سلالات كورونا الجديدة.. مجهولة المصدر وسريعة العدوى والإنتشار (2)

ظهرت مؤخراً سلالات جديدة من فيروس كورونا في بريطانيا وجنوب افريقيا ونيجيريا وعشرات الدول في كل رياح الأرض وبينها لبنان، وقد أعطيت أسماء عديدة وتفسيرات عديدة. فما هي قصة السلالات الجديدة؟

في بريطانيا، أُطلق على السلالة الجديدة المجهولة المصادر والخصائص والخطورة عدّة اسماء منها: “202012/01-VOC”  او “VUI-202012/01”  أو “VUI-UK” او “B.1.1.7” او “COVID-20″، وكان اللافت للإنتباه أنها تسببت بزيادة مُخيفة في عدد الإصابات في بريطانيا، إذ أصبحت هي المُهيمنة بنسبة 62% في لندن وبنسبة 43% في مدينة كنت في جنوب شرق بريطانيا.

ويؤكّد الخبراء انّ السلالة التي ظهرت في جنوب أفريقيا مُختلفة عن السلالة البريطانية ولكنها سريعة الإنتشار مثلها (سجل أعلى رقم قياسي للحالات في 24 ساعة وهو حوالي 12000 حالة في يومٍ واحد وحيث اصبحت هي السلالة المُهيمنة او المُسيطرة في جنوب أفريقيا بنسبة 80 الى 90% ولا سيما بين الأطفال والشباب الذين رصدت حالات إلتهابات حرجة عند بعضهم ممن لم يعانوا من أية أمراض سابقة). كما تم إكتشاف سلالة جديدة في نيجيريا بين 3 آب/أغسطس و9 تشرين/أكتوبر، تبين حسب أولى الدراسات أن خصائصها مختلفة عن سلالتي بريطانيا وجنوب أفريقيا.

وثمة مخاوف عالمية متزايدة من إزدياد إنتشار هذه السلالات الجديدة مع حركة الملاحة وإنتقال المسافرين خصوصاً في أعقاب إنتهاء إجازة عيدي الميلاد ورأس السنة وما يُصاحبهما من إختلاط إجتماعي كبير، شهدنا بعض فصوله في لبنان وندفع ثمنها بالإرتفاع القياسي في الحالات وبإحتمال إعادة إقفال البلد مجدداً حسب توصيات لجنة الصحة النيابية واللجنة الحكومية المعنية بملف كورونا.

هذه المقالة تحاول إلقاء الضوء على خصائص السلالات الجديدة واهمّيتها، وذلك في سياق محاولة لفهم المخاطر التي قد تترتّب على ظهور هذه “الطفرات الجينيّة او  الوراثية” التي أربكت العالم وأدت إلى سرعة إنتشار الجائحة، وخاصة في القارات الأميركية والأوروبية والأفريقية.

أولاً، زيادة العدوى والانتشار السريع:

بحسب معظم الدراسات التي أُجريت في بريطانيا، فإن السلالة الجديدة تتميّز عن السلالة العادية بسرعة الإنتشار وزيادة نسبة إنتقال العدوى بمعدل 50 إلى 74%. وهذا ما سيكون له دون أدنى شك تأثير كبير على زيادة الحالات التي تستوجب الدخول إلى المستشفيات وبالتالي زيادة عدد الوفيات الناتجة عن ذلك. لكن الخبراء، في المقابل، يُؤكدّون أن السلالة الجديدة لا تتسبّب بأشكال أكثر خطورة من الإلتهابات الفيروسية مقارنة مع الفيروس الآخر المُنتشر ولا تُطيل من فترة المرض او فترة الإستشفاء كما رشح من التقارير الأوّلية.

وفي التقرير الذي رفعه “المجلس العلمي الاستشاري للحكومة البريطانية”، والذي لم يفصح عن مضمونه سوى في 22 كانون أول/ديسمبر 2020، يُؤكّد خبراء المجلس أن هناك زيادة مُؤكّدة في نسبة إنتقال العدوى مع هذه السلالات الجديدة. وهناك أيضا زيادة متوسطة في مستوى العبء أو “الحمل الفيروسي” (Viral load)، أي كمية الفيروسات التي من المُمكن أن تنتقل من شخص لآخر، والتي قد تكون سبباً لنقل العدوى.

لكن الخبراء يُؤكّدون أنهم لم يلحظوا لغاية الآن أية زيادة في خطورة هذا الفيروس لناحية الأعراض والأضرار ومدّة المرض والإستشفاء (فترة البقاء في المستشفى نتيجة الإصابة). كذلك الأمر بالنسبة لـ”ردّة الفعل المناعية” التي تتسبّب بها هذه السلالة الجديدة، بحيث لم يظهر فعلياً أي مؤشر لمقاومة أو لتمرّد أكبر لهذا الفيروس على جهاز مناعة المصابين به.

وقد أنهى المجلس الاستشاري البريطاني تقريره بالقول أن هذه المعطيات الوبائية تُؤّكّد على أهمية أخذ أقصى درجة من الاحتياطات الإحترازية وإعادة تقييم سريع لمسار الأمور في أقرب فرصة مُمكنة على ضوء إستمرار إجراء الفحوصات المخبرية والدراسات السريرية والمؤشرات الوبائية والدراسات التسلسلية الجينية، (genetic sequencing) على مختلف أنواع الفيروسات الموجودة على الاراضي البريطانية لكشف كل الطفرات الجينية المُسقبلية التي قد تحدث.. وكذلك المراقبة الدقيقه للحالات الجديدة الناتجة عن الفيروس (السلالة الجديدة)، وهذا ما فتح باباً واسعاً لإعادة تقييم الامور سلباً أو إيجاباً حول كل هذه المعطيات الأوّلية في الأيام أو الأسابيع القليلة المُقبلة، وذلك ربطاً باللقاحات التي تم إكتشافها حتى الآن، وما يمكن أن تكون عليه صورة العالم في ضوء السلالات الجديدة التي يتم إكتشافها على التوالي.

ثانياً، مشكلة الصعوبات التشخيصية:

المشكلة الثانية التي نُواجهها مع هذه السلالات الجديدة هي صعوبة التعرّف الدقيق عليها سوى بواسطة بعض تقنيّات التسلسل الجيني للتعرّف على الطفرات الجينية.  فالفحوصات المُتوفّرة حالياً عبر الـ PCR الكلاسيكي المُستعمل حالياً تسمح بتشخيص وجود فيروس كورونا بشكلٍ عام، غير أن التعرف إلى السلالة الجديدة يحتاج إلى “فحوصات أو إختبارات المستضد” (Antigenic tests) التي تكشف وجود بروتين مُعين وهو البروتين N نسبةً الى مُكوّن فيروسي يحيط بالحمض النووي الفيروسي (Nucleocapsid) وهو غطاء بروتيني يغلّف الحمض النووي للفيروس. لذلك فإنّ كل الفحوصات او إختبارات المُستضد التي لا تكشف هذا البروتين تحديداً لا تكشف هذه السلالة الجديدة بحيث يجب  التعرّف بشكلٍ خاص على هذا البروتين الذي حصل فيه طفرة جينية معيّنة لكي نكشف السلالة الجديدة.

إقرأ على موقع 180  أولمبياد طوكيو.. قلق كورونا و"إجازة زهر الكرز" (3)

وبرغم هذه الصعوبات، يُطمئن معظم الخبراء إلى أن اكثر الفحوصات إستعمالاً حالياً اي الـ RT-PCR او الفحوصات التي تعتمد على تقنيّات تُسمّى تقنيّات الـELISA تحتوي على فحص المستضد المذكور وقادرة على التعرّف على البروتين N الذي ذكرناه وبالتالي التعرّف على هذه السلالة الجديدة.

ثالثاً، فيروس مُتغيّر أو مُتحوّر أو “سلالة جديدة”:

قبل إطلاق أي تسمية على سلالة الفيروس الجديد يجب أن نعرف أن فصيلة الفيروس التاجي الحالي (SARS-COV-2 )، تحصل عليها طفرات جينية مُتعددة منذ بداية ظهور الجائحة في مدينة ووهان الصينية في نهاية العام 2019، وهذا النوع من الطفرات الجينيّة الخفيفة معروف من قِبل الخبراء وتتميز به هذه الفصيلة من الفيروسات. والمعروف أيضا أنّ هناك طفرات بسيطة قد تحصل عند كل عملية تكاثر للفيروس حيث أنه من المُمكن ان تحصل بعض الأخطاء في نقل بعض الأحماض الأمينيّة التي تحلّ مكانها احماض اخرى عند عمليات الإستنساخ أو تكرار هذا الحبل المُكوّن للجينوم أي للوحدات الجينيّة المسؤولة عن تكاثر الفيروس وجميع مُكوّناته ووظائفه المختلفة. هذه الأخطاء الطباعية في تكرار أو استنساخ الحمض النووي غالباً ما تكون غير ذات أهمية ولا تترك أي اثر على نوع الفيروس ولا تزيد من خطورته. لكنها أحياناّ  ـ في المُقابل ـ قد تغُيّر الفيروس لناحية تغيير عدد من الحوامض الأمينية التي تدخل في تركيبة عدد من البروتينات المُهمة مما يُبدّل كثيراً الفيروس بشكلٍ جوهري ويغير وظيفة هذه البروتينات وبالتالي طريقة تعاطي الفيروس مع خلايا جسم الإنسان. وهنا نتكلّم عن فيروس مُتغيّر أو مُتحوّر او عن “سلالة جديدة” في حال كانت الطفرات اساسية بالنسبة لوظائف الفيروس.

 ومن أهم هذه الطفرات الجينية التي طالت هذا الفيروس التاجي هي الطفرة التي ظهرت في شهر كانون الثاني/يناير 2020، هي الطفرة التي أنتجت السلالة المعروفة بإسم D614G والتي أصبحت بسرعة في شهر شباط/فبراير الماضي “السلالة المُهيمنة” أو “المُسيطرة” في كل أنحاء أوروبا ومنها إنتشرت أيضا في كل أنحاء العالم. وكما قلنا فإن هذا النوع من الطفرات الجينيّة يميز هذا النوع من الفيروسات. وقد أحصى الخبراء حتى الآن أكثر من 12 ألف طفرة جينية مختلفة منذ ظهور الجائحة حتى الآن. وقد أكّد المستشار العلمي للحكومة البريطانية Patrick Vallence أن السلالة الجديدة التي ظهرت في بريطانيا في نهاية السنة الماضية تحمل 23 او 24 تغييرا جينيا أو طفرة وراثية أو جينية، في حين كانت التقارير الاوّلية تشير إلى حصول 17 طفرة وراثية عشوائيه مهمة فقط، وأهمها الطفرة التي سميت بـ N501Y  والتي غيّرت البروتينات الموجودة في النتوءات الموجودة في غلاف الفيروس بروتين S نسبة لكلمة Spike. وهذا العدد من الطفرات بحدّ ذاته يُعتبر مُهمّا لأنه ادىّ إلى تغيير وظيفة بعض البروتينات الموجودة على غلاف الفيروس ومنها البروتين التي سبق وذكرنا أن له دورٌ هام جداً في عملية إلتصاق الفيروس بالخلايا وفي عملية دخوله إليها عبر اللاقطات الموجودة على خلايا جسم الإنسان.

وبذلك تكون نتيجة كل هذه الطفرات الجينيّة الوصول إلى سلالة جديدة من فيروس كورونا، وهذا ما أقلق الخبراء الذين وجدوا أن الفيروس حصلت عليه طفرات وراثية مُتعدّدة أدّت إلى تغيير مُهم في عملية إلتصاقه ودخوله إلى جسم الإنسان، وهذا ما تسبّب في الزيادة الكبيرة في نسبة انتشاره ونقله للعدوى كما قلنا سابقاً.

Print Friendly, PDF & Email
د. طلال حمود

رئيس ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا

Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  لو أني كنت فقيراً.. أشبع تفكيراً