التطبيع السعودي ـ الإيراني.. بن سلمان يستخلص العِبَر من اليمن

Avatar18012/04/2023
نشر موقع "أوريان 21" تقريراً للباحثة والأكاديمية فتيحة دازي هاني، المتخصصة في الشؤون الخليجية، تمحور حول أبعاد وتداعيات الإتفاق السعودي ـ الإيراني في بكين في 10 مارس/آذار، لما له من تأثير على التوازنات الجيوسياسية في المنطقة. وفي ما يلي نص التقرير الذي ترجمته من الفرنسية إلى العربية الزميلة دينا علي من أسرة "أوريان 21".  

“أثار التطبيع بين السعودية وإيران برعاية بكين ارتياحًا بين كافة دول المنطقة، باستثناء إسرائيل. ولعل أكثر ما يبعث على الأمل بالنسبة لممالك الخليج هو استثمار الصين، باعتبارها قوّةً قادرة على المساهمة في بناء الثقة بين هاتين الدولتين اللتين تعدّان شريكين رئيسيّين في المنطقة.

وتتوقّع الرياض من إيران أن تتحرك لتسهيل المصالحات الداخلية في اليمن واستخدام ثقلها لإقناع الحوثيين بإحلال سلامٍ دائم على حدود المملكة. كما تطمح في أن يساهم هذا التطبيع في تهدئة الأوضاع مع الميليشيات الشيعية في العراق وميليشيات حزب الله في لبنان.

من ناحيتها، تتوقع إيران (تواجه منذ سبتمبر/أيلول 2022 احتجاجات شعبية بدأت بـ“ثورة النساء” ثم اتسع نطاقها ليشمل المناطق الكردية والبلوشية الواقعة على الأطراف، حيث اتُّهِمت الرياض بتقديم الدعم لتلك المناطق ذات الأغلبية السنّية) من السعودية عدم التدخّل في شؤونها الداخلية، على غرار الدعم المالي الذي تقدّمه السعودية إلى منصة إعلامية إيرانية معارضة في لندن. تلك الأدوات التي تمتلكها السعودية، في وقتٍ تعدّ فيه شرعية الجمهورية الإسلامية أضعف من أي وقتٍ مضى، يبدو أنها أعطتها ثقلاً لإقناع النظام الإيراني، الذي بات ضعيفًا على الصعيدين الداخلي والخارجي، بالتفاوض مع المملكة السعودية. (…).

من ناحية واشنطن، يثير هذا الاتفاق قلقًا ملحوظًا نظرًا لتشكُّكها في قدرة بكين على الاضطلاع بالدور الذي تنتظره منها الرياض، وهو إلزام طهران بالوفاء بالتزاماتها. وهو تشكّك نقلته كافة مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية. لكن النجاح الدبلوماسي الذي حققته الصين أثار رد فعل أمريكي لا يجب أن يُستهان به حتى ولو لم يلفت الانتباه. ففي 14 مارس/آذار، أي بعد أيام من صدور البيان السعودي الإيراني الصيني المشترك، صادق مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين مايكل راتني سفيرًا للولايات المتحدة الأمريكية بالرياض (وهو مُستعرِب وخبير في شؤون الخليج وبلاد الشام). وكان هذا الأخير قد تم ترشيحه منذ عام في إبريل/نيسان 2022، في حين ظل منصب السفير شاغرًا منذ يناير/كانون الثاني 2021.

وترى ياسمين فاروق الباحثة بمركز كارنيغي للشرق الأوسط2 أن الاتفاق الذي تم برعاية الصين لا يقتصر بالنسبة إلى السعودية على موازنة الوجود الأمريكي، بل يعكس تفضيلًا لنهج بكين، القائم على ترجيح مبدأ إيجاد سبُل للتفاوض لحل النزاعات بين البلدين عوضًا عن اقتراح هيكل بديل للأمن العالمي مُعَدّ سلفًا. حيث نجحت بكين في إقناع الرياض باستئناف التواصل مع طهران دون فرض مسألة تخلّي الأخيرة عن دعم الحوثيين كشرطٍ مسبَق. وتُعَد تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كناني في 30 مارس/آذار عن عزم بلاده على التوصُّل إلى سلامٍ عادل في اليمن بأي ثمن، غير مسبوقة في هذا الصدد. ولكن، هل تتمكن إيران من إلزام حلفائها باحترام هذا الاتفاق الثلاثي؟ فلكل منهم أجندته الخاصة كما تُظهِر ردود الفعل السلبية لبعض الميليشيات العراقية الموالية لإيران والحوثيين، الذين طالما أكدوا استقلالهم عن طهران. في المقابل، رحّب حزب الله اللبناني، حليف إيران التاريخي، على لسان أمينه العام حسن نصر الله بالاتفاق، وصرّح بأنه سيعود بنتائج إيجابية فورية على لبنان واليمن (…).

ويرى الكاتب السعودي د. عبد العزيز الغشيان، المتابع للعلاقات السعودية الإسرائيلية، والذي شارك في قمة جدة في يوليو/تموز 2022 – التي شارك فيها الرئيس جو بايدن ورؤساء دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر – أن الرياض أدركت في تلك المناسبة أن التطبيع مع إيران شرط أساسي لحدوث تطبيع مع إسرائيل في المستقبل، حتى وإن كان بشكل تدريجي. في مواجهة مأزق الملف النووي، وجدت إدارة بايدن نفسها مجبرة على إقناع الرياض بالدخول في اتفاقيات أبراهام كجارتيها أبو ظبي والمنامة. لكن انسداد الأفق فيما يتعلق بإيجاد حل للقضية الفلسطينية أثنى الرياض عن الذهاب إلى ما هو أبعد من تقاربٍ غير رسمي مع إسرائيل، قد تستغله طهران لزعزعة استقرار الرياض. وهذه ليست رؤية تل أبيب، التي كانت تعتزم تطبيع علاقاتها مع الرياض لتكوين جبهةٍ إسرائيلية عربية لمواجهة إيران (…).

يرغب بن سلمان من خلال “رؤية 2030” التي ترفع شعار “السعودية أولاً”، أن يجعل من المملكة مركز غرب آسيا اللوجستي، نظرًا للموقع الذي تتمتع به بلاده في قلب شبه الجزيرة العربية، وذلك بمساعدة الصين وطريق الحرير العزيز على الرئيس شي جين بينغ

ولا شك أن عودة العلاقات السعودية الإيرانية تجد جذورها في الاتفاق الأمني للعام 2001. بيد أن الإشارة إلى الاتفاقية التجارية المبرمة في مايو/أيار 1998 في البيان الرسمي، وما أعقبها من تصريح وزير التجارة السعودي محمد الجدعان حول استعداد الرياض للاستثمار في علاقاتها التجارية مع إيران وتطويرها، يعكسان تغيُّر المقاربة الدبلوماسية التي تعتزم الرياض انتهاجها في هذا التطبيع (…).

إقرأ على موقع 180  التقرير السنوي لتهديد الأمن القومي الأميركي.. ماذا عن إيران؟

ويضع ولي العهد السعودي كل آماله في الدينامية الاقتصادية من أجل تحقيق توجهاته الدبلوماسية الجديدة، التي يطمح إلى بنائها على أساس اندماج إقليمي أفضل، وذلك بالاستثمار في البنى التحتية واللوجستيات والأمن الغذائي والتحوّل في مجال الطاقة، وكل ما يخص الأصول المشتركة والأمن الإنساني.

يبدو أن بن سلمان قد تعلّم من تجربة تدخّله العسكري الكارثي في اليمن عام 2015، ومن الأزمة التي وضعته في مواجهة مع قطر منذ عام 2017 على خطى مرشده السابق، رئيس الإمارات محمد بن زايد، والذي أصبح منافسه منذ ذلك الحين. فها هو حلم أن تصبح بلاده مركزًا اقتصاديًا وتكنولوجيا وسياحيًا في الشرق الأوسط يداعبه، كما يداعب جاره الإماراتي. وهو يحلم بما هو أبعد من ذلك، إذ يرغب من خلال “رؤية 2030” التي ترفع شعار “السعودية أولاً”، أن يجعل من المملكة مركز غرب آسيا اللوجستي، نظرًا للموقع الذي تتمتع به بلاده في قلب شبه الجزيرة العربية، وذلك بمساعدة الصين وطريق الحرير العزيز على الرئيس شي جين بينغ (مبادرة الحزام والطريق). ويقترن تحقيق تلك الأهداف بانتهاء الحرب في اليمن بدايةً، وتفادي أي مواجهة عسكرية محتملة بين إسرائيل وإيران.

هكذا يمكن فهم قرار السعودية بالانضمام في 29 مارس/آذار إلى منظمة شنغهاي للتعاون، التي تتزعمها بكين وموسكو، كـ“شريك في الحوار”، أو رغبتها في الانضمام إلى الـ“بريكس” التي أفصحت عنها في مايو/أيار 2022، إلى جانب مصر وإندونيسيا والإمارات والسنغال والجزائر. على المستوى الإقليمي، تتجلّى تلك الدينامية في الشراكات متعددة الأطراف والانفراج الذي شهدته علاقاتها مع تركيا وإسرائيل وإيران وقطر، وكذلك التطبيع الوشيك مع سوريا – والذي من المتوقَّع أن يتم الإعلان عنه قبل قمة جامعة الدول العربية المزمَع انعقادها في 19 مايو/أيار في الرياض (زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد العاصمة السعودية اليوم الأربعاء 12 نيسان/أبريل 2023). ومثلما رعت الصين التطبيع مع إيران، سترعى روسيا التقارب مع سوريا بعد أن تضمن قيام دمشق بمنع عمليات التصدير غير الشرعية لمخدر الكبتاغون الذي يُغرِق السوق السعودية والخليجية (…).

(*) لمراجعة النص كاملاً على موقع “أوريان 21“.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
online free course
إقرأ على موقع 180  الحريري وجعجع: "مَن الأصلي ومَن التايواني"؟