نادراً ما يتفق باراك أوباما ودونالد ترامب. ولكن في ما يتعلق بالشرق الأوسط، ثمة نقطة واحدة يتفقان عليها بوضوح: إنهما يريدان الخروج.
من المؤكد أن هذا يعني أموراً مختلفة للرجلين، وربما شيئاً آخر لجو بايدن. ومع ذلك، فإن الفكرة الأساسية التي مفادها أن المنطقة هي رمال متحركة استراتيجية، ينبغي تجنبها قدر الإمكان، هي وجهة نظر يتشاركها الجميع.
السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة معسكرة للغاية، وعدد القوات الأميركية المتواجدة هناك والذي يناهز 60 ألفاً، كبير جداً، إذا ما قيس بالمهام التي يمكن إنجازها بشكل واقعي. ومع أنّ هذا العدد أقل بكثير من المئة ألف جندي الذين كانوا يتمركزون في المنطقة في السنوات الأولى من القرن الحالي، إلا أنه يمثل أضعاف عدد الجنود الذين كانوا يتمركزون في المنطقة قبل عام 1990.
ومع ذلك، هناك طرق صحيحة وطرق خاطئة للخروج من الشرق الأوسط. غالباً ما يُترجم الإحباط من المنطقة إلى شعارات مثل “إنهاء الحروب إلى الأبد” أو كما غرد ترامب مؤخراً حول أفغانستان، “إعادة القوات إلى الوطن بحلول عيد الميلاد”. تبدأ هذه الأنواع من التعليقات بعاطفة مفهومة وبتشخيص للموقف العام، لكنها تشير إلى اتجاه مدمر.
برغم أننا سئمنا من الحروب الأبدية، إلا اننا نعتقد أن المهام الأساسية وراء عمليات الانتشار الأوسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – القيام بمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي – لا تزال صالحة
يمكن للولايات المتحدة بالفعل أن تختار إعادة “قواتنا إلى الأبد” من الحروب في أي وقت نريده – لكن القيام بذلك لن ينهي تلك الحروب ولا ينهي التهديدات التي تشكلها على المصالح الغربية. إن إعادة جميع الجنود الأفغان إلى الوطن من أفغانستان بحلول أواخر كانون الأول/ديسمبر سيتطلب حرفياً من الولايات المتحدة تدمير العديد من الإمدادات الموجودة، والتخلي عن الشركاء الأفغان في مكافحة التطرف والحرب الأهلية المتفاقمة، والمخاطرة بطيران المروحيات من فوق سطح سفارتنا لإنقاذ الدبلوماسيين في وقت ما في المستقبل، وخلق فرص جديدة لـ”القاعدة” أو “داعش” للعثور على ملاذات يفتقدانها في مناطق أخرى. وبدلاً من تخفيف الضغط عن الإرهابيين، علينا أن نستمر في ذلك.
وبرغم أننا سئمنا من الحروب الأبدية، إلا اننا نعتقد أن المهام الأساسية وراء عمليات الانتشار الأوسع للولايات المتحدة في الشرق الأوسط – القيام بمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار الإقليمي – لا تزال صالحة. السؤال الذي نتناوله هو كيف يمكن الحصول على الموارد بشكل صحيح. نحن في حاجة إلى جعل عمليات الانتشار اقتصادية وفعالة قدر الإمكان، دون الاستغناء عن القوة العسكرية الحاسمة أو الإشارة للأصدقاء والأعداء على حد سواء بأننا غير مهتمين إلى حد ما بالمنطقة.
وبالتالي، فبدلاً من التظاهر بأننا نستطيع إنهاء الحروب إلى الأبد بمرسوم أميركي، فإن النهج الذكي هو الاستمرار في تقليص دورنا فيها.
يجب أن يبدأ أي جهد من هذا القبيل بإحصاء ما لدينا الآن في مسرح القيادة المركزية الأوسع. فكروا من منظور دائرتين متحدتي المركز، تتمحور حول الخليج العربي. تضم الدائرة الأعمق معظم القوات الأميركية في المنطقة: 7000 إلى 15000 جندي في كل من قطر والبحرين والكويت، بالإضافة إلى 3000 إلى 5000 جندي في الإمارات والسعودية والعراق. ثم في الدائرة الثانية توجد عدة مئات إلى عدة آلاف من الجنود الأميركيين في كل من الأماكن التالية: أفغانستان، الأردن، سوريا، مصر، تركيا، وجيبوتي في القرن الأفريقي؛ بالإضافة إلى الممرات المائية في شمال بحر العرب، حيث تنشر الولايات المتحدة عادة إما مجموعة حاملة طائرات مقاتلة (تضم 75 طائرة) أو مجموعة برمائية جاهزة (تضم 2000 من مشاة البحرية والدعم الجوي).
هناك في الواقع الكثير مما يثير الاعجاب في هذه المجموعة من الأصول. لا يوجد مكان يخوض فيه الجنود الأميركيون حروباً برية كبيرة في المنطقة. لا يوجد في أي بلد التزام من جانب الولايات المتحدة بما يزيد عن 15000 من الأفراد النظاميين.
حان الوقت لسحب أي نوع من الوحدات العسكرية العملياتية من السعودية. كانت الولايات المتحدة قد انسحبت من القواعد السعودية في عام 2003، لكنها عادت العام الماضي عندما هاجمت إيران ووكلاؤها منشآت النفط السعودية. هذا الأمر من شأنه أن يكرّس لحظات هادئة
ومع ذلك، هناك متسع كبير لإعادة التفكير وتبسيط الأمور، أقله في ما يتعلق بأفغانستان والعراق، أو سوريا، حيث عمل ترامب بالفعل على تقليص الأمور، مقارنة بأماكن أخرى. أولاً، حان الوقت لسحب أي نوع من الوحدات العسكرية العملياتية من السعودية. كانت الولايات المتحدة قد انسحبت من القواعد السعودية في عام 2003، لكنها عادت العام الماضي عندما هاجمت إيران ووكلاؤها منشآت النفط السعودية. هذا الأمر من شأنه أن يكرّس لحظات هادئة، ومع وجود إدارة جديدة محتملة في واشنطن، من المرجح أن تشارك إيران بشكل أكبر في الدبلوماسية – ومع “حلفائنا” السعوديين الذين لا يزالون يتدخلون بوحشية ومن دون جدوى في الحرب الأهلية اليمنية، فقد حان الوقت لوضع بعض المسافة في علاقة الولايات المتحدة بالمملكة.
ثم هناك الأماكن التي تكون فيها الكفاءات موجودة. أكثر الأماكن وضوحاً، كما قد نصح ويلي هوتون، هي الأماكن التي توجد فيها الأعداد الكبيرة والدولار الكبير. على وجه التحديد، فإن الوجود الأميركي الكبير في الكويت يمثل إلى حد كبير بقايا جهودنا السابقة لدعم الانتشار العسكري الأميركي الضخم في العراق. ولكن تلك الأيام ولت. إنّ الحفاظ على الوصول إلى مطار وميناء أمر منطقي، إلا أن الوضع الحالي يستحق إعادة تفكير رئيسية؛ ربما يمكن شطره إلى النصف. وبالمثل، في حين يبدو من الملائم أن يكون لدينا مقر الأسطول الخامس في البحرين، يبدو أن الوجود قد نما بشكل كبير على مر السنين من حيث عدد الأشخاص (ولكن ليس من حيث عدد السفن؛ باستثناء اثنتين من كاشفات الألغام، فإن الأسطول الخامس لا “يمتلك” أي سفن خاصة به، وينشأ وجود البحرية الأميركية في المنطقة من السفن التي تم ترحيلها إلى الولايات المتحدة). التقليم الجوهري تأخر.
مع هذه التغيرات الثلاثة، يمكن تقليص الوضعية الحالية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير الذي يضم حوالي 60.000 من الأفراد النظاميين بأكثر من 10.000 فرد. وبنفس القدر من الأهمية على الأقل، ستكون الولايات المتحدة قد بعثت برسالة مفادها أنها تنوي إعادة تصور استراتيجيتها الشاملة للأمن القومي، وتجريدها جزئياً من السلاح، لجزء من العالم، برغم أهميته، لا ينبغي أن يكون بؤرة السياسة الخارجية الأميركية.