رسّخت دولة الكويت، على مدى عقود طويلة، سياسة خارجية تقوم على أساس مبدأ الحياد والاتزان، كما على مبدأ الحوار والمحافظة على أواصر الروابط والتعاون مع مختلف الأطراف خصوصاً دول الجوار. وقد ساهم الأمير الراحل الشيخ صباح في تدعيم هذه الثوابت، والتي تأخذ بالاعتبار حجم الدولة واقتصادها، وبنيتها القبلية والاجتماعية وموقعها كدولة صغيرة، محصورة بين ثلاث دول كبيرة هي العراق والسعودية وإيران. فهناك شريحة كبيرة من المجتمع الكويتي ترفض أي نوع من التطبيع مع إسرائيل من منطلق ديني وإيديولوجي، وتعلن موقفها هذا صراحة وعلانية ومن موقع تواجد قوي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. وبالتالي فإن أي قبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى تشقق داخلي. كما أن البرلمان يمتلك سلطة مراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها، ما يجعل الموقف الكويتي غير مرتبط جوهريا بالأمير الراحل، كما لم يكن مرتبطاً بمن كان قبله.
لا تعترف الكويت بما يُسمى “صفقة القرن” (وأثناء كلمته أمام المؤتمر الطارئ للاتحاد البرلماني العربي الذي عقد في عمّان- الأردن في فبراير/ شباط الماضي، رمى رئيس البرلمان الكويتي مرزوق الغانم نسخة من صفقة القرن في سلة المهملات قائلاً إن تلك الصفقة “ولدت ميتة ومكانها مزبلة التاريخ”). وهي اليوم ملتزمة رسمياً بمقررات القمة العربية في بيروت 2002 وبالمبادرة السعودية يومها التي تحولت إلى مبادرة عربية للسلام تقوم على تطبيع علاقات الدول العربية مع إسرائيل مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي حتى حدود حزيران/يونيو 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وتسوية مسألة اللاجئين الفلسطينيين.
عاد شعار “لا للتطبيع مع إسرائيل” من جديد وبقوة إلى الساحة الكويتية على وقع إعلان مبادرتي كل من الإمارات (13 أغسطس/آب) والبحرين (11 سبتمبر/ أيلول) تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، وما تلاه من تصريحات أميركية حول الكويت. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقب لقائه في 18 سبتمبر/ أيلول 2020 بنجل أمير الكويت الراحل، الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح، لمناسبة منح الشيخ صباح وسام الاستحقاق العسكري الأميركي من الدرجة الأولى، أن “الكويتيين متحمسون جداً بخصوص ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وبخصوص مساهمتنا في توقيع أول دولتين خليجيتين على التطبيع مع إسرائيل. (…) الكويت قد تصبح قريباً البلد التالي ليطبع علاقاته مع إسرائيل”.
وقبله كان جارد كوشنير قد انتقد الموقف الكويتي الرافض للتطبيع، ووصفه بـ”المتشدد وغير البناء والمنحاز للفلسطينيين”. وقال “إن من الحتمي أن تطبع كل دول الشرق الأوسط مع إسرائيل”. واعتبر كوشنير أن من مصلحة العديد من دول المنطقة، ولا سيما من الجانب الاقتصادي، أن تعترف بإسرائيل وتقيم علاقات معها، والحصول على “ثقة أميركا”.
أي قبول بأي نوع من التطبيع مع إسرائيل سيؤدي إلى تشقق داخلي. كما أن البرلمان يمتلك سلطة مراقبة الحكومة والتحكّم في سياساتها ومواقفها عبر آلية الاستجواب وسحب الثقّة من أعضائها، ما يجعل الموقف الكويتي غير مرتبط جوهريا بالأمير الراحل
“لا” دستورية للتطبيع مع إسرائيل
اعتبر الكويتيون هذه التصريحات “تدخلا سافرا” في شؤونهم الداخلية. وكان البرلمان الكويتي أول من سارع لانتقاد الإمارات والبحرين ولإعلان موقف قوي وداعم للقضية الفلسطينية التي اعتبرها “قضية العرب والمسلمين الأولى”، وذلك من خلال بيان أصدره في 18آب/ أغسطس 41 نائباً من أصل 50 يشكلون مجلس الأمة الكويتي، بينهم رئيس المجلس مرزوق الغانم، داعين في الوقت ذاته الحكومة الكويتية إلى تأكيد موقف البلاد الثابت، وهو ما فعلته الأخيرة في 21 سبتمبر/أيلول الماضي.
كذلك سارع الشارع الكويتي للتعبير عن غضبه وموقفه، وأطلق كويتيون هاشتاغ (#كويتون_ ضد_ التطبيع) الذي لاقى انتشاراً واسعاً، حتى أن بعض الأحياء السكنية في العاصمة الكويتية تسابقت إلى نصب مجسمات لخارطة فلسطين الطبيعية ورفعت لافتات تناصر الفلسطينيين وتدين الاحتلال. وفي المباراة الأخيرة لتصفيات كأس الأمير لكرة القدم في 21 سبتمبر/ أيلول 2020، رفع اللاعبون والمشجعون لافتة ضخمة كتب عليها “لا للتطبيع مع إسرائيل”. كذلك تسابقت أكثر من 31 جمعية ورابطة إلى إصدار بيانات استنكار وتنظيم وقفة احتجاجية أمام السفارة الفلسطينية.
لم يتغير موقف الكويت الرسمي تجاه القضية الفلسطينية على مدى عقود من الزمن: “فلسطين قضية مركزية في السياسة الكويتية” (الجملة تلخص الموقف الرسمي والشعبي في الكويت، وترد كثيراً في الخطابات الرسمية وغير الرسمية). لا تعترف الكويت بوجود دولة إسرائيل، وتطلق عليها وصف الكيان الصهيوني أو فلسطين المحتلة، وتسمي في القنوات التلفزيونية الرسمية الخاصة من يقُتل من الفلسطينيين بـ”الشهداء” والدفاع الفلسطيني بـ”المقاومة الفلسطينية”، وكل تحرك “إسرائيلي” ضد الفلسطينيين بـ”الاعتداءات الصهيونية”. وتعتبر أية دعوة للتطبيع خيانة وجريمة بحكم القانون. فوفقاً لدستور الكويت 1962، وللمرسوم الأميري الصادر في 25 حزيران/يونيو 1967 “بإعلان قيام الحرب الدفاعية بين دولة الكويت والعصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة”، ووفقاً للقانون التشريعي رقم 31 لسنة 1971، تُعتبر إسرائيل بالنسبة للكويت “دولة أجنبية ومعادية”، والتعامل معها تترتب عليه عقوبة بالسجن المؤبد أو السجن المؤقت (5–10 سنوات) والأشغال الشاقة والغرامة المالية”. المرسوم الأميري والقانون التشريعي لا يزالان ساريين ونافذين حتى الآن. كما أن المادة الثالثة من المرسوم الاميري تمنع المواطن أو الوافد المقيم بصورة دائمة أو مؤقتة، وكل شخص طبيعي أو اعتباري في دولة الكويت، من أن يتعاطف أو يشارك أو يطالب بالتعامل أو التطبيع مع الكيان الصهيوني ومنظماتها. بينما تحظر المادة الرابعة من المرسوم الاميري على كل مواطن كويتي أو وافد مقيم إقامة مؤقتة أو دائمة السفر إلى إسرائيل، سواء بجواز السفر أم دونه.
في عهد الأمير الراحل الشيخ صباح، تأكدت مقاومة الكويت للتطبيع من خلال إنشاء العديد من لجان مقاطعة الصهاينة، وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع، ومُنع “الإسرائيليون” من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، وقاطع اللاعبون الكويتيون أي مباريات مع اللاعبين الصهاينة
مقاومة الكويت للتطبيع مع إسرائيل لها تاريخ طويل منذ نكبة العام 1948. ففي العام 1957 تأسس مكتب مقاطعة إسرائيل. كما أن مواد المرسوم بقانون الذي أصدره أمير البلاد آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح (1964) تحظر حيازة وتداول السلع الإسرائيلية بكل أنواعها. وتحظر على “كل شخص طبيعي أو اعتباري أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها أينما أقاموا”.
وفي عهد الأمير الراحل الشيخ صباح، تأكدت مقاومة الكويت للتطبيع من خلال إنشاء العديد من لجان مقاطعة الصهاينة، وإقامة العديد من الملتقيات الرسمية والشعبية المقاومة للتطبيع، ومُنع “الإسرائيليون” من ركوب طائرات الخطوط الجوية الكويتية، وقاطع اللاعبون الكويتيون أي مباريات مع اللاعبين الصهاينة، كما تم إنشاء “المؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع إسرائيل” ومقره الكويت، وهي مبادرات ترتبت عليها هبة وحركة شعبية واسعة لمقاومة التطبيع والتحذير من مخاطره.
تثبيت الموقف الرسمي لسد الثغرات
بالرغم من هذه التشريعات، تقدم خمسة من أعضاء مجلس الأمة الكويتي في 18 أغسطس/ آب الماضي باقتراح بقانون “لحظر كل أنواع وأشكال العلاقات مع إسرائيل، ومنع أي تطبيع أو توقيع اتفاقية سلام مع الكيان الصهيوني مهما كانت الأسباب”. وهو اقتراح ليس بجديد، ففي 18 نيسان/إبريل 2018، تقدم أربعة نواب بمقترح قانون مماثل (كان ذلك عقب استقبال سلطنة عُمان لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ومشاركة فرق رياضية إسرائيلية في بطولتين في الإمارات وقطر).
تتضمن معظم مواد هذا المقترح وضعاً قانونياً متحققاً بالفعل في مواد القانون رقم 31 لسنة 1971، لكنه يتضمن تعديلات ركزت على الشق التجاري (العادي والإلكتروني) والمستجدات الخاصة بالعصر بالنسبة لوسائل الاتصالات والتواصل الإلكترونية، إذ أنه “يحظر على الأشخاص الاعتباريين والطبيعيين من مستخدمي شبكة الانترنت ووسائط الاتصال الإلكترونية التعامل والتعاقد الإلكتروني مع المواقع والخدمات الإلكترونية المنشأة في إسرائيل أو التابعة لها، أو الشركات المتواطئة والداعمة للاحتلال. وتحجب الجهة المختصة في الكويت المواقع والخدمات الإلكترونية الإسرائيلية كافة”.
يقول النائب أسامة الشاهين، وهو واحد من النواب الخمسة الذين تقدموا بمقترح القانون الجديد، لموقع 180: “لدينا هدفان: هدف معنوي ويتمثل في إرسال رسالة تضامن من شعب الكويت وممثليه المنتخبين وحكومته تقول إننا نقف مع الحقوق الفلسطينية، ونرفض الخضوع لأية ضغوط تدعو لمتغيرات غير شرعية وغير منصفة. وهدف مادي لسد أي ثغرات قد تكون موجودة في القوانين الجزائية وقد يتسلل منها أتباع المؤيدين للتطبيع وأعوان الاحتلال (يقول البعض إنه ليس هناك نص يجرم التطبيع أو الدعوة إليه بحجة أن مصطلح “إسرائيل” غير مذكور في النصوص القانونية بصريح العبارة)، فبوجود هذا القانون لن تستطيع الحكومة الموافقة على التطبيع حتى لو أرادت ذلك لسبب أو لآخر”. ويضيف الشاهين: “وأيضاً بما يتناسب مع مستجدات اقتراب الاحتلال منا باعتباره قد دخل عقر دارنا”، في إشارة غير مباشرة إلى الإمارات والبحرين.
الأسباب التاريخية لثبات الموقف
تاريخيا، يقول أحمد الديين، الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية وأحد مؤسسيها، لموقع 180 إن الجيش الكويتي كان موجوداً على ساحات القتال ضد الكيان الصهيوني: “سقط لنا شهداء على الجبهة المصرية في الحرب التي اندلعت بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس في يوليو/ تموز 1967. كذلك على الجبهة السورية، خلال الحرب التي اندلعت في هضبة الجولان بين سوريا وإسرائيل في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973. وعلى مستوى الشعب الكويتي هناك من شارك في القتال الى جانب الشعب الفلسطيني في كثير من المعارك داخل فلسطين وعلى حدودها”.
ويضيف الديين: “يجب الأخذ بالاعتبار أن الوضع الجغرافي السياسي للكويت يشكل عنصراً مساعداً لثبات موقف الكويت الرافض للتطبيع، لناحية الجوار مع العراق وإيران والسعودية. فإيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى اليوم تمثل محور الممانعة المعادي لإسرائيل. والعراق عملياً قبل وبعد عام 2003 ضد إسرائيل. كما أن السعودية لم تعلن – حتى الآن – بأنها ذاهبة في اتجاه التطبيع. هذا الامتداد للمحيط الرافض للتطبيع مع إسرائيل لا شك يدعم الموقف الكويتي في الداخل”.
بدوره، يقول الدكتور حسن جوهر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت لموقع 180: “لا يمكن لدولة أن تتفهم وجوب تأييد الحقوق الفلسطينية أكثر من الكويت. نحن بلد جربنا ماذا يعني الاحتلال. جربنا الغزو. جربنا ماذا يعني أن نكون تحت سلطة دولة معتدية ومنتهكة للقانون الدولي ولكل مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية. أثناء الغزو العراقي للكويت عام 1990 سقط شهداء وضحايا، وصار عدد كبير من الكويتيين لاجئين في الخارج، وآخرون أسرى أو مفقودين، فكيف لنا مع كل ذلك أن نتخذ مواقف مناقضة للقضايا التي تشبه قضيتنا (برغم وجود أبعاد إقليمية ودولية ووجدانية للقضية الفلسطينية)؟ لولا تضافر جهود المجتمع الدولي واستخدام القوة لما تحررت الكويت. ومن دون هذين الشرطين لن تحل القضية الفلسطينية، بشكل عادل”.
يُشار هنا إلى أن البعض يراهن على أن “الشرخ” في العلاقات بين الكويت والسلطة الفلسطينية، جراء تأييد الأخيرة قرار غزو الكويت من قبل عراق صدام حسين “كفيل” بجعل الكويت قابلة للتطبيع مع إسرائيل. حتى أن بعض الكويتيين، وفي سياق تبرير معارضتهم تشريع قانون جديد لمنع التطبيع مع إسرائيل قالوا “لن يجدينا الوقوف مع هذا الطرف أو ذاك إذا ضاعت بلدنا. موقف منظمة التحرير الفلسطينية أيام الغزو الصدامي لم يكن مشرفاً ولا مطمئناً”.
خسرت منظمة التحرير دعماً لوجستياً ومادياً خليجياً استمر لعقود، حتى رجعت العلاقة إلى دفئها بإعادة افتتاح السفارة الفلسطينية في الكويت في العام 2013. لكن حتى أثناء الغزو، عندما سأل صحافي أميركي أمير البلاد آنذاك عن تطبيع الكويت مع إسرائيل أكد الشيخ جابر الأحمد الصباح: “أننا سنكون آخر دولة تطبع مع إسرائيل”
يُذكر أنه خلال الغزو العراقي للكويت في العام 1990 تدهورت العلاقات الكويتية الفلسطينية، وقطعت الكويت علاقتها بمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية نتيجة تأييد بعض القيادات في المنظمة لهذا الغزو ودعهما لصدام حسين، ما أدى إلى نتائج وخيمة على المنظمة وأبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في الكويت (كان يقدر عددهم حتى عام 1991 بحوالي 400,000 مقيم، تقلص اليوم لأقل من من 60,000 مقيم فقط، أي أن قرابة 85% من الفلسطينيين غادروا الكويت لأسباب مختلفة منها الخوف من الإضطهاد والظروف الأمنية والاقتصادية. كما خسرت منظمة التحرير دعماً لوجستياً ومادياً خليجياً استمر لعقود، حتى رجعت العلاقة إلى دفئها بإعادة افتتاح السفارة الفلسطينية في الكويت في العام 2013. لكن حتى أثناء الغزو، عندما سأل صحافي أميركي أمير البلاد آنذاك عن تطبيع الكويت مع إسرائيل أكد الشيخ جابر الأحمد الصباح: “أننا سنكون آخر دولة تطبع مع إسرائيل”.
وعن هذا الأمر يقول الدكتور جوهر: “اختلافنا كان مع السلطة الفلسطينية وبعض الفصائل الفلسطينية بسبب موقفها السلبي من الغزو العراقي. لكن الموقف من القضية الفلسطينية يبقى موقفاً أخلاقياً ومبدئيا”. وتتميز الكويت – على خلاف بقية بلدان الخليج – بوجود رأي عام شعبي حرّ، قادر على أن يلعب دور الداعم لأي قرار تتخذه حكومته بما في ذلك رفض التطبيع مع إسرائيل، مهما اشتدت الضغوطات الخارجية.
ضغوطات أمريكية وخليجية
بدوره، يقول أحمد الديين إن الولايات المتحدة بدأت بالفعل تمارس أشكالاً من الضغوط على الكويت لدفعها نحو التطبيع، في إشارة إلى تصريحات ترامب “الإستفزازية” وتعمد كوشنير أن يستثني الكويت من جولته الخليجية ومن ثم وصفه مواقف الكويت تجاه الفلسطينيين بـ”الراديكالية وغير البناءة”.
وبرغم أن كوشنير قال في التصريح ذاته أن “لا ضغوط أميركية على الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي لإقامة علاقات مع إسرائيل”، يرى الديين أن “لدى الولايات المتحدة أنواعاً أخرى من الضغوط غير المُعلنة يمكن أن تمارسها على الكويت في حال رغبت في ذلك، على المستوى السياسي أو الأمني أو الاقتصادي “نظراً للعلاقات الثنائية الخاصة بين البلدين، ولكون الكويت حليفا رئيسيا خارج الناتو معينا لواشنطن”، إذ تتسم العلاقات التجاریة الكویتیة الأمریكیة على مدى العقود الطویلة الماضیة بالثبات والاستمراریة بنیت خلالھا علاقة متمیزة من التبادل التجاري وصل حجمھا لنحو ملیار دینار كویتي (نحو 3.3 ملیار دولار أمریكي) من دون النفط ومشتقاتھا خلال العام الماضي (2019). يسعى الجانبان بصورة مستمرة الى زیادة العلاقات التجاریة من خلال تبادل الزیارات وإقامة المنتدیات الاقتصادیة. ففي أيلول/ سبتمبر الماضي عقدت غرفة التجارة الأمریكیة وغرفة تجارة وصناعة الكویت بالتعاون مع ھیئة تشجیع الاستثمار المباشر الكویتیة أول منتدى اقتصادي أمریكي – كویتي من نوعه لتعزیز العلاقة التجاریة والاستثماریة بین البلدین. وتستورد الكویت العدید من المنتجات الأمریكیة مما جعل المیزان التجاري یمیل بشدة نحو الولایات المتحدة إذ تصل قیمة الصادرات الأمریكیة نحو الكویت نحو 1.044 ملیار دینار (نحو 3.3 ملیار دولار أمریكي). اما حجم الصادرات الكویتیة للولایات المتحدة، فبلغت نحو 42 ملیون دینار (نحو 141 ملیون دولار) خلال العام الماضي.
ويضيف الديين “الكويت قد تتعرض أيضاً لضغوط مصدرها منظومة مجلس التعاون الخليجي (السعودية، عُمان، الإمارات، الكويت، قطر والبحرين) التي تتداعى اليوم تجاه التطبيع. صحيح أنه حتى الآن السعودية لم تعلن قرارها الذهاب في هذا الإتجاه، لكن دولاً مجاورة تعتبرها الكويت تشكل عمقها الإستراتيجي فعلت وطبع، وهذا بالطبع يشكل عامل ضغط. ديباجة النظام الأساسي لإنشاء هذه المنظومة تقوم على الإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، السوق المشتركة (منذ العام 2008) مع وجود خطط لتحقيق سوق واحدة متكاملة.
من جهته، يحذر الشاهين من أن اللوبي الصهيوني العالمي سيمارس شتى أنواع الضغوط على الكويت، إذ “لا يُخفى على أحد كيف أن أجهزة هذا اللوبي تمارس، بين الحين والآخر، نوعاً خاصاً من الضغوط من أجل تحقيق أجندة سياسية معينة. مثلما تفعل مع بعض النواب والمشرعين العاملين في البرلمانات الغربية عندما تجبرهم – وتحت ضغوط معينة – على الإنخراط في قضايا والتوقيع على قرارات وإجراءات قانونية ضد هذه الدولة أو تلك، أو – العكس – إجبارهم على غض الطرف عن قضايا قد تكون مشابهة وربما أسوأ لحماية نظام ما أو مشروع سياسي معين. بالأمس غير البعيد رأينا كيف أن هذا اللوبي قاد وموَّل حملة دعائية في الصحافة الغربية للتشهير بالكويت على أنها دولة تمارس التمييز العنصري ضد اليهود عندما رفضت الخطوط الجوية الكويتية صعود راكب إسرائيلي على متن إحدى رحلاتها في ألمانيا عام 2018 (المسافر الإسرائيلي أراد السفر من ميونيخ إلى سريلانكا على أن تتوقف طائرته في الكويت “ترانزيت”، لكن الشركة الكويتية ألغت الحجز للراكب لأنه ليس مسموحاً له بدخول الكويت بسبب “القانون الموحد لمقاطعة إسرائيل”. وبرغم أن الكويت ربحت الدعوى القضائية التي رفعها ضدها الراكب الإسرائيلي، إلا أن اللوبي الصهيوني أراد توظيف تلك الدعوى لتحقيق دوافع سياسية ضد الكويت. ومثل حملات التشهير هذه شهدناها في مواضيع أخرى عندما يجري استغلال قوانين العمل والأسرة في الكويت لتمرير أجندات سياسية معينة”).
وإذ يعترف الديين بقوة ما يسميه “الإعصار الترامبي”، إلا أنه يشير في الوقت نفسه إلى أن ولاية ترامب تقترب من نهايتها “ومحاولة استخدام التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني كورقة انتخابية هو نوع من العصف الذي سينتهي مداه قريباً ومعه تنتهي لعبة عض الأصابع. ليس بالضرورة ان تكون الإدارة الأميركية الجديدة مناصرة للقضية الفلسطينية، لكنها بالتأكيد ستكون أقل هوجاً. المراهنة تبقى على الصمود”.