إنتخابات العراق: الكاظمي “تقاطع طرق”.. و”التشرينيون” بلا جاذبية

عشرة أيامٍ تفصلنا عن الاستحقاق الانتخابي العراقي.. يكاد العراق راهناً أن يكون "بيضة القبان" في الإقليم. إليه تُوجّه الأسئلة الصّعبة، ومنه ترسم ملامح لأجوبة محتملة.

لن تتشابه إنتخابات العام 2021 في العراق مع سابقاتها. الظّروف في الدّاخل كما الخارج مختلفة، وأثر كلّ من الحراك التشرينيّ والانسحاب أو تبدل قواعد اللعبة الأميركية في المنطقة، كما أثر الانفتاح العراقي على الجوار العربيّ سيكون واضحاً، وإن لن يحدث كل ذلك فرقاً أو فارقاً ملحوظاً في النتيجة. على أنّ المخاوف التي كانت تعتمر النخب العراقية في السنوات الأخيرة حول سيناريوهات الفوضى والتفتيت والتّقسيم تتراجع لا سيما في ضوء الحضانة الدولية والإقليمية لواقع عراقي ليس بالضرورة أن يكون متموضعاً بحدة ضمن هذا المحور أو ذاك.

ومن المفترض أن تنتج الانتخابات المقررة في العاشر من تشرين الأوّل/أكتوبر المقبل تركيبة سياسية ضامنة لعراق موحد في مرحلة إقليمية ودولية إنتقالية تبقي هذا البلد أسير واقع إقتصادي ومالي ضاغط ورجراج، ما يعني أن العراق المقبل سيكون محكوماً باللاءات الثلاث: لا تقسيم، لا إنهيار، لا إستقرار، وهي “اللاءات” التي كان المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله يُسقطها على الواقع اللبناني، مع تعديل جوهري أصابها لبنانياً في ضوء الإنهيار الإقتصادي والمالي غير المسبوق منذ نشوء دولة لبنان الكبير منذ مائة عام حتى يومنا هذا.

لم يعد خافياً أن إدارة جو بايدن أحدثت انعطافةً حقيقية في مجريات الأحداث في الشرق الأوسط بعد أن كانت سيناريوهات الفوضى مفتوحة على مصراعيها، لا سيما في العراق إثر تخلخل موازين القوى بعد حراك تشرين الأول/أكتوبر 2019 لغير مصلحة القوى المحسوبة على إيران، وعقب عملية اغتيال قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني (مطلع 2020)، في سياق ما يشبه عمليّة لي الأذرع بين أميركا وإيران على الأرض العراقية، ما فتح الأبواب أمام مزيدٍ من الاستقطاب الذي احتُمل أن يكون الانفجار أو التقسيم من خواتيمه.. لذلك، شكل وصول مصطفى الكاظمي إلى سدة رئاسة الحكومة صمام أمان وظيفته تقطيع مرحلة إنتقالية لم يكن أحد قادراً على التنبؤ في مآلاتها الكبرى.

وحتى مع وصول بايدن إلى سدة الرئاسة الأميركية، كان طرحه الذي أعلنه في العام 2007 حول تقسيم العراق إلى 3 دول/ كانتونات على أساس قومي وطائفي مصدر قلق لكل المتوجسين من حقيقة أهداف الفريق الأميركي الجديد. الثابت أن الأميركيين يحاولون ترتيب أمور منطقتنا تبعاً لأولوية الملف الصيني لديهم. تتشكل حكومة في لبنان برئاسة نجيب ميقاتي بعد 13 شهراً من الانتظار المُهدّد بالانفجار.. تُفتح الحدود البرية بين سوريا والأردن وقريباً تليها الحدود الجوية. تطبيع عسكري وأمني وغازي بين عمان ودمشق. تنسحب أميركا من المنطقة في القريب العاجل أو الآجل.. تستعد إيران لمحادثات فيينا النووية، ولا تبارح البدائل أو “الفرص الشرقية”، بحيث تغدو عضواً في منظمة شنغهاي، إستكمالاً لتفاهمها الإستراتيجي مع الصين، ومن المفترض أنها مقبلة على صفقة مماثلة مع روسيا قريباً، فيما تذهب الأمور بين إيران والسعودية نحو منحى أقل حدة، أقله من البوابة العراقية. يصرّح المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زادة مؤخراً أننا “أجرينا عدة جولات من المحادثات مع الحكومة السعودية في بغداد خلال الأشهر القليلة الماضية وكانت محادثات جيدة بشأن العلاقات الثنائية”. في اليوم التالي، يقول ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز إن إيران “دولة جارة… نأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة”.

يقول مقربون من الكاظمي إن رئيس الوزراء العراقي فاتح الإيرانيين خلال زيارته الأخيرة إلى طهران بشق طريق دولية تربط مدينة مشهد الإيرانية بمدينة كربلاء العراقية في المرحلة الأولى على أن يستكملها الجانب العراقي في مرحلة لاحقة مع الحكومة السعودية لأجل ربط كربلاء بمدينة مكة المكرمة. بذلك يُستفَاد من العراق بوصفه عقدة وصل للطرق البرية بين دول المنطقة

يحدث كل ذلك عملياً في ظل مضي عراق الكاظمي تدريجياً في مسار الانفتاح على الجوار العربي والإقليمي، سعياً إلى تحقيق نوع من التوازن الأميركي – الإيراني في العراق. بطبيعة الحال، لا يمكن إغفال الدور الذي لعبه مصطفى الكاظمي في التجسير عربياً وإقليمياً، وهو دورٌ يعوِّل الرجل عليه لأجل الفوز بولاية ثانية في مرحلة ما بعد الانتخابات. عملياً، يمكن تسجيل عدة نقاط تحسب له. هو نجح في تحقيق الشرط الأبرز الذي كان سبباً في طرحه لمنصب رئيس الوزراء، والمتمثل في الإيفاء بإلتزام إجراء الانتخابات النيابية المبكرة. وقد نجح قبلها في استحقاقات عديدة، أبرزها أنه استطاع أن ينفتح على كل المكونات المؤثرة على الساحة العراقية ويبني جسور وصل بينها. فتح حواراً استراتيجيّاً مع الطرف الأميركي ليحقق تقدماً في مسألة الانسحاب الأميركي من العراق ويؤسس لمشاريع اقتصادية مشتركة. أدار علاقات ناجحة مع الطرف الإيراني، بحيث زار طهران مرتين، وحظي بنوع من الدعم من قادتها، كما أنه انفتح على الجوار العربي، وكان “مشروع الشام الجديد” العنوان الأبرز لهذا الانفتاح. جاءت قمة بغداد مؤخراً لتشكل حدثاً سياسياً متوّجاً لهذا المسار الجامع، وقد استطاعت القمة أن تجمع أطرافاً متنافرة سياسياً، وأن يسجل بيانها الختامي سعياً من كافة الأطراف الحاضرة للعمل على التعاون البناء. كما حرص الكاظمي خلال ولايته على جعل  الفصائل المسلحة “تنضبط” نسبياً تحت عباءة الدولة العراقية، برغم الخروق المتكررة.

إقرأ على موقع 180  واشنطن – الرياض.. "المصالح" تتقدم على "الصداقة"!

“مشروع الشام الجديد” الذي تبناه الكاظمي كان محل ريبة لدى من اعتبره مقدمة للربط الاقتصادي مع إسرائيل، لا سيما وان هذا المشروع تعود جذوره إلى دراسة أعدّها البنك الدولي في ربيع 2014، اشتملت على سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينيّة، بالإضافة إلى تركيا والعراق ومصر. وينظر البعض إلى أن كل مجريات الأمور في الشرق الأوسط تدار بطريقة ما لتصب في هذا الاتجاه الذي يحمل في طياته المتوارية نوعاً من التطبيع الخفي مع إسرائيل.

ويقول مقربون من الكاظمي إن رئيس الوزراء العراقي فاتح الإيرانيين خلال زيارته الأخيرة إلى طهران بشق طريق دولية تربط مدينة مشهد الإيرانية بمدينة كربلاء العراقية في المرحلة الأولى على أن يستكملها الجانب العراقي في مرحلة لاحقة مع الحكومة السعودية لأجل ربط كربلاء بمدينة مكة المكرمة. بذلك يُستفَاد من العراق بوصفه عقدة وصل للطرق البرية بين دول المنطقة.

ويعتقد البعض أن مؤتمر التطبيع الذي شهدته أربيل قبل أيام قليلة وضم حوالي 300 شخصية عراقية، “ليس سوى نتيجة طبيعية لبعض مناخات القيادات الرسمية البغدادية.. من  دون إستثناء أحد منها”، مع العلم أن المؤتمر لاقى إستنكاراً من الجهات الرسمية وغير الرسمية العراقية، واستدعى من الحكومة العراقية إصدار مذكرات توقيفٍ بحق شخصيات شاركت في هذا المؤتمر التطبيعي الذي ستسعى جهات داخلية لإستثماره سياسياً في الصناديق الإنتخابية، ربطاً بالتموضع الإقليمي لعراق ما بعد الإنتخابات.

هل ستكون الانتخابات العراقية المقبلة مختلفة عن سابقاتها؟

حتماً، لن تؤدي الإنتخابات إلى التغيير الذي ينشده معظم العراقيين، برغم رهان البعض على أن قانون الانتخاب الجديد قد يُحدث تغييراً ما لجهة إمكانية عدم تبلور أغلبية واضحة في مجلس النواب وفتح نوافذ صغيرة للتغيير.

وقد أشار تقرير نشرته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية مؤخراً إلى أنه “بالنسبة لبعض صانعي السياسة الغربيين القلقين بشأن النفوذ الإيراني في العراق، فإن الرجل الذي وصفته وسائل الإعلام الأميركية بأنه الأكثر خطورة (مقتدى الصدر) قد يكون بديلاً جذاباً للجماعات الموالية لإيران”. وكانت الصحيفة قد كشفت أن الصدريين العاملين في الحكومة العراقية التقوا بدبلوماسيين غربيين، في إشارة إلى مدى تغير مساراتهم السياسية، فيما يلمح البعض إلى أنّ فوز التيار الصدريّ بحصة الأسد في الإنتخابات المقبلة (برغم إحتمالات تراجع أصواته مقارنة بآخر إنتخابات) من شأنه أن يجعل مقتدى الصدر يتمسك بتسمية رئيس الحكومة، وهو إحتمال ضعيف ولا يتعدى حدود المناورة الهادفة إلى شد عصب الصدريين من جهة وقطع الطريق على نوري المالكي من جهة ثانية، لا سيما وأن الشهية السياسية الشيعية مفتوحة على مصراعيها للوصول إلى سدة رئاسة الحكومة، وتسري هذه المعادلة على حيدر العبادي الذي يسعى أيضاً للعودة إلى رئاسة الوزراء.

وكلما كبرت التناقضات داخل ما يسمى “البيت الشيعي” وكلما تعذرت فرص وجود بديل جدي، كلما إرتفعت أسهم الكاظمي عراقياً وإقليمياً ودولياً إلى حد جعل قيادي في حزب لبناني بارز يقول في جلسة خاصة إن فرصة الكاظمي الحكومية الثانية بعد زيارته الأخيرة إلى طهران “باتت مرتفعة وتتقدم على فرص الآخرين”.

وسط هذه الأجواء، تطرح التساؤلات حول تأثير مكونات تشرين على المشهد الانتخابي العراقي المقبل، مقاطعة أو مشاركة، في ظل تقديرات تشي بأن الحراك التشريني العراقي شبيه بحراك بيروت التشريني، أي أنه يفتقد للقيادة الموحدة والأهداف الموحدة وبالتالي من شأن الإنتخابات كشفه وإبراز عدم جاذبيته، برغم “الأسطرة” الإعلامية لرموزه، على الطريقة اللبنانية ذاتها.

وبمعزل عن نتائج الإنتخابات، سيبقى الحراك التشريني عامل ضغطٍ على أي حكومة مقبلة، لا سيما بلحاظ أن الأحزاب التقليدية العراقية لم تقدم برامج جدية لتعافي العراق من أزماته، ما قد يبقي المشاكل الداخلية عينها في فترة ما بعد الانتخابات، وما قد يفسح المجال أمام توسّع التيار التشريني، إن لم يحتمل المشهد عنفاً وقلاقل أمنية أيضاً. لكن في المحصلة تواجه أحزاب السلطة في الانتخابات المقبلة بديلاً أضعف منها، ما سيحول دون إحداث التغيير المرجو.

Print Friendly, PDF & Email
ملاك عبدالله

صحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  المالكي و«حلم» رئاسة الحكومة.. لا مانع من "حلّ الحشد الشعبي"!