بالرغم أن “داعش” أقرّ في العدد الأخير (رقم 211) من صحيفة “النبأ” التي تصدر عن ديوان الإعلام المركزي، بوجود فصائل تتحرك منفردة للقيام بأعمال عسكريّة ضد الجيش “النصيري” في مختلف الجبهات المحيطة بإدلب، إلا أنه سرعان ما أشار إلى أن هذه الفصائل إما عوقبت من “أخواتها” بالطعن في ظهرها من الخلف، أو قُطعت طرق إمدادها إلى الجبهات.
وليس هذا فحسب، بل أكّد أنه في بعض العمليات كانت محاور الهجوم تتعرض للتسريب والكشف من خلال هجمات استفزازية تقوم بها “الفصائل المرتدة” لدفع جنود الجيش السوري إلى الاستنفار والاستعداد للهجوم المُعدّ ضدّها.
وتضمّن التقرير الذي حمل اسم “حرب المعابر والطرق في إدلب”، واحتلّ صفحة كاملة من الصحيفة التي تصدر باثنتي عشرة صفحة فقط، ما يمكن اعتباره أوضح قراءة يقدمها تنظيم “داعش” لواقع الحال في إدلب، كاشفاً في الوقت ذاته عن رغبته في اختراق هذا الواقع، وربما العمل على قلبه رأساً على عقب.
وكان موقع “180” ذكر في تقارير سابقة وجود مثل هذا المخطط لدى تنظيم “داعش”، وأن العمل على تنفيذه ما زال متواصلاً حتى بعد مقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي.
ولعلّ التمييز بين فصائل “منفردة” وأخرى “مرتدة” ينطوي على إيحاء مباشر بوجود فصائل في إدلب لا تختلف عقائدياً وعسكريّاً عن توجهات تنظيم داعش. وقد تكون هذه الفصائل “المنفردة” هي التي يعتمد عليها التنظيم في تحقيق مساعيه لنقل ثقله القيادي والعسكري إلى منطقة إدلب، ومن بين هذه الفصائل يبرز اسم “أنصار التوحيد” بالإضافة إلى خلايا منشقة عن “حراس الدين”.
التمييز بين فصائل “منفردة” وأخرى “مرتدة” ينطوي على إيحاء مباشر بوجود فصائل في إدلب لا تختلف عقائدياً وعسكريّاً عن توجهات “داعش”
ومما يأخذه التنظيم على فصائل إدلب “المرتدة” –حسب تصنيفه- أن الجمود على جبهاتها ضد الجيش السوري أتاح للأخير أن يستفرد بالقتال ضد مناطق “الدولة الاسلامية”، وهو ما يفهم منه أن التنظيم يحمّل تلك الفصائل جزءاً من المسؤولية عن الهزائم التي لحقت به خلال السنوات الماضية لأن جمود جبهاتها ضاعف الضغط عليه ومنعه من التقاط أنفاسه.
وقد يشكل ذلك في الوقت ذاته سبباً من أسباب رغبته في اختراق إدلب، وهو الانتقام من هذه الفصائل وذلك بالإضافة إلى أسباب أخرى من بينها سعيه للتمركز في مناطق مرشحة أن تكون “بؤرة فوضى” وسط محيط بدأ يستعيد عافيته واستقراره ولو تدريجياً.
ومن أهمّ الأسباب التي أغرت الفصائل بالتقوقع في إدلب هي “العقلية المناطقية” التي تسيطر على أذهان “مرتدي الصحوات” والتي تجعلهم لا يفكرون في معركة أبعد من قرية أحدهم أو بلدته، وعقد ولاءاتهم حتى داخل الفصيل الواحد على هذا الأساس المناطقي. والسبب الثاني هو التنافس على نهب غنيمة إدلب الكبرى والحرص على الاستئثار بها وبمنافعها، وهو ما تمثل بالاقتتال الداخلي بين فصائل إدلب من أجل السيطرة على مدينة إدلب أولاً للتفرد بما تمنحه المدينة لمن يهيمن عليها، من مركزية اقتصادية وإدارية، وثانياً من أجل السيطرة على معبر باب الهوى الذي يعتبر –حسب التقرير- البوابة الاقتصادية للمنطقة من جهة، ومفتاح العلاقة مع الاستخبارات التركية من جهة ثانية. أما الهدف الثالث للاقتتال الداخلي فقد تمثل في السعي إلى السيطرة على المعابر مع المناطق التي يسيطر عليها الجيش السوري مع ما يعنيه ذلك من مداخيل مالية كبيرة.
وبحسب رؤية “داعش”، فإن التحركات العسكرية الأخيرة سواء للجيش السوري وحلفائه أو للجيش التركي وحلفائه، ترتبط بالاقتراب والتموضع على محاور الطرق الدولية، وخاصة الشرقي الغربي منها الذي يصل العراق وإيران بمناطق سيطرة النظام “النصيري” في الساحل والداخل. والمحور الشمالي الجنوبي الذي يفتح الطريق البري أمام البضائع التركية إلى الخليج مجدداً. وانطلاقاً من ذلك فإن كل العمليات التركية في “شرق الفرات” ترتبط بالوصول إلى الطريق الدولي “ومن ثم التفاوض لتسليمه إلى الروس والنظام”. كما أن عمليات النظام في جنوب إدلب ترتبط بالطريقين الدوليين من حلب باتجاه الساحل والداخل. وفي وسط هذه المعمعة، تتصارع “الفصائل المرتدة” في إدلب على اجتذاب حركة التجارة إلى المعابر التي تسيطر عليها سواء في إعزاز” أو “باب الهوى.
بحسب رؤية “داعش” فإنّ التحركات العسكرية السورية والتركية الأخيرة ترتبط بالاقتراب والتموضع على محاور الطرق الدولية
ويخلص التقرير الذي يعتبر خطوة غير مسبوقة في إعلام “داعش” وربما يعكس توجهات قيادته الجديدة، إلى أن “الحرب في إدلب اليوم فقدت بوصلتها بتضييع فصائل الصحوات للهدف الذي يقاتلون من أجله” وقد يقود ذلك إلى تحويل هذه الحرب إلى مصدر بقاء وعيش لهذه الفصائل. وسوف يكون العرض الوحيد الذي يمكن للفصائل المساومة عليه منعاً من إزالتها، هو تعهدها بحراسة طرق المواصلات وفتح المعابر، بالإضافة إلى “قتال الموحدين ومن يسعى لإقامة الدين” في إشارة إلى مقاتلي تنظيم “داعش”.
ويختم التقرير بدعاء لا يخلو من تلميح خفي “نسأل الله أن يسلطنا عليهم أجمعين”. فهل هذا الدعاء مجرد أمنية في سياق الشعور بالظلم والرغبة في الانتقام أم أنها تعكس وجود نية مبيتة لدى “داعش” في تحويل إدلب إلى كرة نار يتقاذفها مع الجماعات الجهادية الأخرى قبل أن تنطلق صفارة النهاية المحتومة؟