سمح التاريخ الطويل للاستبداد في الشرق الأوسط إلى جانب تركز السلطة السياسية في أيدي أولئك الذين يتمتعون بسلطة القهر لربط بين الشبكات المكونة مِن الأحزاب السياسية وأجهزة المخابرات والجيش والقيادات العُليا والجهات الفاعلة الاقتصادية العامة والخاصة في بلدان مختلفة لإنشاء “الدولة العميقة”. وكما يدعي الأكاديمي روبرت سبرينغبورغ، فإن “الدولة العميقة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانت تهدف إلى فرض السيطرة على المواطنين المنشقين والمعارضين، والحفاظ على التحالف الحاكم لضمان حصص أعضائه الغير عادلة من السلطة والموارد المادية؛ ولمنع أو تخفيف الصراع الذي ينشأ بين تلك النخب. كان منطق الدول العميقة معاديًا للحكم الرشيد”.
إن فهم التركيبة المعقدة للدولة العميقة في إيران أمر بالغ الأهمية لرسم خرائط لمراكز القوة المرئية وغير المرئية في الجمهورية الإسلامية. سيكون تحديد أهداف وغايات الدولة العميقة مهمًا بشكل خاص مِن أجل قراءة السياسة الإيرانية الخارجية والداخلية بالإضافة إلى ترقب القضية الحاسمة وهي خلافة المرشد الأعلى.
الدولة الإيرانية العميقة
بحسب ورقة مؤسسة هوفر، بقلم، حسين رسام وسنام فاكيل بعنوان: الدولة الإيرانية العميقة، قراءة في التحولات السياسية في الجمهورية الإسلامية الصادرة بتاريخ، 12 تشرين الأول/أكتوبر 2020، تتكون الدولة الإيرانية العميقة من “بنية فوقية أمنية واستخباراتية واقتصادية مُعقدة” تهدف إلى الحفاظ على الأسس والتصورات الثورية والأمنية للجمهورية إلإيرانية الإسلامية”. جادل بعض المحللين بأن الدولة الإيرانية العميقة تتمثل في الحرس الثوري مستندين إلى التمدد المُتزايد للحرس الثوري الإيراني داخل الاقتصاد والمؤسسات السياسية الإيرانية. لكننا نُجادل بأن الدولة العميقة لا تنحصر بالحرس الثوري الإيراني، بل تشمل الدولة العميقة مؤسسات أساسية مثل مكتب المرشد الأعلى، أجهزة المخابرات والأمن، القضاء، الكيانات الدينية البيروقراطية والشركات شبه الخاصة التابعة لها مثل: الهيئة التنفيذية لأوامر الإمام؛ المنظمة الاقتصادية لضريح الإمام الرضا؛ المؤسسة التعاونية للحرس الثوري الإيراني. وتتحد هذه الهيئات والمؤسسات المكونة للدولة العميقة لحماية أمن واستقرار الجمهورية الإسلامية.
لا تحتكر الدولة العميقة القوة فقط، بل تحتكر الثروة أيضًا. فوفقًا لأستاذ العلوم السياسية روبرت سبرينغبورغ، يتم التعرف على طبيعة الدولة الإيرانية العميقة بدقة من خلال “البيانات العلائقية التي تتكون من العلاقات الرسمية وغير الرسمية التي تربط الدولة العميقة داخليًا بالمؤسسات الرسمية، وخارجيًا بالمؤسسات المدنية والسياسية بما في ذلك الاقتصاد”. الوصول إلى المال والموارد أمر بالغ الأهمية لشبكات المحسوبية والتوظيف مِن أجل الولاء والقدرة على البقاء.. وهذه السمات المميزة لدولة إيران العميقة. لذا تحديد موارد الدولة العميقة ضروري لفهم اتساع نفوذها، وإدراك صعوبات تفكيكها.
قصة الدولة الإيرانية العميقة هي قصة درامية لدولتين متنافستين. كانت الهيئات المنتخبة الظاهرة، مثل السلطتين: التنفيذية والتشريعية تُناضل من أجل التعامل مع دولة عميقة مموهة داخل الهيئات غير المنتخبة في الدولة. ومع مرور الوقت، قد تنهار الهيئات المنتخبة المرئية أو تبتلعها غير المرئية، وبالتالي يتغير شكل وتركيب النظام السياسي الإيراني.
من الناحية الأيديولوجية، ومع تنامي المعارضة المحلية في الجمهورية الإسلامية فإن الدولة العميقة هي الأكثر تخوفًا من وصول الجمهورية الإسلامية إلى لحظة انهيار على النمط السوفيتي (كما رأينا في الاتحاد السوفيتي من 1989 إلى 1991) لذا وضعت الدولة العميقة تجربة النموذج السوفياتي نصب عينيها لتعظيم فرصة بقاء النظام، والآن تخوض بالفعل معركة علنية على الإمامة لحماية تواجدها. بدءًا من الاحتجاجات الطلابية عام 1999 وما بعدها من احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009، أظهر النظام استعداده لاستخدام العنف. وبين عامي 2017-2018 سيطرت الدولة العميقة أيضًا على الاحتجاجات واظهرت سطوتها القوية مرة أخرى في احتجاجات 2019 بعد خفض دعم الغاز.
بقاء النظام هو الهدف الأسمى للدولة العميقة. وللحفاظ على النظام كما هو، تدافع الدولة العميقة حاليًا عن قوتها ونفوذها وتحمي الهوية الشيعية لإيران التي تتجسد من خلال النظام السياسي الشيعي الفريد ومن خلال السلطة الأبوية والنفوذ الإقليمي والمواقف المعادية لأمريكا. إن الحفاظ على هذه التركيبة يتحقق من خلال الهيمنة على النظامين الاقتصادي والأمني.
تاريخ الدولة العميقة
حتى الآن، لا توجد معلومات أكاديمية أو عامة كافية تتعلق بطبيعة ونمو وتكوين الدولة العميقة لإيران. لقد تطورت الدولة العميقة بالتزامن مع التغيير السياسي في إيران وردًا عليه، حيث أدى الانقسام بين الدولة والمجتمع إلى دعم شعبي محدود للجمهورية الإسلامية. وتتكون الدولة العميقة اليوم من مجموعة متنوعة من مجموعات المصالح الحيوية والمنظمات والأفراد الذين نمت قوة نفوذهم في عهد المرشد الأعلى السيد علي خامنئي.
تعود جذور الدولة العميقة في إيران إلى الحزبية ما بعد الثورة التي تؤلب الجماعات السياسية والأيديولوجية ضد بعضها البعض. خلال فترة حكمه كمرشد أعلى، قام آية الله روح الله الخميني بموازنة وإدارة الأطراف اليمينية واليسارية من طيف القوى الموالية للجمهورية الإسلامية بشكل فعال، مما أدى إلى تماسك النظام في القمة بدعم من المؤسسة الدينية. وعلى الرغم من أن الاختلافات كانت عميقة في بعض الأحيان، مما دل على وجود رؤى متعارضة (أي ثوري مقابل أصولي)، كان الخميني هو التوازن الذي أعطى كل مجموعة حصة في السلطة. لكن التوتر بين الفصيلين لم يتم حله وغالبًا ما كان ينتهي لصالح الثوريين. وهكذا كان توازن القوى هشًا بين الجماعات.
خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت من عام 1980 إلى عام 1988، تم تهميش المنافسة الداخلية بين الجماعات وإن لم تتضاءل من خلال المجهود الحربي الواسع النطاق والنفوذ الهائل للخميني نفسه. ومع ذلك، تم فصل المجموعات أيضًا بين أولئك اليساريين الذين يسعون إلى الحفاظ على سيطرة الدولة على الاقتصاد وتلك الموجودة على اليمين الذين استاءوا من تدخل الحكومة. شهدت حقبة ما بعد الخميني، تحرك الثوار تدريجياً نحو البراغماتية، داخليًا وخارجيًا، في حين سعى الأصوليون للحفاظ على المبادئ الثورية التقليدية للجمهورية الإسلامية.
عكست التحالفات والسياسات البرلمانية خلال العِقد الأول من الجمهورية الإسلامية أساس المنافسة الطائفية والاقتصادية التي ستجسد إيران ما بعد الخميني وروح الدولة العميقة المعاصرة.
ساعدت العلاقات المتنوعة لخامنئي مع رجال الدين، ومع الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومع الحرس الثوري الإيراني في ترسيخ سلطته وقاعدة دعمه. علاوة على ذلك، أدى تزايد دور مكتب المرشد الأعلى إلى توسيع نفوذه في جميع جوانب الحياة الحكومية. ومع هذه التحولات ظهرت دائرة من الموالين في الجيش والأمن والاستخبارات والمنظمات الاقتصادية والمالية التي نمت حول المرشد الأعلى.
بعيدًا عن الدعم الكتابي من رجال الدين لاختيار خامنئي كمرشد أعلى جديد، إلا أن العام 1994 شهد حدوث تحول تدريجي متمثل في مواجهة خامنئي معارضة من قبل بعض رجال الدين عندما بدأ في نشر فتاواه. وهي خطوة من شأنها أن ترفعه إلى منصب المرجع (أعلى مصدر للتقليد داخل مجتمع رجال الدين الشيعة). كان العديد من كبار آيات الله مثل أحمد آذري قمّي وحسين علي منتظري مترددين في منحه الاعتراف الديني الذي يحتاج إليه. وقد توفي آية الله العظمى محمد علي أراكي في خريف عام 1994. وكان الأخير من بين مجموعة من أئمة التقليد، التي ضمت الخميني، وآية الله العظمى الراحل حسين علي بروجردي. لذا بعد وفاة أراكي ظهر فراغ، وأصدرت جمعية مُدرسي الحوزة العلمية في قُم لأول مرة بيانًا أدرج فيه مجموعة من سبعة رجال دين بارزين يمتلكون من وجهة نظرها المؤهلات اللازمة ليكونوا مرجعًا. تصدر اسم خامنئي القائمة، في حين كانت أسماء آيات الله البارزين الآخرين مثل منتظري غائبة. وحتى يومنا هذا، تصدر جمعية مُدرسي الحوزة في قم هذه القائمة سنويًا.
وفي رحلة استمرت عقدًا من الزمان لتعزيز موقعه لمواجهة الضعف الملحوظ في مؤهلاته الدينية، سيشرع خامنئي بحذر في بناء شبكة من الموالين الداعمين لحكمه. وبذلك، سيُخضع الهيكلية الدينية المستقلة في قم لسلطته المالية، ويجرّد آيات الله من استقلالهم الذي كانوا يعتزون به في السابق. وفي نهاية المطاف، فإن منتقدي المرشد الأعلى، مثل آذري قمي ومنتظري وآية الله يوسف صاني، سيتم تهميشهم، بينما سيستفيد مؤيدو النظام مثل ناصر مكارم شيرازي، محمد يزدي، أحمد جنتي.. وغيرهم من سخاء خامنئي.
في أغسطس/آب 1989، أي بعد شهرين من توليه منصب المرشد الأعلى، أسس خامنئي مكتبه وعين محمد كلبايكاني رئيسًا لهيئة الأركان وأحمد مارفي بصفته مسؤول الاتصال في حوزات قُم. وقام بإنشاء فيلق أمن القيادة، الذي سصبح عنصرًا مهمًا في جهاز أمن الدولة العميقة، حيث تمت ترقية قادته في نهاية المطاف إلى مناصب مهمة في النظام الأمني.
صعود الدولة العميقة هو سمة للجمهورية الثانية التي ظهرت بعد وفاة الخميني. كجزء من هدف أكبر للحد من الصراع، يمكن ربط صعود الدولة العميقة بتضاؤل دور وتأثير الحكومة المنتخبة. بدأ هذا التضاؤل خلال رئاسة محمد خاتمي (1997-2005) واستمر بقوة بالظهور أكثر لليوم. وتدريجيًا، تركزت السلطة الحقيقية في مكتب المرشد الأعلى أو في كيانات الدولة التي تقع خارج إدارة الحكومة. بدأت قوات الأمن الأكثر ارتباطًا بالحرس الثوري الإيراني في لعب دور أقوى في السياسة، في حين تم إنشاء جهاز استخبارات موازٍ وأكثر قوة. وتم تسليم ملف تداخل السلطات بين أفرع الحكومة إلى لجنة شبه دستورية أنشأها خامنئي. كما عين رئيسها. حتى أن خامنئي أنشأ مجلسه الاستراتيجي الخاص للعلاقات الخارجية.
قصة صعود الدولة الإيرانية العميقة لا تقل أهمية عن قصة العلاقة الخاصة بين خامنئي وهاشمي رفسنجاني، والتي تطورت من تحالف تكتيكي إلى منافسة مباشرة خلال الفترة الرئاسية الأولى لرفسنجاني من 1989 إلى 1993. لذلك، دعم خامنئي خطط رفسنجاني للتحرير الاقتصادي وخطط السياسة الإقليمية لما بعد الحرب بحذر، بينما كان متشككًا بشدة في جهود التحرير الثقافي لرفسنجاني. وبرغم الدعم من المرشد الأعلى عارضت الجماعات الحكومية الأصولية مثل هذه الجهود التحريرية، وبدأت المعارضة المحلية لأجندة رفسنجاني الاقتصادية تتصاعد. وفاز الأصوليون بالأغلبية البرلمانية بإنتخابات العام 1992، مما منحهم منبرًا يمكنهم من خلاله تحدي الرئيس. استغل خامنئي هذا الصراع المتنامي ليخرج علانية ضد رفسنجاني في عام 1994 بشأن الموازنة العامة للدولة.
خلال هذه الفترة، بدأ خامنئي في إقامة علاقة قوية مع الحرس الثوري الإيراني راحت تتطور على مر السنين. وقام بإصدار قرارات بتعيينات استراتيجية، بما في ذلك تعيين علي شمخاني لرئاسة البحرية ومحسن رفيقست لرئاسة مؤسسة مستضعفي الثورة الإسلامية، ليحل محل مير حسين موسوي.
تزامن صعود خامنئي السياسي مع صراع السلطة والنفوذ في إيران ما بعد الحرب، وبطبيعة الحال ما بعد الخميني. كان خامنئي في وضع يسمح له بإقامة تحالفات جديدة واحتواء أو إزالة الخصوم القدامى. وبفضل الفترة الانتقالية، كان التطهير الأيديولوجي والسياسي أسهل من أي وقت مضى. كما سعى الحرس الثوري إلى إعادة تحديد دوره في الدولة. فقد كان لديهم القدرة على توفير القوة العاملة للدعم، وإدارة عملية إعادة الإعمار، كان رفسنجاني على استعداد لمنحهم جزءاً من كعكة إعادة الإعمار الاقتصادي للحد من طموحاتهم السياسية. ومع ذلك، كان خامنئي سعيدًا في ملء الفراغ السياسي مع حلفائه الجدد. أصبحت شركة خاتم الأنبياء قوة اقتصادية نتيجة العقود الحكومية التفضيلية للهندسة والبناء. وكانت الشركة الهندسية الذراع الإقتصادي للحرس الثوري الإيراني وأداة للتوظيف والمحسوبية بينما أتاحت اتصالات الحرس الثوري الإيراني مع المؤسسات شبه الحكومية الوصول إلى الموارد. لتصبح الشركة ومن خلفها الحرس الثوري الإيراني لاعبًا كبيرًا في الإقتصاد الإيراني.
استغل الحرس الثوري الإيراني سلطته المتعلقة بالأمن القومي لبسط سيطرته. في عام 2004، تدخل الحرس الثوري لمنع شركة تركية من بناء مطار الإمام الخميني الدولي لأسباب تتعلق بالأمن القومي. وكان الاستحواذ على شركة الاتصالات الإيرانية من قبل شركة تابعة له عام 2009 لنفس الدافع. وسمح إعطاء العقود بالأمر المباشر بدون عطاءات في ظل رئاسة محمود أحمدي نجاد للحرس الثوري الإيراني بالاستفادة من العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي السري. سيؤدي التمكين الاقتصادي إلى نفوذ سياسي أكبر، مما يجعل الحرس الثوري الإيراني لا غنى عنه داخل الدولة العميقة.
من 1997 إلى 2005، خلال سنوات خاتمي، خرج الحرس الثوري الإيراني من الظل للدفاع عن مصالحه ومن ثم مصالح الدولة العميقة. وفي تموز/يوليو 1999، أدى إغلاق جريدة “سلام” إلى مظاهرات طلابية حاشدة. اتصل قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء يحيى رحيم صفوي شخصياً بالرئيس خاتمي، قائلاً إنه إذا تقدم المتظاهرون، فسيتم إطلاق النار عليهم. مع تطور الأحداث داخل السكن الجامعي، دعا 24 قائداً مِن الحرس الثوري الإيراني ضمنيًا الرئيس خاتمي إلى الإستقالة، قائلين: “مع وافر الاحترام، نبلغكم أن صبرنا قد نفذ، ولا نعتقد أننا يمكن ان نتسامح أكثر إذا لم تتم معالجة [المشكلة]”. مثل هذا التدخل المباشر في السياسة الداخلية كان الأول من نوعه للحرس الثوري، مما أدى إلى تحييد الحركة الإصلاحية وفعالية الرئيس خاتمي. في الواقع، لقد كان انقلاباً عميقاً ضد الحكومة.
شهد العام 1998، تحولاً مهماً مع مقتل داريوش فروهر وزوجته بارفانيه اسكنداري فروهر وثلاثة كتاب معارضين. جاء ذلك بعد سلسلة من الوفيات المشكوك فيها لمفكرين معارضين، والتي فُسرت في ذلك الوقت على أنها تحذيرات صارمة ضد أي شخص كان يخطط لتغيير ثقافي للنظام. وكرد فعل على جرائم القتل وإقرار المساءلة، أمر خاتمي بتطهير وزارة المخابرات. بدوره، قام خامنئي بإحضار عدد من هؤلاء المسؤولين المهمشين إلى مكتب المرشد الأعلى. مع هذا التحول، بدأت كل من استخبارات الحرس الثوري الإيراني والقضاء في تولي مسؤولية احتجاز الفاعلين المدنيين ذوي النزعة السياسية الذين اعتبروا تهديدًا للدولة. لم تعد هذه المخابرات جزءا من الحكومة الرسمية بل أقرب إلى المرشد الأعلى. وبدأوا في إثارة الخوف من أن يكون خاتمي هو غورباتشوف الإيراني. منذ هذه الفترة، بدأ خامنئي يلمح إلى الإطاحة بالحكومة المنتخبة.
منذ تلك اللحظة، وفي ظل رئاسة أحمدي نجاد من 2005 إلى 2013، تسلل أعضاء الحرس الثوري الإيراني إلى مختلف جوانب الحكومة. وتم تعيين 12 من أعضاء الحرس السابق في حكومة أحمدي نجاد، بينما دخل عدد من الحرس إلى البرلمان، وتولى آخرون حكم محافظات. دفعت انتخابات 2009 المتنازع عليها الدولة العميقة إلى صدراة المشهد. حيث أصبح وزير الداخلية صادق محصولي، وهو ضابط سابق في الحرس الثوري وأصبح رجل أعمال، مسؤولاً حكومياً هاماً ساعد في تمرير هذه الانتخابات. علاوة على ذلك، قاد الحرس الثوري الإيراني الحملة السياسية والاجتماعية الشاملة التي أعقبت تلك الإنتخابات وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى استمرار سلطتهم داخل الدولة العميقة.
دعمت الدولة الإيرانية العميقة المحادثات النووية التي توجت بالاتفاق النووي الإيراني، وخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA). ولأن الدولة العميقة لديها استثمارات اقتصادية في جميع أنحاء البلاد، حسبت أن حل المشكلة النووية مع الغرب سيفتح الباب أمام زيادة الاستثمار والوصول إلى الأسواق العالمية. بالنسبة لكيانات الدولة العميقة، فإن الوصول إلى التكنولوجيا ورأس المال من شأنه أن يحسن موقفها الاقتصادي داخل إيران. في الواقع، كان لدى العديد من النخب الأصولية وبعضهم مرتبط بالدولة العميقة بما في ذلك المرشد الأعلى خامنئي تحفظات على أرباح خطة العمل الشاملة المشتركة. بينما سعي آخرون إلى ضمان الوصول التفضيلي إلى عقود التنمية المحلية في قطاع الطاقة، ومارسوا ضغوطًا في المفاوضات حول عقد النفط الإيراني الجديد (IPC) كدليل على نفوذهم، وتم منح أول IPC لشركة Persia Oil and Gas Development Development، وهي شركة تابعة لمجموعةTadbir Energy.
حاول حسن روحاني منذ توليه منصبه في عام 2013 وإن لم ينجح في تقليص النفوذ الاقتصادي للدولة العميقة. وفي حملته لإعادة انتخابه عام 2017، اتهم روحاني بشكل مباشر الكيانات المرتبطة بالدولة العميقة، بما في ذلك القضاء والحرس الثوري الإيراني، بالفساد وسوء الإدارة. وأخذ بالإشارة إليهم بكلمة “هم”، وألقى روحاني باللوم على “هم” في عرقلة جهوده الإصلاحية الداخلية.
في أيار/مايو 2018، كان انسحاب الرئيس دونالد ترامب من خطة العمل الشاملة المشتركة، وحملة الضغط القصوى لواشنطن نعمة ونقمة للدولة العميقة. من ناحية، أضرت العقوبات بشدة بالاقتصاد الإيراني، وبالتالي أثرت أيضًا على شبكات المحسوبية في الدولة العميقة. ومن ناحية أخرى، تم تحميل ضريبة المشاكل الاقتصادية للبلاد للرئيس روحاني والإصلاحيين الذين أيدوا بقوة خطة العمل المشتركة الشاملة. وتجلت اللامبالاة السياسية في تدني نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات البرلمانية التي جرت في شباط/فبراير 2020، مما أدى إلى انتصار المحافظين وظهور جيل الشباب من السياسيين الذين يفضلون المقاومة والصمود على التسوية والاندماج، والذين يمثلون مصالح الدولة العميقة داخل الهيئة التشريعية. خلال هذه الفترة، اعتبرت إستراتيجية الدولة العميقة الدفاعية الإقليمية المتمثلة في دفع التهديد خارج حدود البلاد ناجحة مقارنة باستراتيجية روحاني المتمثلة في خطة العمل الشاملة المشتركة.
بينما كان خامنئي يعزز سلطته، كان يسترشد بما رآه قصة تحذيرية لسقوط الاتحاد السوفيتي. كان السعي لمنع حدوث آمر مماثل في الجمهورية الإسلامية موضوعًا يظهر في العديد من خطاباته خلال سنوات حُكمه. في الواقع، في عام 2000، بعد عام من احتجاجات الطلاب، في خطاب ألقاه أمام كبار المسؤولين في الدولة، تحدث عن انهيار الاتحاد السوفيتي وكيف أن القوى العالمية الكبرى لديها خطط مماثلة للجمهورية الإسلامية أيضًا، مؤكدًا أن “مهندسي تلك الخطط لديهم أحلام مماثلة للجمهورية الإسلامية”.
الأثر الإقتصادي للدولة العميقة
يخضع اليوم جزء كبير من الاقتصاد الإيراني إلى سيطرة الدولة والقطاع شبه الخاص، بما في ذلك الأفراد الذين لهم صلات سياسية بدوائر النفوذ في الدولة العميقة. حولت الخصخصة في إيران بشكل فعال نصيب الأسد من الأصول التي تسيطر عليها الحكومة إلى القطاع الخاص والشركات المرتبطة بالدولة العميقة. تكونت المخالب الاقتصادية للحرس الثوري والمؤسسات الأمنية مِن مؤسسات مثل أستان قدس الرضوي، ستاد إجراي، مؤسسة خرداد الخامس عشر، وحتى مؤسسة كوميت إمداد.. إلخ، وصار لهم سيطرة كبيرة (أي المؤسسات الأمنية والعسكرية) على القطاع شبه الخاص.
تظل المحسوبية هي مفتاح السلطة للدولة العميقة. تقدر أصول شركة ستاد إجراي، على سبيل المثال، بأكثر من 100 مليار دولار وهي تعمل في قطاعات الأدوية والعقارات والاتصالات والنفط والغاز. من المهم أن نتذكر أن المعارضة للعقود البترولية الجديدة (IPC) المصممة لجذب الاستثمار الأجنبي إلى البلاد تراجعت فقط بعد أن وقعت شركة تطوير صناعة النفط والغاز التابعة لستاد الصفقة. هذا إلى جانب شركة خاتم الأنبياء التابعة للحرس الثوري الإيراني التي توظف 135 ألف شخص، بالإضافة إلى 300 ألف آخرين لديهم وظائف مرتبطة بالشركة، بما في ذلك عائلاتهم، أي يعتمد نحو مليوني شخص على الشركة في معيشتهم.
خاتمة
تهدف ورقة مؤسسة هوفر لتحديد نطاق واتساع المؤسسات المكونة للدولة العميقة. من الواضح أن دولة إيران العميقة أصبحت سمة أصيلة للجمهورية الإسلامية. حيث ولدت من التوترات بين القوى السياسية المتصارعة في العقد الثاني من الثورة والنفوذ المتزايد لمكتب المرشد الأعلى، وتحولت الدولة العميقة إلى شبكة من النفوذ السياسي والاقتصادي والأمني التي اخترقت كلا من المستويين الرسمي وغير الرسمي.
في النهاية، يكمن خلف واجهة الحكومة المنتخبة هيكل الدولة العميقة الراسخة بعد أن تعلمت من التجربة السوفيتية. عملت الجهات الفاعلة في الدولة العميقة على الدفاع عن النظام، وعرقلة تحول الدولة، وبالتالي منع إنفراد الأفراد الرئيسيين بالقرار. وأصبح احتكار الموارد المالية ضروريًا للحفاظ على الدولة العميقة، والموالين لها، وشبكة موظفيها، وهو أمر أساسي لعرقلة أي جهد تحرير من شأنه أن يؤدي إلى الإطاحة بالدولة العميقة.
تحت الضغط المزدوج للمعارضة الداخلية والعقوبات الأمريكية، أصبحت الدولة العميقة أكثر وضوحا للعيان. أصبح التعرف على الأفراد والمؤسسات الرئيسية أسهل. ومع ذلك، يصعب تصنيف الفروع الاقتصادية والمخالب الصغيرة للدولة العميقة. كان أحد أكبر التحديات التي تواجه المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية هو الارتباك بشأن الشخصيات الرئيسية وصناع القرار داخل النظام. نظرًا لأن الدولة العميقة تحتكر السلطة داخل في البلاد، فقد يكون من الأسهل على الولايات المتحدة إبرام صفقة مع إيران. ومع ذلك، ستكون نتيجة هذا توطيدًا لسلطة الدولة العميقة وتهميش أصحاب المصلحة الإصلاحيين والمعتدلين.
في ظل عدم وجود حزب مركزي يجمع مؤسسات الدولة معًا، فإن النموذج الصيني، برغم أنه مرغوب فيه للدولة العميقة، لا يُنظر إليه على أنه سيناريو محتمل لتطور إيران في مرحلة ما بعد خامنئي، وهي مرحلة تؤشر إلى تعمير الدولة العميقة. بدلاً من النموذج الصيني، من المتوقع أن يكون النموذج الروسي أكثر قابلية للحياة وأكثر جاذبية لدولة إيران العميقة لأنه يرى روسيا المعاصرة قوية ومركزية وقومية وانتهازية، وكل هذه السمات تحتفي بها الدولة العميقة في إيران.
المصادر
Robert Springborg, “Deep States in MENA,” Middle East Policy 25, no. 1 (Spring 2018): 136–57.
Sanam Vakil and Hossein Rassam, “Iran’s Next Supreme Leader: The Islamic Republic After Khamenei,”
Foreign Affairs (May/June 2017)
Alex Vatanka, “How Deep Is Iran’s Deep State?,” Foreign Affairs 96, no. 3 (May/June 2017): 155–59.
Robert Springborg, Political Economy of the Middle East and North Africa (London: Wiley, 2020).
economic and foreign policies.
Syracuse University Press, 2002).
In 2011, Ayatollah Mahmoud Shahroudi was appointed chairman of this committee, known as the
Supreme Dispute Resolution and Coordination committee. After Shahroudi’s death, in August 2019, the
committee has not been visibly active and no new head has been appointed.
Moslem, Factional Politics, 180–200.
David Menashri, Post-Revolutionary Politics in Iran (London: Frank Cass, 2001),
“Iranian Military Warns Khatami,” BBC News, July 19, 1999
Muhammad Sahimi, “The Chain Murders: Killing Dissidents and Intellecturals, 1988–1998,” Tehran
Ali Alfoneh, “All Ahmadinejad’s Men,” Middle East Quarterly 18, no. 2 (Spring 2011): 79–84.
Yeganeh Torbati, “Iran Signs Key Oil Contract with Khamenei-Linked Firm,” Reuters, October 4, 2016,
Alex Vatanka, “Rouhani Goes to War Against Iran’s Deep State,” Foreign Policy, May 18, 2017
Mohammad Ayatollahi Tabar, “What Does the Iranian Election Tell Us?,” New York Times, February 25,
“Statement of the Supreme Leader,” July 9, 2000
“The American Plan for the Collapse of the Soviet Union,” January 4, 2010
“Meeting with the President and Managers of Radio and Television with the Leader of the Revolution,”