تفسير النص الدستوري بالمواءمة أم بالمعاني المتناقضة؟
Lebanese President Michel Aoun (C) shakes hands with Prime Minister Saad Hariri (R) while Parliament speaker Nabih Berri (L) stands by, as they attend a military parade commemorating the 76th anniversary of Lebanese independence from France at the Defence Ministry headquarters in Yarze near the presidential palace of Baabda southeast of the capital on November 22, 2019. (Photo by - / AFP) (Photo by -/AFP via Getty Images)

ليس الدستور عبارة عن لائحة طعام نختار منها ما يناسب أذواقنا وشهيتنا وإمكاناتنا. الدستور روح قبل أن يكون نصاً مقدساً. الدستور وسيلة وليس غاية بذاتها. الأصل هو تيسير حياة البشر وليس تعقيدها أو تبديدها.

في معرض تفسير مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية المادة 52 من الدستور وبيان صاحب الصلاحية في المفاوضة، انتهت إلى اعتماد التفسير الآتي: “لو كان القصد اشراك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في التفاوض لعقد المعاهدة لكان الدستور نص صراحة على ان يتولى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التفاوض بدلا من ان “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة”. ولو كانت المشاركة واجبة في المفاوضة لما كان من داع للنص على “وجوب الاتفاق” بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة باعتبار ان كليهما توليا المفاوضة.. وإن رئيس الجمهورية هو الجهة المختصة الوحيدة بتولي المفاوضة حتى ان عقد او ابرم وجب عليه الاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، قبل الانتقال الى مجلس الوزراء ومن ثم الى مجلس النواب في الحالات المحددة للموافقة”. (بيان مكتب الاعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية بتاريخ 13/10/2020).

وحيث أنه لا يجوز للكلمة الواحدة أن تحمل في طياتها معنيين؛ فإذا نقلنا هذا التفسير إلى معنى الاتفاق في تشكيل الحكومة:

فإن الاتفاق بحسب المادة 53 فقرة 4 من الدستور يجب أن تحصل – وقياساً على تفسير المادة 52 المعتمدة من قبل دوائر القصر الجمهوري – في لحظة إصدار المرسوم: لأن النص واضح: “يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو اقالتهم”.

وكما أن التفسير الذي خلصت إليه دوائر القصر الجمهوري قد انتهى إلى القول بأن الاتفاق يتم عند ابرام المعاهدة وليس في مرحلة التفاوض، فإنه ومن باب القياس يفترض أن يتمّ الاتفاق على تشكيل الحكومة في مرحلة إصدار المراسيم وليس في المرحلة السابقة لها.

واعتماداً على القياس ذاته بالتفسير، فإن دوائر القصر الجمهوري قد فسّرت الفقرة الأولى من المادة 52  بأنه لو كان القصد اشراك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في التفاوض لعقد المعاهدة لكان الدستور نص صراحة على ان يتولى رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة التفاوض بدلا من ان “يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة”. وإذا اعتمدنا هذا التفسير واستخدمناه في تفسير المادة  64 من الدستور التي تنصّ على أن يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، فإنه – وتطبيقاً للتفسير الرئاسي ـ يكون تفسير هذه المادة كالآتي: لو كان القصد اشراك رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء في التفاوض لتشكيل الحكومة لكانت المادة 64 من الدستور قد نصّت على أن يجري رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقعا مرسوم تشكيلها.

هي كلمة واحدة في الدستور، يفترض أن يكون لها معنى واحد أينما وردت، إعمالاً لقاعدة في التفسير أنه يقتضي المواءمة في تفسير النصوص القانونية وأن لا يعطى لها معاني متناقضة.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  إسمع يا رضا.. عن "عهد الطوابير القوي"!
عصام نعمة إسماعيل

أستاذ مادة القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية

Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  واشنطن وباريس "تشقان" أبواب الرياض.. لبنانياً