كامالا هاريس ليست مارغريت ثاتشر، إنما كونها صاحبة حجة صلبة ومناوِرة سياسية بارعة، ليس من السهل مقارعتها في السياسة. أينما قررت أن تتحدى كانت تربح، أكان في منصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا أم في مجلس الشيوخ؟
كامالا هاريس تحدت جو بايدن ووقفت بوجهه وعرّت مواقفه تجاه الأميركيين من أصول أفريقية إبان ولايته كممثل عن ولاية ديلوير. طالبته بالاعتراف بعدم تحديه قوانين الفصل العنصري في ستينيات القرن الماضي إبان حكم ليندن جونسون، حتى أنها اتهمته بالعنصرية، ومع كل ذلك، اثبت المرشح الرئاسي الأميركي الديموقراطي جو بايدن انه يستطيع تخطي كل تلك الاتهامات ويختار كامالا هاريس، حتى تكون شريكته في البيت الأبيض في حال فوزه برئاسة الولايات المتحدة.
من هي كامالا هاريس؟
حسب مجلة “بوليتيكو، هي من أصول سوداء – هندية اسيوية. دخلت معترك الحياة العامة في العشرينيات من عمرها. الآن هي المرشحة لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة حيث سبقتها إلى الترشح على هكذا منصب امرأتان من قبلها فقط، الأولى، هي جيرالدين فيرارو عام 1984 والثانية هي سارا بايلين عام 2012 وفشلتا في الانتخابات العامة، وهذا ما يميز بلداً مثل الولايات المتحدة ذات التاريخ المليء بالعنصرية، بانه يستطيع أن يوصل إلى سدة الرئاسة شخص اسود مثل باراك اوباما، والآن نائبة رئيس سوداء واسيوية هندية!
ولدت كامالا هاريس في أوكلاند بكاليفورنيا في 20 تشرين الأول/أكتوبر 1964 من ام هندية اسيوية (باحثة في علم السرطانات) وأب مهاجر من جامايكا (متخصص في الاقتصاد). التقى والدها بأمها في جامعة “Berkley” المعروفة بليبراليتها، وجمعهما حبهما لحقوق الإنسان، فقد كانا يأخذانها إلى التظاهرات عندما كانت لا تزال طفلة. امها أسمتها كامالا تيمناً بزهرة “اللوتس”، وكذلك لأنها ترمز إلى قوة المرأة، ولانها أيضا ترمز إلى اسم احد الآلهة عند الهندوس، التي هي قوة المرأة. امها شاملان غوبالان قالت في مقابلة مع “لوس أنجليس تايمز” في العام 2004 أن المجتمع الذي يؤمن بآلهة النساء ينتج نساء أقوياء. والداها قررا الإنفصال عندما كانت في السابعة من عمرها، فتكفلت الأم بتربية ابنتيها وأخذتهما إلى مونتريال في كندا، حيث تظاهرت مع اختها هناك ضد التمييز ومع حقوق البنات في المدرسة، مما يظهر مدى تجذرها في الدفاع عن حقوق المرأة.
ما هي سيرتها المهنية؟
بعدما تخرجت كامالا من كلية الحقوق في “بركلي”، دشّنت حياتها المهنية مدعية عامة محلية في مقاطعة ألاميدا. وفي عام 2003، أصبحت المدعي العام لمقاطعة سان فرانسيسكو. وبعد سبع سنوات، انتخبت لمنصب المدعي العام في ولاية كاليفورنيا لتصبح أول امرأة سوداء تشغل هذا المنصب. هناك صقلت تجربتها وقويَ عودها في السياسة. بعد إنتخابها لمجلس الشيوخ في 2016، قررت دخول سباق الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن سرعان ما عدلت عن قرارها قبل انطلاق التصويت الأولي في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا. فعلياً، لم يحالفها الحظ بسبب تأرجحها بين أن تكون مع اليسار التقدمي في الحزب الديموقراطي أو أن تكون في الوسط في الحزب نفسه. ففي مقابلة أجرتها معها صحيفة “نيويورك تايمز”، قالت كامالا “هدفي ليس تغيير وقلب المجتمع إنما الاهتمام بما يؤرق الناس في منتصف الليل”، اي أنها مهتمة بهموم الناس اليومية، وهذا دليل على براغماتية عملية وليس على فكر أيديولوجي، كما الحال مع بيرني ساندرز الاشتراكي أو إليزابيث وارن مرشحة الرئاسة من ولاية ماساشوستس.
الورقة الانتخابية لكل من جو بايدن وكامالا هاريس في مواجهة الجمهوريين، تشكل رسالة بالغة الدلالة وتعبر عن تنوع المجتمع الأميركي وليس كما يظهره ترامب عبر شعاراته العنصرية والعدائية المفرطة للنساء والاقليات ومحاولته تجييش العنصرية في أميركا
كامالا هاريس هي الخيار الأكثر أمانا لجو بايدن. اختيارها لا يعطي بايدن تفوقاً مناطقياً وإنما عرقياً، ونسائياً. فهي ستساعد في حشد أصوات الأقليات وخاصة السود. وكونها مواطنة من أهل مهاجرين يساعد ذلك في التأكيد أن الحزب الديموقراطي يمثل كل شرائح المجتمع الإميركي بعكس دونالد ترامب والحزب الجمهوري.
يمكن القول إن الورقة الانتخابية لكل من جو بايدن وكامالا هاريس في مواجهة الجمهوريين، تشكل رسالة بالغة الدلالة وتعبر عن تنوع المجتمع الأميركي وليس كما يظهره ترامب عبر شعاراته العنصرية والعدائية المفرطة للنساء والاقليات ومحاولته تجييش العنصرية في أميركا عبر تحريضه المستمر ضد المجموعات التقدمية واليسارية على انها مجموعات تخريبية وحتى فاشية، وأنها معادية للنظام والقانون.
لقد تمكن ترامب في العام 2016 من الفوز على هيلاري كلينتون، عبر زرع الشك حولها في العديد من المسائل، بدءا من إتهامها بالفساد وكونها السبب في مقتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا إلى العديد من الافتراءات التي ساقها ضدها. ولكن بعد اربع سنوات، بات الوضع مختلفاً، فادارته متهمة بقضايا فساد وثمة تحقيقات جارية في الكثير من مؤسساته. فمعاداته للكثير من القيم التي قامت عليها أميركا وتطورها عبر التاريخ، تجعل من رسائل ترامب للشعب الأميركي وللعالم رسائل ركيكة وخارج السياق التاريخي.
يقول موقع “ميدل إيست آي” البريطاني إن الدستور الأميركي لا يمنح نائب الرئيس سلطة كبيرة. وبخلاف القدرة على الإدلاء بالصوت المرجح في مجلس الشيوخ، فإن المسؤولية الرئيسية لنائب الرئيس هي تولي الرئاسة في حالة حدوث فراغ مفاجئ في رئاسة الولايات المتحدة. كما أن عمر بايدن (77 سنة) سيفتح الباب أمام دور أكبر لنائب الرئيس (تكليف هاريس بملفات داخلية وخارجية عديدة)، علما أن هاريس كانت من الرافضين لإلغاء الإتفاق النووي مع إيران ومن أشد المدافعين عن إسرائيل وكذلك من الداعين إلى محاسبة القيادة السعودية المتورطة في مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
لم يعد الا القليل حتى موعد الانتخابات الأمريكية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، فهل تنجح كامالا هاريس أول نائبة رئيس سوداء مهاجرة مع بايدن بتثبيت مقولة الثالثة ثابتة!