تحديات أوروبية.. الشراكة في كل الإتجاهات

يواجه الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة ومتزايدة كما دلّت على ذلك مداولات القمّة الأوروبية التي انعقدت منذ أيام.
أول هذه التحديات تكمن في كيفية التعاطي مع جائحة الكورونا وتداعياتها السلبية على الاقتصادات الوطنية وكيفية دعم هذه الاقتصادات التى كانت تعاني أساسا من فترة ركود. وللتذكير لم يكن من السهل أبدا التوصل إلى قرار في القمة الأوروبية في تموز/يوليو الماضى بتوفير حزمة مالية بحدود 750 مليار دولار تقترضها المفوضية الأوروبية في الأسواق: قسم منها بحدود 390 مليار دولار مساعدات وقسم آخر بحدود 360 مليار دولار قروض؛ إنها «خطة مارشال» أوروبية هذه المرة.
***

القارة القديمة تدرك اليوم أنها تراجعت على صعيد المكانة الدولية وعلى صعيد الإمكانات الاقتصادية الوطنية والأوروبية أمام الدور الصيني الناشط والمتمدد والدور الروسي العائد إلى جانب بالطبع الدور الأمريكي الذى تعرّضت علاقات أوروبا معه للتوتر الذى بقي مقيدا ولعدم التفاهم وغياب التعاون كما وصف مسئول أوروبى الوضع بين الركنين الأساسيين في الحلف الغربى وذلك بسبب السياسات الأحادية الحادة التى اتبعها الرئيس دونالد ترامب.
القمّة التي انعقدت منذ أيام انكبّت على موضوع أساسى وهو إعادة صياغة العلاقات مع بريطانيا بعد خروج الأخيرة من الاتحاد الأوروبي وهو ما شكّل إضعافا للطرفين في أكثر من مجال ولو أن كلا منهما يرى في ذلك الطلاق الحل الواقعي بسبب الخلافات المستمرة والمستقرة بينهما. أهم نقاط الخلاف التى لم تحل بعد تتعلّق بالعناصر الرئيسية التى ستستند إليها الاتفاقية التجارية التي ستنظّم العلاقات بين الطرفين. قضية أخرى على جدول أولويات القمة تتعلّق بالعلاقات مع تركيا والتأزّم الذى أصاب هذه العلاقات بسبب السياسات التركية بشكل خاص في شرق المتوسط وتجاه قبرص واليونان وفي الأزمة الليبية. وقد برز اتجاه لعقد مؤتمر أوروبي تركي للبحث في هذه الخلافات ومن ضمنها أيضا بالطبع قضية الطاقة «الغاز». وهنالك توجّه بأن يكون المؤتمر أوسع من حيث المشاركة على أن تنظّمه الأمم المتحدة رغم أن أي شيء عملي حتى الآن لم يظهر إلى الوجود في هذا الشأن. من الأمور النزاعية أيضا بين الطرفين الأزمة الليبية في إطار التصعيد المتبادل وحيث لوّحت أوروبا باللجوء إلى سياسة العقوبات بشأن جميع هذه المسائل الخلافية لاحتواء ما اعتبرته سياسات أحادية تتّبعها تركيا تعرّض الاستقرار والأمن في المتوسط للخطر.

الطرف الأوروبي بلعب دور جسر تواصل وحوار بين الإدارة الجديدة وإيران يمهّد في عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ولكن مع المقترحات والشروط التي تتمسّك بها الأخيرة لتعزيز الاتفاق والتي تلقى تأييدا أوروبيا

ويبقى الملف الليبى أحد التحديات الأساسية مع أوروبا برغم وجود تمايزات في المواقف ولكنها مقيّدة بين الأطراف الأوروبية الرئيسية المعنية بهذا الملف. تمايزات تعكس الاختلاف بين المصالح الوطنية لهذه الدول. برغم ذلك يبقى هذا الملف أساسيا عند الاتحاد الأوروبي لما يشكّله من خطر على الاستقرار في الجوار الأوروبي المباشر وفي منطقة المغرب العربي وما تشكّله ليبيا كبوابة للقارة الأفريقية أو جسر عبور رئيسي للهجرة غير الشرعية إلى القارة القديمة. الهجرة التي استقرت على سلّم الأولويات الأوروبية لما لها من تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية واجتماعية ولأنها كما يذكّر مسئول في بروكسل تبقى أحد روافد «الإرهاب الإسلاموي». فبيئة مجتمعية تعيش توترات مختلفة تبقى بيئة حاضنة ومصدّرة لهذه الراديكاليات الخطيرة ليس على القارة الأوروبية فحسب بل على الأمن المتوسطى والعلاقات عبر المتوسط بشكل عام، كما يقول أكثر من مسئول أوروبى.

***

عنصر إيجابى يراه الأوروبيون يتمثل في تغيير القيادة في واشنطن إذ أن هنالك عودة إلى التعاون الطبيعي والتقليدي بين الحليفين فيما يتعلّق بالتمسك بمنطق الشراكة الاستراتيجية وتجديدها حيث يجب دون أن يعني ذلك غياب أي خلافات بين الطرفين ولكن يمكن استيعادها دائما ضمن منطق الشراكة الاستراتيجية الأطلسية. هذه أيضا إحدى النقاط الرئيسية التى تناولتها القمّة الأوروبية الأخيرة وقد انطلق الحوار الأمريكي الأوروبي في ملف ساخن يهم الطرفين وهو الملف النووي الإيراني. ويقوم الطرف الأوروبي بلعب دور جسر تواصل وحوار بين الإدارة الجديدة وإيران يمهّد في عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي ولكن مع المقترحات والشروط التي تتمسّك بها الأخيرة لتعزيز الاتفاق والتي تلقى تأييدا أوروبيا.
الحديث عن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية التى دعت إليها فرنسا لا تعني إضعاف التعاون العابر للأطلسى «الأمريكي الأوروبي» بل إعادة بنائه على أسس جديدة تقوم على التوازن في الشراكة وفي المسئوليات حسب هذا المفهوم. وقد عبّر عن ذلك وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا، الدولتان اللتان شكّلتا دائما قاطرة البناء الأوروبي، في مقالة مشتركة. وقد ذكر الوزيران أننا لم نعد نسأل أنفسنا ــ نحن الأوروبيون ــ ما يمكن أن تفعله أمريكا إنما نسأل أنفسنا عمّا يجب أن نقوم به للدفاع عن أمننا وعن إقامة شراكة عابرة للأطلسي أكثر توازنا: إنه طموح أوروبى كبير ينعكس أيضا على إعادة توزيع الأعباء كما تطالب واشنطن والمسئوليات في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي. بقي على دول الاتحاد الأوروبي بلورة القناعة وثم توفير القدرة لترجمة ذلك إلى سياسة فعلية وفاعلة على الصعيد الدولي، وهذا ليس بالأمر السهل ولكنه ليس بالمستحيل كما يرى البعض.

إقرأ على موقع 180  خرق سيبراني كبير لشركات أمنية أميركية وإسرائيلية!
Print Friendly, PDF & Email
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  الدول الصغرى والأحلاف الكبرى.. لا بد من طريق ثالث