أردوغان وبايدن رئيساً.. الورطة التركية
ISTANBUL, TURKEY - NOVEMBER 22: Turkey's President Recep Tayyip Erdogan (L) and U.S. Vice President Joe Biden (R) hold a meeting at the Beylerbeyi Palace on November 22, 2014 in Istanbul, Turkey. (Photo by Kayhan Ozer/Anadolu Agency/Getty Images)

أعادت مواقع إخبارية نشر تهديدات أطلقها المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن قبل 8 أشهر ضد تركيا وقيادتها، فأشعلت نقاشاً سياسياً داخلياً بين الحكم والمعارضة اخمدته مؤقتاً بشرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حول العثور على كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في مياه البحر الاسود.

في فيديو قصير هو جزء من مقابلة مطولة اجرتها معه صحيفة “نيويورك تايمز” في كانون الاول/ديسمبر المنصرم، يصف المرشح الديموقراطي جو بايدن، الرئيس التركي بـ”المستبد الواجب ايقافه عند حده من خلال دعم قوى المعارضة التركية للوصول الى الحكم”.

هو ليس التوتر الاول من نوعه بين انقرة وبايدن المخضرم في العمل السياسي في الحزب الديموقراطي الذي أمكنه أن يفوز بمنصب نائب الرئيس مع باراك اوباما وأن يصبح اليوم أقوى مرشح منافس لمرشح الجمهوريين الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.

وجه بايدن انتقادات لاذعة للقيادات التركية في التعامل مع ملفات داخلية، بينها الملف الكردي، ملف الحريات والاعتقالات التي تمت بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة ومسائل اقليمية منها ملفات سوريا والعراق وقبرص وشرق المتوسط وتوسيع رقعة الانفتاح السياسي والامني التركي على  روسيا. أعرب عن قلقه من وجود 50 رأساً نووياً أميركياً في تركيا، واكد أنه سيعمل مع حلفاء واشنطن في المنطقة على عزل أردوغان وأفعاله في البحر الأبيض المتوسط. قال: “اردوغان انتهى، لقد تم إسقاطه في إسطنبول، ولم يعد لديه شعبية في حزبه”.

في السياسة، لا عداوات ولا صداقات دائمة. إنها لغة المصالح. لذلك، قد يتراجع جو بايدن عن مواقفه، وهذه ستكون المرة الثالثة التي يفعلها خلال 5 سنوات، بعدما كان قد اتهم انقرة بتسهيل انتقال مجموعات من المتشددين عبر اراضيها الى سوريا ثم اعتذر عن ما صدر عنه. بعدها طلب المغفرة على  تأخر بلاده في اعلان موقفها من المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قيل أكثر من مرة أن واشنطن كانت على علم بها. لكن بايدن، حتى لو اقدم على مثل هذه الخطوة، فالعلاقات التركية ـ الاميركية ستبقى، وحتى اشعار اخر، امام امتحان التوتر الحقيقي الذي يتجاوز القيادات السياسية ويصل الى مجلسي الشيوخ والنواب والقوى الفاعلة البعيدة عن الاضواء في كواليس البنتاغون والاستخبارات ومراكز النفوذ المالي والاقتصادي.

ماذا سيفعل بايدن إن أصبح رئيساً؟

يعلن بايدن جهاراً أنه سيدعم المعارضة التركية في حال أصبح رئيسا لأجل إسقاط أردوغان. يريد ان يفعل ذلك مع رئيس دولة حليفة وشريكة لاميركا، لكن الاتراك يشكرونه لأنه بمواقفه وتصريحاته الاخيرة، نجح في توحيدهم ضده وبالتالي اصطفاف غالبيتهم وراء اردوغان وحزب العدالة والتنمية. على الأرجح، فإن بايدن يسعى لتحويل مواقفه التصعيدية ضد تركيا وقياداتها الى رافعة تعزز فرصه في الوصول الى البيت الابيض من خلال كسب أصوات اللوبيات اليونانية والارمنية والاسرائيلية في الانتخابات المرتقبة، فاذا به يقدم خدمة لاردوغان وحزبه مصحوبة برسائل اعجاب وتقدير يطلقها ترامب إزاء نظيره التركي “اللاعب المحترف على رقعة شطرنج المنطقة”.

هل سيجد بايدن صعوبة في الوصول الى ما يريد؟

الجواب عند المعارضة التركية العاجزة عن تلبية احلام مرشح الرئاسة الأميركية بفضل تشرذمها وتفككها. بالمقابل، فإن اردوغان يواصل حماية شعبيته بفارق كبير عن اقرب منافس له على كرسي الرئاسة.

قد يكون الهدف من نشر حديث أدلى به بايدن قبل أقل من سنة، هو محاولة قطع الطريق على احتمال أي تقارب بين انقرة وبايدن في حال وصول الأخير الى البيت الابيض

ثمة تساؤلات كثيرة تطرح حول اسباب اعادة احياء تصريحات بايدن بعد مرور 8 اشهر عليها وحول الطرف المستفيد من ذلك. هل الهدف هنا مساعدة بايدن على الفوز في الانتخابات ام  الحؤول دون وصول المعارضة السياسية التركية الى الحكم من خلال المجاهرة بضرورة دعمها والوقوف الى جانبها في مواجهة حزب العدالة؟ أم ان الهدف هو اضعاف مواقف بايدن وفرصه في المعركة الانتخابية، وهي خطة للايقاع بين اردوغان وبايدن عبر إتهام الثاني بأنه يتدخل في شؤون دولة حليفة للولايات المتحدة عبر الدعوة لاسقاط نظام الحكم القائم فيها؟ أم أن أردوغان يحتاج إلى مثل هذه التصريحات من أجل شد عصب جمهوره؟ ام “رد تحية اماراتية” لانقرة بعد التصعيد الاخير للرئيس التركي ضدها بسبب المواقف والسياسات التي تتبناها في ليبيا وسوريا واليمن والملف الفلسطيني؟

لقد كان لافتاً للإنتباه ما أورده الاعلامي التركي المعارض مراد يتكين بحديثه عن توقيت اعادة النشر في الاعلام العربي الممول اماراتيا والذي يروج لاقلام واصوات محسوبة على مجموعة فتح الله غولان والكيان الموازي وكذلك أحد الاعلاميين الكرد في شمال العراق وهو من المقرب من “قسد” و”حزب العمال الكردستاني”، مُستنتجا أنها ليست صدفة حتما بل هناك غرفة عمليات واحدة تدير الامور بتخطيط منظم ومبرمج.

ولكن ما هي مصلحة الإماراتيين؟

قد يكون الهدف من نشر حديث أدلى به بايدن قبل أقل من سنة، هو محاولة قطع الطريق على احتمال أي تقارب بين انقرة وبايدن في حال وصول الأخير الى البيت الابيض. الهدف هو تذكير بايدن بضرورة احترام اقواله ومواقفه والالتزام بها عند وصوله الى منصب الرئاسة، ويبدو أن الخطة قد نجحت خصوصا وأن المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم كالين يقول إن تحليل بايدن “ينم عن الجهل المطلق والغطرسة والنفاق.. أيام توجيه التعليمات لتركيا قد ولّت، ولكنكم لا تزالون تعتقدون أنه يمكنكم المحاولة”.

إقرأ على موقع 180  هكذا يهاجر التونسيون بحراً..

في هذا السياق، يتساءل زعيم المعارضة التركية كمال كليتشدار أوغلو “من كان رئيس هذا البلد (تركيا) أثناء اطلاق مثل هذه المواقف قبل أشهر؟ من كان يجلس بالقصر الرئاسي؟ من كان وزير الخارجية؟ أين كان رئيس دائرة اتصالات الرئاسة فخر الدين ألتون حينها؟ لماذا لم يظهروا أي رد فعل على مدى 7 أشهر. لماذا يتحركون الآن”؟

تعرف أنقرة أن بايدن هو الذي قاد مشاريع محاصرتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في منتصف سبعينيات القرن المنصرم، بعد دخولها العسكري إلى شمال قبرص، وتعرف أيضا أن بايدن نفسه هو الذي وقف أمام رئيس الوزراء التركي بولانت أجاويد عام 1999 يخاطبه مهدداً “أنتم تحتاجون إلينا، ولسنا نحن من يحتاج إليكم. إفعلوا ما نقوله في الموضوع القبرصي وخذوا القروض التي تحتاجون إليها”، لكن لم يابه الاتراك بتهديداته.

وتعرف أنقرة أيضاً أن بايدن هو الذي جاء قبل ثلاث سنوات إلى تركيا في مهمة ترميم ما أفسده قبل أعوام عندما حمل التهديدات لأنقرة بسبب سياستها المتوترة مع إسرائيل، وانفتاحها المتزايد على روسيا تجارياً وسياسياً، لكن الحقيقة هي أن الأتراك هم الذين خيّبوا آماله طيلة السنوات الأخيرة، لأنهم لم يأخذوا بنصائحه وإرشاداته وحتى تهديداته، وتحركوا منفردين برغم معارضة واشنطن لفتح أبواب الحوار والمصالحة وتعزيز العلاقات الإقليمية والدولية مع لاعبين حذرت إدارة البيت الأبيض منهم مثل روسيا وإيران والصين.

لقد جاء بايدن يغري البعض بحلم أميركي في بناء تحالف تركي – إسرائيلي يمر عبر قبرص، ويحمي حصة انقرة ونفوذها في مشاريع الطاقة في شرق المتوسط، لكنه يعرف أن التحرك الأميركي هذا جاء متأخراً جداً، وأن ترجمته تحتاج إلى هدايا وأثمان باهظة تقدمها الإدارة الأميركية، خصوصاً أن موسكو بنت منظومة علاقات لا يمكن التفريط فيها مع شركاء وحلفاء واشنطن وعلى رأسهم تركيا.

بايدن اليوم تنطبق عليه، بنظر الاتراك، حكاية الرجل المسيحي الذي اقتحم منزل جاره اليهودي يريد خنقه. ولما سئل عن السبب قال لانه اكتشف انهم وراء مقتل السيد المسيح. ولما قيل له هذه الحادثة مر عليها مئات السنين، اجاب لا يهم انا سمعت بها منذ قليل فقط.

Print Friendly, PDF & Email
د. سمير صالحة

كاتب وباحث تركي، أستاذ جامعي في القانون الدولي العام والعلاقات الدولية

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "حزب الله" في موسكو.. الصورة أولاً