تغريدة ميدفيديف ورد إيلون ماسك.. “عبث ملحمي” بتوقعات 2023!

"في ليلة عيد الميلاد، يبدو أن الجميع يقوم بإصدار التوقعات. صنع الكثيرون فرضيات مستقبلية، كما لو كانوا يتنافسون على انتقاء أكثرها جموحاً، أو حتى أكثرها سخافة. ها هو إسهامنا المتواضع. ماذا يمكن أن يحدث في 2023"؟

هكذا أراد الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف أن يستقبل العام الميلادي الجديد. فقد قدم الرجل إسهامه الساخر على الطريقة الروسية، عبر ثريد من التغريدات قام بنشرها على حسابه الرسمي على موقع تويتر، بتاريخ 27 ديسمبر/كانون الأول 2022. تزامناً مع نشره على تطبيق تيليجرام كذلك.

فلم لا نستمع لتوقعات زميل كفاح فلايديمر بوتين السياسي، منذ عملهما في الحملة الانتخابية ومكتب عمدة سان بطرسبرج الأسبق، أستاذهما الراحل “أناتولي سوبشاك”. ميدفيديف الذي لقب بأشهر “محَلَّل” في تاريخ السياسة الدولية، بعدما جاء لفترة رئاسية ضرورية دستورياً، ليفصل بين فترات بوتين الرئاسية المستمرة حتى الآن.

أطل علينا الرجل عبر باب المزاح “الدال”، كدأب الكوميديا الروسية. هيا بنا إلى استخدام توقعات ديمتري ميدفيديف العابثة، للعام 2023، قبل أيام معدودة من بداية العام الجديد.

التوقع الأول:

“سيرتفع سعر النفط إلى 150 دولاراً/للبرميل الواحد، وسزيد سعر الغاز عن 5,000 دولار لكل 1,000 متر مكعب”.

هل هذه التوقعات الرقمية بعيدة جداً عما توقعه الخبير الأمريكي دانييل يرجين، نائب رئيس شركة “إس آند بي جلوبال” (S&P Global)، بأن يصل سعر برميل النفط خلال العام 2023، إلى 121 دولاراً؟ لا أحد يعلم. لكن يبدو أن مستوى العبث في توقع ميدفيديف الأول، ليس بالمستوى المطلوب. لنكمل.

التوقعان الثاني والثالث:

“ستنضم المملكة المتحدة للاتحاد الأوروبي ثانيةً”.

ربما سيؤيد ميدفيديف في مثل هكذا توقع، عديد الأصوات الداعية لنبذ روح Brexit، خاصة بعد خروج بوريس جونسون من 10 دوانينج ستريت. وهو ما لم تتوقف بيوت فكر، قنوات، صحف ووكالات أنباء أوروبية وعالمية عن نقله. من رويترز للجارديان، من يورونيوز إلى CNBC، ومن المجلس الأطلسي إلى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وغيرهم الكثير.

لكن سرعان ما أتبع ميدفيديف هذه التغريدة، بتوقع ثالث يحذف تفاؤل من يتمنون حذف بريكست، قائلاً:

“سينهار الاتحاد الأوروبي بعد عودة المملكة المتحدة له، سينسحب اليورو من الاستخدام كعملة سابقة للاتحاد الأوروبي”. لا تعليق هنا. لكن يبدو أن نغمة السخرية اللاذعة بدأت في الازدياد.

التوقع الرابع:

“ستقوم بولندا والمجر باحتلال المناطق الغربية لأوكرانيا”.

لأول وهلة، يبدو التوقع ثقيل الظل، حاملاً نسبة عبث تثير أعصاب من يمقتون السخرية الروسية. لكن تمهل، هل هي حقاً محض كوميديا عبثية. أم أننا إذا راجعنا تاريخ كيانات شرق أوروبا، وتداول السيطرة والانضمام لمناطق مختلفة، ومن ضمنها ما ركز عليه ميدفيديف (غرب أوكرانيا)، سنجد ما يقلل من عبثية التوقع؟ الإجابة نعم. تشهد على ذلك أصوات طالما نادت باستعادة المجر لإقليم ترانسكاراباثيا، المسمى أوكرانياً بإقليم زاكارباتيا. إقليم تنقل بين حدود كيانات شرق أوروبا، من أوكرانيا، رومانيا، المجر، ثم تشيكوسلوفاكيا قبل تقسيمها. ومنذ عودته إلى السيادة الأوكرانية عام 1945، ما تزال فكرة استرجاعه، تداعب أذهان المجريين.

أما بالنسبة إلى بولندا،  فيعود تاريخ إرث الاستعادة إلى القرن الرابع عشر، حين تغلب الكومنولث البولندي-الليتواني على الغزاة المغول، لتنضم مقاطعات روثينيا الحمراء، وأجزاء من فولينيا وبودوليا إلى السيادة البولندية. مروراً بسيادة مملكة جاليسيا ولودوميريا على مناطق غرب أوكرانية بدءاً من القرن الثامن عشر. تقدماً إلى بدايات القرن العشرين، تمتع الكيان الأوكراني ببعض الاستقلالية. لكن أقاليم غرب التخوم، تنقلت السيادة عليها بين أيدي الامبراطورية النمساوية-المجرية، جمهورية بولندا، رومانيا وتشيكوسلوفاكيا، تحت ظروف مختلفة، في الفترة ما بين الحربين العالميتين. قبل أن تصبح جزءاً من الجمهوريات الاشتراكية تحت سيادة الاتحاد السوفييتي. الجدير بالذكر أن ما يقرب من 45% من سكان غرب أوكرانيا يجيدون التحدث باللغة البولندية، بينما تمثل العرقية البولندية نسبة ترواح 15 % من التركيبة الديموغرافية لأوكرانيا، يتركز جلهم في أقاليمها الغربية.

لنبدأ الأسئلة البريئة: هل وصلت دبابات أبرامز، بطاريات صواريخ باتريوت، الجسور العسكرية المحمولة والذخيرة الأمريكية إلى بولندا أم ليس بعد؟ لا أعتقد أن الإجابة ستغضب أحداً، حتى المستشار الألماني أولاف شولتس، بعد أن صرح في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، خلال مؤتمر صحفي عقد في العاصمة برلين: “عرضنا إلى الحكومة البولندية لحماية بلدهم لم تتم إزالته بعد من على الطاولة”.

نعود لهذه النقطة لاحقاً.

لماذا تحشد بولندا قواتها العسكرية شرق البلاد، بالقرب من حدودها مع غرب أوكرانيا؟ هل يمكن أن يكون ذلك بسبب صاروخ دفاعي S300، ضلّ طريقه بعد أن أطلقته الدفاعات الأوكرانية العابثة، فسقط على قرية بريفودوف البولندية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022؟ أم كما صرّح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة البيلاروسية فيكتور جوليفيتش، بأن سقوط الصاروخ داخل حدود بولندا الشرقية كان “عملاً متعمداً”؟

التوقعان الخامس والسادس:

“سيتم إنشاء الرايخ الرابع، ليغطي مناطق أرض ألمانيا وملحقاتها، أعني.. بولندا، دول البلطيق، التشيك، سلوفاكيا، جمهورية كييف وغيرهم من المنبوذين”.

بدأت نسبة الملوحة تزيد في الثريد الذي طرحه ميدفيديف. لكن هل يمكن أن نعد ما قاله في هذه التغريدة هو العبث بعينه فيما يخص ألمانيا، أم الأكثر عبثاً هو ما حدث مؤخراً من محاولة إنقلاب على نظام الحكم – من خارجه ومن خارج الجيش – بقيادة “هاينرش الثالث عشر”، قائد التنظيم اليميني “الإتحاد الوطني”. التنظيم الذي يهدف كجزء من “حركة مواطني الرايخ”، إلى إثارة الفوضى وإشعال فتيل الحرب الأهلية، من أجل استعادة الامبراطورية الألمانية، على طريقة “الرايخ” التي سقط ثالثها بسقوط هتلر والجيش النازي عام 1945!

تلا الرئيس الروسي السابق ذلك العبث، بسادس توقعاته التي اشتملت على زيارة ثنائية لغرب أوروبا وشرقها في التغريدة ذاتها:

“ستندلع الحرب بين فرنسا والرايخ الرابع. ستنقسم أوروبا، وسيعاد تقسيم بولندا في هذه العملية”.

سؤال بريء آخر يجدر طرحه هنا على ذكر بولندا. لماذا تحشد بولندا قواتها العسكرية شرق البلاد، بالقرب من حدودها مع غرب أوكرانيا؟ هل يمكن أن يكون ذلك بسبب صاروخ دفاعي S300، ضلّ طريقه بعد أن أطلقته الدفاعات الأوكرانية العابثة، فسقط على قرية بريفودوف البولندية في 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2022؟ أم كما صرّح رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة البيلاروسية فيكتور جوليفيتش، بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 2022، بأن سقوط الصاروخ داخل حدود بولندا الشرقية كان “عملاً متعمداً”؟ أو ربما تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبلها بأيام، مفاجئاً الجميع بقوله أن بولندا “تسعى للاستيلاء على مناطق بغرب أوكرانيا”. الطرح المختصر، لا يغني أبداً عن دعوة القارىء للبحث الأعمق.

إقرأ على موقع 180  قراءة روسية في التحوّلات الليبية: تركيا تفوز بالماراثون

فهل هذا “العبث” الذي طرحه ميدفيديف في التوقعين الرابع والسادس، يغمز بشيء جاد؟

التوقع السابع:

“ستنفصل إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة لتنضم إلى جمهورية إيرلندا”.

يعود بنا ميدفيديف ثانية إلى شمال غرب أوروبا، ليعبث بقلاقل تاريخية إيرلندية-بريطانية، إن خضنا في تفاصيلها التاريخية، نحتاج إلى تأليف بضعة كتب على الأقل. لكن دعونا نجاري الرجل في عبثه الساخر، لنركز على بضع نقاط تخص إيرلندا الشمالية، التابعة للتاج البريطاني إلى اليوم من ناحية، وجمهورية إيرلندا المستقلة عنه منذ 1922 من ناحية ثانية، من دون الغرق في تفاصيل أحد أعقد الملفات الأوروبية، التي تسبب صداعاً لبريطانيا. دعونا فقط نلتفت إلى نتيجة الاستفتاء الذي أعلنته جريدة صنداي تايمز، نقلاً عن دار الاستفتاءات LucidTalk، الذي أظهر أن اغلبية سكان إيرلندا الشمالية يؤيدون الانفصال عن المملكة المتحدة خلال 15 إلى 20 سنة من الآن، للاتحاد مع جمهورية إيرلندا (الجنوبية).

يبدو أن ميدفيديف استعجل قليلا. لكن ذلك لا ينفي أنه كلما ظننا أنه يمزح، عثرنا على بذور “الجد” مبذورة في حقل “العبث”!

التوقع الثامن:

“ستندلع الحرب الأهلية بالولايات المتحدة، لتتحول كاليفورنيا وتكساس إلى ولايتين مستقلتين بنتيجة الحرب. ستقوم تكساس والمسكيك بإقامة دولة متحالفة. سيفوز إيلون ماسك بالانتخابات الرئاسية في عدد من الولايات، التي وبعد نهاية الحرب الأهلية، سيتم منحها للحزب الجمهوري”.

بغض الطرف عن دعوات الانفصال التي لا تكف عن النتوء هنا وهناك، لتنكز “حالة الاتحاد” الأمريكي، نكزات خفيفة، إلا أنه من المفيد الالتفات إلى تاريخ الحركة الانفصالية بولاية تكساس، لنجد أن تاريخها لم ينقطع منذ عام 1861 إلى الآن. وفي آخر تطوراتها كمثال، أن الحزب الجمهوري يحث المجلس التشريعي المحلي للولاية الجنوبية، على تقديم مشروع استفتاء خلال العام 2023، للإنفصال عن فيدرالية الولايات الأمريكية. مما دفع ريتشارد ألبرت، البروفسور بجامعة تكساس بعاصمة الولاية أوستن إلى القول إن نجاح هكذا استفتاء “يعني الحرب”. بينما صدر تقرير مفصل في موقع Business Insider، في 29 مايو/أيار 2022، يركز على موضوع إنفصال تكساس عن أمريكا. تكفي قراءة تفاصيله، لنُدرك أن عبث ميدفيديف، ليس عبثاً كاملاً!

لضيق المساحة، سندع مهمة البحث وراء قضية “تقسيم وإنفصال كاليفورنيا”، للقارىء المتبحر. لكن يبدو أن ما يمكن أن يستنبط من عبثية توقعات ميدفيديف للعام 2023، للتوسع في رؤية الدلالات المختبئة وراء هذه السخرية اللاذعة، هو ما دفع إيلون ماسك، المدير التنفيذي الجديد لموقع تويتر، إلى الرد على ثريد الرئيس الروسي السابق قائلاً ما يترجم إلى: “ياله من ثريد ملحمي”!

التوقع التاسع:

“ستغادر جميع أسواق الأسهم الكبرى والنشاطات المالية كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا نحو آسيا”.

ربما يمكن أن نعد هذا التوقع مبالغة روسية مرفوضة. لكن دعونا نقول، إنه ثمة من كانوا يعارضون الكتابات الكوميدية الروسية بالقرن السابع عشر، وبالرغم من ذلك، تحولت الكتابة الأدبية الكوميدية إلى فن مستقل بذاته، كاستجابة لـ”زمن المحن Time of the Troubles” الذي مرت به القيصرية/الإمبراطورية الروسية ما بين 1598-1613. هل يعبث ميدفيديف هنا حقاً، أم أنه كان على وشك كتابة أحرف “عشوائية” مثل SPFS ؟ مثلما تحاول الصين حفر أحرف CIPS على مسارات “الحزام والطريق” المتسللة في جسد الاقتصاد الدولي؟

رغم تزايد ووصول نسبة “العبث” في الثريد إلى المستوى قبل الأخير. لا ريب أن مثل هكذا توقع يحمل إشارات لمحاولات صينية، روسية بل وهندية، بصناعة نظم مالية عالمية، من شأنها زعزعة سطوة نظام سويفت المسيطر عليه أمريكياً. أو إذا ما رغبت في تعميم الأمر، زعزعة السطوة المالية والدولارية الأمريكية على الاقتصاد العالمي.

التوقع العاشر:

ختم ميدفيديف ثريد توقعاته للعام 2023، مغرداً: “سينهار نظام الإدارة النقدية “بريتون وودز”، مما يؤدي إلى سقوط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ستتوقف عملتا اليورو والدولار عن التداول كعملات احتياطي عالمي. ليتم استخدام عملات رقمية مرنة بدلاً عنها بشكل فعال”.

لا أحد سيخالفك التمني سيد ديمتري، في سقوط مثل هذه الكيانات. لكن لماذا كان عليك أن تذكر العملات الرقمية؟

على أي حال، أنهى الرجل الثريد، بتغريدة إضافية عبّر فيها عن تمنياته الطيبة، قائلاً:

“تهانئي لكم جميعاً بموسم الكريسماس، لأصدقائي الأنجلو-ساكسونيين، وخَنانيصِهم المُخَنخِنة بسعادة”.

إبحث عن معنى كلمة خَنانيصْ (جمع خِنّوص)، وبعدها عن معنى كلمة (خَنخَنة)، لتعرف ماذا يقصد ديمتري!

كذلك أضاف ماسك رداً آخر على تغريدات ميدفيديف قائلاً: “هذه هي بالتأكيد أكثر التوقعات التي سمعتها سخافة، بينما تظهر في ذات الوقت غياب الوعي عن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والطاقة البديلة”.

لا يمكن أن يفوتك مقصد إيلون ماسك هنا، وما يلمح إليه من عدم اهتمام الدولة الروسية الكافي بهذين المجالين كما يرى. ربما لم يخطىء ماسك في رده الأول أيضاً، بوصفه تغريدات ميدفيديف بأنها “ثريد ملحمي”، أو ربما كانت بمثابة “عبث ملحمي”. فكثيراً ما يكون العبث المختصر، أكثر دلالة من الجد المطول.

ماذا لنا أن ننتظر من العام 2023 إذن؟ أمزيد من سخرية الأقدار الجيوسياسية. أم بعض الانخفاض في منسوب العبث. الإجابة بالطبع ليست عند إيلون ماسك، ولا يملكها ديمتري ميدفيديف!

تحياتي العابثة.

Print Friendly, PDF & Email
تامر منصور

مصمم وكاتب مصري

Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  توطين الغزيين في سيناء.. مشروع قديم ـ جديد