
الإعصار آتٍ إلى الشرق. العربُ قبل غيرهم هم المستهدَفون. وجودياً هذه المرة لا سياسياً فحسبُ. كيف ولماذا؟
الإعصار آتٍ إلى الشرق. العربُ قبل غيرهم هم المستهدَفون. وجودياً هذه المرة لا سياسياً فحسبُ. كيف ولماذا؟
منذ تولي دونالد ترامب مقاليد السلطة في البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، وتشكيل ما أسميت "إدارة الكفاءة الحكومية"، تُجرّد إدارته حملة إقالات في صفوف موظفي الوكالات الفدرالية، تستهدف بشكل أساسي وزارات الدفاع والخارجية والنقل وشؤون قدامى المحاربين والإسكان والتنمية الحضرية والداخلية والطاقة.
خالف دونالد ترامب أثناء ولايته الرئاسية الأولى (2017-2021) تقاليد البيروقراطية الأميركية وتتمتها الراسخة في الدولة العميقة، أي وزارات الخارجية والدفاع والاحتياطي الفيدرالي والمجموعة الاستخبارية من جهة وقطاع الصناعات الكبرى وتكنولوجيا المعلومات والطاقة ومصارف وول ستريت ووسائل الإعلام من جهة أخرى، ولكنه لم يدخل في مواجهة شاملة معها.
وفي الشهر الثالث، من العام الثالث، لشغور مَنصِب رئيس الجمهورية اللبنانية، أي بعدَ عامين وشهرين وعشرة أيام بالتمام والكمال، وبقدرة قادر، تم ملء الفراغ الرّئاسي، بالقائد الرابعَ عشَر للجيش، ليمسي الرئيسَ الرابع عشر للبنان، في الجلسة الثالثة عشرة، وفي الموعد المحدّد، وبخطاب القسم المسهب، ليبدأ العهد في خضمّ رياح إقليمية عاتية، ومخاضات محلية آتية، فما هي التحديات التي تنتظره في الداخل كما في الخارج؟
هي الدولة غير الظاهرة، مثل المؤسسات السياسية والإدارة والجيش والتعليم وغيرها مما نراه ونسمعه. هذه وأشباهها مؤسسات ظاهرة الوجود، فلا لزوم للإشارة إليها بالعميقة. هي عميقة بمقدار ما تغدو وراء الفعل والقول حتى لا تُرى ولا تُسمع. هي التي تتخذ القرار وينفذه غيرها. ترسم الخطط ويهتدي بها الآخرون. وبرغم أنها لا تُرى، لكن أثارها محسوسة. ربما كان هذا هو المعنى المقصود بالدولة العميقة.
المطلوب هو إستئصال ما تبقى من دور لرئاسة الجمهورية في السلطة التنفيذية. القضية تتعدى الشخص. إنها تتصل بالدور. لا بأصل تكوين هذا البلد ومستقبله.
وأخيراً تسلم جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة ودخل إلى البيت الأبيض. "الإنتصار" هنا يتجاوز الشخص إلى المؤسسة. إلى الدولة العميقة.
في العام 2016، أعلن دونالد ترامب ترشحه للرئاسة من خارج مؤسسة الحزب الجمهوري التقليدية، وسرعان ما اجتاح القيادات التاريخية للحزب وازاحها.. إلى أن سُمي مرشحاً رسمياً عن الجمهوريين. لاحقاً، أثار فوزه دهشة وقلق "الدولة العميقة" بجناحيها الجمهوري والديموقراطي. ماذا بعد فوز الرئيس المنتخب جو بايدن؟
كثيرة هي الأمور المخفية في التاريخ، وكثيرة هي الأمور المطلوب أن لا تعرف، ويبقى للقوي، كاتب التاريخ، أن يحدد المفاهيم، المسموح منها والممنوع.
يعود أصل مفهوم "الدولة العميقة" إلى الدول الاستبدادية بالشرق الأوسط في القرن العشرين، خصوصًا التي طورت هياكل صنع قرار موازية، قابعة في الظل، لها أجندة مستقلة عن أجندة الهيئات المنتخبة.