار أكثر قوة في العراق واليمن وسوريا ولبنان برغم كل ما يحصل، ولا مجال معه ومع إيران الا للتسويات السياسية لا الحروب.
لم يتلق سليمان فرنجية أي وعد قاطع من قبل حزب الله بتبني ترشيحه للرئاسة بعد انقضاء عهد الرئيس عون، لكن استنتاجي الخاص يتمثّل في أنّه لو نضجت التسويات الإقليمية والدولية وانعكس نضوجها تهدئة في لبنان واقتنع الجميع بأن لا حلول دائمة في الوطن ولا استخراج للثروات الغازية والنفطية الواعدة في البحر ولا حلول للنازحين ولا تهدئة من منطلق القوة عند الحدود الجنوبية من دون التفاهم الدولي مع حزب الله، فان السجادة الحمراء ستكون مفروشة بكل أناقتها أمام سليمان فرنجية صوب الرئاسة. وحتى ذاك الوقت، يتابع الرجل بقلق واهتمام الوضع اللبناني دون ان ينسى هوايته المفضلة: الصيد، ففي غابات وصحارى العالم يُصبح التفكير أكثر وضوحا، فيقتنع ونحن أيضا بأن لبنان والعراق واليمن ساحات لصراعات إقليمية دولية، وان لا حلول فيها الا بالتفاهمات التي من المرجّح ان تأتي قبل الانتخابات الرئاسية الاميركية.