هل يكون انتشار “كورونا” الفرصة التي ينتظرها “داعش”؟

وسط انشغال معظم دول العالم عموماً ودول المنطقة خصوصاً بأزمة انتشار فيروس "كورونا" وتداعياتها المتدحرجة على الصّحة العامة والأوضاع الاقتصادية، بدأت تثور العديد من التساؤلات حول انعكاس تفشّي هذا الوباء على تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) سلباً أو إيجاباً، وعمّا إذا كانت البيئة الاجتماعية والأمنية الجديدة التي فرضها الوباء ستشكل فرصة طالما انتظرها التنظيم لاستعادة نشاطه والعودة إلى مسرح الأحداث أم على العكس لن يكون الأخير استثناءً من شروط العزلة والانكفاء التي باتت تقيّد الجميع.

بالنسبة إلى تنظيم “داعش”، لم يكن انتشار وباء “كورونا” إلا تتمّة لسياق متكامل من الأحداث بدأ في أواخر شهر شباط/فبراير، مع توصل الولايات المتحدة وحركة طالبان إلى اتفاق تاريخي لإعادة رسم المشهد الأفغاني، مروراً بترحيب قيادة تنظيم القاعدة العالمي بهذا الاتفاق، ثم جنوح جماعة “نصرة الاسلام والمسلمين” في مالي إلى خيار التفاوض استنساخاً على ما يبدو للمسار الأفغاني، وليس انتهاءً بالتطورات التي يشهدها الشمال السوري خصوصاً على صعيد المساعي المتعددة الأطراف الرامية لإعادة رسم مشهد التنظيمات الارهابية بما يتوافق مع الاتفاقات الروسية-التركية.

وتتمثّل نقطة التقاطع الأساسية بين جميع هذه التطورات، حسب القراءة التي قدّمها التنظيم، بأنّ ثمة انسحاباً عاماً من ميادين القتال وهرولة متسارعة إلى طاولات التفاوض من قبل أبرز منافسي “داعش” الجهاديين وخاصة تنظيم “القاعدة” وتوابعه وأفرعه. وقد ارتكزت دعاية “داعش” الإعلامية على هذه النقطة من أجل استغلالها في تشويه سمعة خصومه العقائديين وإعادة تلميع صورته باعتباره الطرف الوحيد الذي ما زال متمسكاً بمبدأ الجهاد وضرورة القتال ضد جهات الكفر المحلي والعالمي.

وهكذا اعتبرت صحيفة “النبأ” في العدد 224 أن “صحوات المرتدين”، وهو وصف بات يشمل تقريباً جميع الجماعات الجهادية الخارجة عن بيعة التنظيم، قد وقعت بين فكي كماشة التفاوض من جهة وألاعيب الدول الداعمة من جهة أخرى، وأن أقصى أمانيها بعدما فقدت “إرادة القتال” أصبح الحفاظ على ما تحت يديها من أراض وثروات مع استعدادها للقبول بأي صيغة للتفاوض من أجل ضمان ولو جزء من الموجود حالياً.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن يعنون العدد 225 من الصحيفة ذاتها “ربيع الجهاد في خراسان” في إشارة واضحة إلى أن خريف التفاوض مع “طالبان” سيعقبه تجديد للقتال من قبل مقاتلي “داعش”.

تثبيت الصورة الجهادية لتنظيم “داعش” واستغلالها في التحريض ضد منافسيه واستخدامها في محاولات استقطاب مقاتلين جدد، وترميم علاقته مع بعض الحواضن الشعبية في كل من سوريا والعراق وصولاً إلى دول الساحل والصحراء، سرعان ما جاء انتشار وباء كورونا ليضع بين يدي الآلة الإعلامية للتنظيم أدوات وذرائع يمكنها استغلالها من أجل تكريس مفاهيمها العقائدية وإثبات صحة توجهاته مستندةً في كل ذلك على معرفتها بمدى ضحالة المستوى التفكيري للبيئة المشمولة بخطابها وعدم قدرتها على تمحيص الحقائق من الأوهام.

جاء انتشار وباء “كورونا” ليضع بين يدي الآلة الإعلامية للتنظيم أدوات وذرائع يمكنها استغلالها من أجل تكريس مفاهيمها العقائدية

وقد وجد “ديوان الإعلام المركزي” الذي يصدر صحيفة “النبأ” ضالته في وباء “كورونا” لتوجيه أسهمه ضد الشيعة اخذاً في الاعتبار أهمية الدور الذي قام به هذا المكون الإسلامي في محاربة التنظيم والقضاء على خلافته المكانية.

وقد استغلّ الديوان انتشار الوباء في بعض المدن الايرانية والعراقية ولا سيما تلك التي تحمل صبغة دينية من أجل تجديد اتهامه للشيعة عموماً بأنهم أهل شرك ويعبدون الأوثان. ولا يخفى أن مثل هذا التوصيف يشكل حاملاً أساسياً لأية حملة يقوم بها “داعش” من أجل استقطاب عناصر جديدة في العراق وذلك على خلفية ضرورة محاربة المشركين التي تجد أصولها في بعض النصوص القرآنية.

أما الثغرة الكبرى التي صبّ التنظيم جلّ جهده من أجل استغلالها والتسلل عبرها إلى رؤوس المرشحين المحتملين للالتحاق به، فقد تمثلت في عجز العلم والدول المتقدمة عن إيجاد حل علمي وطبي لوباء كورونا، معتبراً ذلك بمثابة نكسة للخطاب الغربي، ودليل على الضعف الذي يعتري هذه الدول في مواجهة فيروس لا يرى بالعين المجردة.

ولا ينبغي التغافل عن إن ثمة العديد من المجتمعات ذات التكوين الديني والفكري المتشدد ستجد في الأجواء التي خلفها انتشار فيروس كورونا وحجم الذعر الذي رافقه، ذريعة للتمسك بتشددها وفهمها للدين. وقد يكون ذلك مدخل “داعش” من أجل إعادة ترميم علاقته بهذه المجتمعات على أرضية ما يتشاركه معها من اعتقادات متشددة في هذا الخصوص.

غير أن قدرة “داعش” على استثمار وباء كورونا في الجانب الدعائي ضد خصومه المحليين والدوليين، لا ينفي حقيقة أن الوباء ترك تأثيراته المباشرة على نشاط داعش في عدد من الجبهات والدول.

واستناداً إلى الإحصاءات التي تنشرها صحيفة “النبأ” حول عمليات التنظيم في مختلف “الولايات” التابعة له، يمكن ملاحظة وجود تراجع فعلي في عدد عمليات التنظيم منذ بدء انتشار الفيروس خارج الصين وتحوله إلى وباء عالمي.

وعلى سبيل المثال أحصى العدد (223) من الصحيفة 20 عملية في العراق و15 في الشام و7 في غرب أفريقيا. لكن العدد (227) أحصى فقط 5 عمليات في الشام، وأحصى العدد (228) 3 عمليات لا غير في غرب أفريقيا.

إقرأ على موقع 180  بوتين في الكرملين، لينين في الضريح.. لا أحد يُزعج الآخر!

غير أن الوضع في العراق لم يشهد أي تغيير حيث بقيت عمليات التنظيم محافظة على نفس المستوى بل إنها في بعض الأسابيع شهدت زيادة فعلية، حيث ذكر آخر إحصاء أن عدد العمليات بلغ 25 عملية وذلك في زيادة 5 عمليات عن الإحصاء الذي سبقه بأربعة أسابيع فقط.

يمكن ملاحظة وجود تراجع فعلي في عدد عمليات “داعش” منذ بدء انتشار الفيروس خارج الصين وتحوله إلى وباء عالمي

ومع ذلك، لم يفت تنظيم “داعش” أن يقرأ انعكاس وباء “كورونا” على الوضع الأمني لمختلف الدول المنخرطة في الحرب ضده، معتبراً أنه في “ظل هذا الحدث (انتشار كورونا) الذي شغل العالم كله والأمم الصليبية على وجه الخصوص، فقد بات الأمن من أهم الشواغل لحكومات تلك البلدان”.

وشددّ على أن “الانتشار العسكري في الخارج من أكثر ما يؤرقهم اليوم وأن أخر ما يتمنونه هو أن يرسلوا مزيداً من الجنود إلى مناطق يحتمل انتشار المرض فيها”.

وفي لفتة لا تخلو من دلالة، أشارت مقالة منشورة في العدد 226 من صحيفة النبأ بعنوان “أسوأ كوابيس الصليبيين” إلى أن ما يثير خوف هذه الدول هو أن “يتزامن وقتهم العصيب هذا مع تحضيرات جنود الخلافة لضربات جديدة لهم شبيهة بضربات باريس ولندن وبروكسل”.

ودعت المقالة ذاتها إلى ضرورة السعي من أجل “فك أسرى المسلمين في سجون المشركين ومخيمات الذل التي يتهددهم فيها المرض” وأنه لا يجب أن “تأخذ المجاهدين رأفة بالكفار والمرتدين، وأن يشدوا الوطأة عليهم ليزدادوا عجزاً وضعفاً”.

وبالتزامن مع ذلك، كان من الملفت للانتباه أن يقوم تنظيم “داعش” بإصدار الجزء الثاني من “ملحمة الاستنزاف”. وقد استُهلّ الاصدار الجديد الخاص بأرض الشام بكلمة قديمة لزعيم التنظيم السابق أبي بكر البغدادي يخاطب فيها “جنود الخلافة” قائلاً: اعلموا أن القادم خيرٌ نستبشره وأنه لا بدّ من مضاعفة الجهد وبذل الوسع على كافة الأصعدة الدعوية منها والإعلامية والعسكرية والأمنية”. وجاء نشر هذا الاصدار بعد فترة قصيرة من نشر إصدار “لبّوا النداء 3” الصادر عن فرع التنظيم في الصومال.

وقد نقلت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية عن مصادر في الجيش الأميركي أن ثمة شعوراً بالقلق في الجيش من احتمال أن ينتعش تنظيم داعش على وقع الأزمة الانسانية التي تتصاعد في شمال شرق سوريا، حيث دق المسؤولون المحليون ناقوس الخطر من نقص الموارد اللازمة لمواجهة انتشار الفيروس التاجي.

واشارت الصحيفة إلى أنه بالإضافة إلى حدوث أزمة انسانية جديدة، يثور القلق من إمكانية تفاقم الأوضاع في جميع أنحاء المنطقة، واحتمال أن تندلع أعمال شغب في أماكن احتجاز مقاتلي “داعش”، وكذلك توفير فرصة للأخير من أجل استقطاب وتجنيد عناصر إضافيين، وذلك كما نقلت الصحيفة عن المصادر التي تحدثت إليها.

فهل سيشكل انتشار وباء كورونا بالفعل الفرصة التي ينتظرها تنظيم داعش من أجل العودة واستئناف نشاطه أم أن التحديات الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي يفرضها هذا الوباء لن تستثني تنظيم داعش من تداعياتها وبالتالي سيجد نفسه مضطراً للانحناء أمامها والتمترس خلف جدران العزلة كما تفعل معظم دول العالم؟

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله سليمان علي

كاتب وصحافي سوري، وباحث في شؤون الجماعات الإسلامية

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  لبنان بين كورونا والبطالة.. دولة "سيري فعين الله ترعاك"