هل أصبحت أميركا دولة فاشلة؟

كتب الأستاذ في مركز الدراسات العليا في جامعة نيويورك بول كروغمان، والحاصل على جائزة نوبل عام 2008 في الاقتصاد لنظرياته في التجارة الدولية مقالاً شديد اللهجة في صحيفة "نيويورك تايمز" عما ينتظر أمريكا في قادم السنوات.

يتساءل بول كروغمان: “ما هو رأينا لو كنا ننظر إلى بلد أجنبي بمستوى الخلل السياسي الظاهر الآن في أميركا؟ كيف ننظر إلى دولة ما لم تعد حكومتها قادرة على ممارسة إدارة فعالة؟ سنعتبرها دولة فاشلة”.

يكمل كروغمان: بينما أكتب هذا، يبدو من المرجح للغاية أن جو بايدن قد فاز بالرئاسة. ومن الواضح أنه حصل على ملايين الأصوات أكثر من خصمه. ويمكنه أن يدعي أنه مُنح تفويضًا قويًا لحكم الأمة. لكن ثمة أسئلة حقيقية حول قدرته على الحكم. . في الوقت الحالي، يبدو من المرجح أن مجلس الشيوخ سيبقى في أيدي حزب متطرف (الجمهوري) وسوف يخرب حُكم بايدن بكل طريقة ممكنة.

بعيداً عن الضجيج المُعتاد والمتسرّع في المنصات الإعلامية ووسائل التواصل، يرى كروغمان أن أميركا في ورطة كبيرة، فقد تعني هزيمة ترامب للأمة الأميركية تجنب للانغماس في الاستبداد، ومع ذلك، فإنّ المخاطر كبيرة، ليس فقط بسبب ترامب، ولكن أيضاً لأن نفوذ الحزب الجمهوري سيكون مدمراً للإدارة الجديدة. يعيد كروغمان هذا النفوذ إلى النظام الانتخابي المنحرف الذي جعل حزب ترامب في وضع يمكّنه من عرقلة، وربما شل، قدرة الرئيس المقبل على التعامل مع المشاكل الوبائية والاقتصادية والبيئية الضخمة التي تواجهها أميركا.

قد تتساءل لماذا يعتبر كروغمان هذه مشكلة، طالما أن الجمهوريين سبق أن سيطروا على أحد مجلسي الكونغرس أو كليهما لمدة ثلاثة أرباع رئاسة باراك أوباما، وقد نجت أميركا.. أليس كذلك؟ يجيب كروغمان: نعم، ولكن في الواقع، تسببت عرقلة الحزب الجمهوري في الكثير من الضرر حتى خلال سنوات حكم أوباما. استخدم الجمهوريون تكتيكات قاسية، بما في ذلك التهديد بالتسبب في التخلف عن سداد الدين الوطني، لفرض سحب مبكر للدعم المالي، ما أدى إلى إبطاء وتيرة التعافي الاقتصادي. وقدّر كروغمان أنه من دون هذا التخريب المقصود، ربما كان معدل البطالة في العام 2014 أقل بنحو نقطتين مئويتين مما كان عليه في الواقع.

كروغمان: المخاطر كبيرة، ليس بسبب ترامب فحسب، وإنما أيضاً لأن نفوذ الحزب الجمهوري سيكون مدمراً للإدارة الجديدة

الآن، ثمة حاجة إلى مزيد من الإنفاق الأكثر إلحاحاً مما كانت عليه الحال في العام 2011 عندما سيطر الجمهوريون على مجلس النواب. اليوم ينتشر الفيروس التاجي، وتتجاوز الحالات الجديدة 100000 حالة في اليوم، وهي تتزايد بسرعة، وتُحدث ضرراً كبيراً في الاقتصاد، حتى لو لم تفرض حكومات الولايات والحكومات المحلية عمليات إغلاق جديدة. لذا فإنّ الإدارة الجديدة في حاجة ماسة إلى جولة جديدة من الإنفاق الفدرالي على الرعاية الصحية، ومساعدة العاطلين عن العمل والشركات، ودعم حكومات الولايات والحكومات المحلية التي تعاني من ضائقة. وتشير التقديرات المقبولة نسبياً إلى أن أميركا يجب أن تُنفق 200 مليار دولار أو أكثر كل شهر حتى ظهور لقاح ضد الفيروس.

ويشكك كروغمان إلى درجة تصل إلى النفي في أن يوافق مجلس الشيوخ الذي لا يزال يسيطر عليه الجمهوريون على أي شيء من هذا القبيل، حتى بعد انتهاء الوباء، اذ من المحتمل أن تواجه أميركا ضعفاً اقتصادياً مستمراً وحاجة ماسة إلى مزيد من الاستثمار العام. لكن الجمهوريين منعوا بشكل كبير الإنفاق على البنية التحتية حتى مع دونالد ترامب في البيت الأبيض، فلماذا سيكونون أكثر مرونة مع بايدن في المنصب؟

يرى كروغمان أن الإنفاق في اللحظة الراهنة لا يمثل المُشكلة الوحيدة للسياسة الأميركية. عادة، هناك العديد من الأشياء التي يمكن أن يحققها الرئيس من أجل الخير أو الشر من خلال الإجراءات التنفيذية. وفي الواقع، خلال الصيف، حددت لجنة عمل ديموقراطية مئات الأشياء التي يمكن للرئيس بايدن القيام بها من دون الحاجة إلى المرور عبر الكونغرس حتى.

ولكن هناك ما يقلق كروغمان وهو دور المحكمة العليا، إذ بنسبة كبيرة تم القضاء على النفوذ الديموقراطي داخلها، وتم اختيار ستة من تسعة قضاة من قبل حزب فاز بالتصويت الشعبي مرة واحدة فقط في الانتخابات الثماني الماضية. لذا يعتقد كروغمان أن هناك إحتمالاً كبيراً أن تتصرف هذه المحكمة مثل ما قامت به في ثلاثينيات القرن الماضي، حين استمرت في منع برنامج روزفلت الإقتصادي “الصفقة الجديدة – New Deal” حتى هدد روزفلت بإضافة مقاعد – وهو أمر لن يكون بايدن قادراً على فعله مع مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون.

يُنهي كروغمان مقاله بتمنٍّ وقلق: “التمني هو أن تمنح انتخابات الإعادة في جورجيا الديموقراطيين السيطرة على مجلس الشيوخ. أما القلق فهو أن بايدن، وبرغم قدرته على العثور على عدد قليل من الجمهوريين العقلاء المستعدين لإبعاد أميركا عن حافة الهاوية، وعلى الرغم من انتصاره الظاهر، لن يكون قادراً على ايجاد حل للأزمة المقبلة مع الجمهوريين، ما يبقي الولايات المتحدة في خطر كبير”.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  سياسة أمريكا الخارجية في منطقتنا.. تجسيد للعجز أم للتواطؤ؟
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "الأزمات الدولية": إنتخابات رئاسية لخلافة عباس أو الفوضى والعنف