شيطنوا طرابلس.. أنتم المجرمون!
طرابلس

الأزمة عميقة. سياسية، إقتصادية، إجتماعية. التعبيرات التي نشهدها في طرابلس مجرد إشارة، لكن لا حياة لمن تنادي أو لا تنادي.

لو أعلن رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو ورئيس “الموساد” يوسي كوهين أنهما يشرفان على حراك طرابلس ويتحكمان بأدق تفاصيله، فإن السلطة السياسية في لبنان وحدها المسؤولة والمدانة. هي المجرمة وليس نتنياهو أو كوهين.

لا تبحثوا عن “الموساد” لكي تجدوا متهماً. لا تبحثوا عن رجب طيب أردوغان أو المخابرات التركية أو منتديات بهاء الحريري. إبحثوا عن مسؤوليتكم، عفواً، عن إنعدام روح المسؤولية عندكم.

هم ملثمون. فقراء. من طرابلس أو من البداوي أو من المنية والضنية أو من عكار. هم أبناء هذا البلد. هم فقراء ومعدمون ولو إنوجد من يستثمر قضيتهم. ولو إنوجد من يزوّدهم بالمفرقعات النارية. ماذا يملك هؤلاء غير الحجارة والشتائم؟ هل تريدون أن يحملوا البنادق والقنابل حتى يصبحوا وطنيين بالكامل؟

الأزمة عميقة. إنها أزمة إنعدام ثقة بين الناس وبين هذه السلطة. هذا الإنكار المتمادي. هذا الإنسحاب من الحد الأدنى. هذا الترف في التحليل والتحريم والإتهام والتجريح بكرامات اللبنانيين والدوس بها كل دقيقة وساعة، هو الجريمة.

الأزمة عميقة، ولا يظنن أحدكم أن الناس بإختبائها في بيوتها إنما تعطيكم إشارة إلى أنها لن تنتفض ولن تتحرك. لن تطالب بلقمة عيشها. بحبة دواء. بقنينة أوكسيجين. بسرير في مستشفى. بربطة خبز. ببضعة غرامات من حليب الأطفال.

لا أحد يطالبكم بفرص عمل. ولا بقروض إسكان أو قروض لمشاريع حرفية أو صناعية صغيرة. لا أحد يطالبكم بسعر كتاب أو مقعد دراسي أو جامعي. الناس تطالبكم بواجباتكم. وهل هناك من أمر أقل من ذلك؟

الأزمة عميقة وكل من يستثمر بها، إنما يستثمر في النتيجة وليس في السبب. أنتم السبب. أنتم الأزمة. من لا يؤلف حكومة ومن يتشاطر على الآخر هو السبب. هل يعقل أن رئيساً للجمهورية صار يتصرف فقط بصفته مسؤولاً عن جلٍ في البترون وهل يعقل أن شاباً في البترون لا يقيس الجمهورية إلا بطول مقامه ودوره وهيهات أن يكون رئيسا ونابوليون زمانه؟ هل يعقل أن سعد الحريري الذي ليس مكلفا، حالياً، إلا بتأليف حكومة (رئيس حكومة مكلف بماذا مثلاً)، قرر أن يصبح وسيطاً بين محمد بن زايد ورجب طيب أردوغان، تاركاً أمر التأليف إما لرئيس دولة كبرى يفرضه علينا أو لحدث لبناني كبير لا يبقي ولا يذر؟

وماذا لو قرر أهل الخارج أن يضحوا بلبنان وإستقراره بتسوية أو بإشتباك؟ وهل سننتظر حدثاً أمنياً ومأساوياً أكبر من تدمير عاصمتنا وسقوط 200 شهيد وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المهجرين أو المشلعة منازلهم ومؤسساتهم؟

بربكم قولوا لنا ماذا تنتظرون؟ هل تنتظرون موجة من الفوضى تحرق القصور والإدارات والوزارات والثكنات والمخافر وكل ما يمت بصلة إلى دولتنا غير الكريمة وطبقتنا السياسية غير العلية؟

هل يعقل أن حسان دياب وكل وزارته لم يعد يوجد على جدول أعمالهم إلا تدقيق جنائي لن يروا من نتائجه إلا إبرام عقد جديد مع شركة جديدة تعتذر كسابقتها فتفوز بالنذر اليسير من “الكاش”؟

هل يعقل أن مؤسسات عسكرية وأمنية يفاوض قادتها على مخصصات وبدلات سفر للخارج في موازنة العام 2021 وكأن الدنيا بألف خير؟

ماذا عن قيادات طرابلس؟ هل المقيم منهم في المدينة يفكر بناسه أم بمركزه ونيابته ونفوذه وقادة الأحياء من جماعته؟ وهل المقيم في بيروت، يملك غير ترف السياحة أسبوعيا إلى مدينته الغارقة باالظلام والفقر والبطالة والتسرب المدرسي والجوع وكل مفردات البؤس الإجتماعي؟

لا أحد مسموحاً له أن يتنكر لما يجري في طرابلس. حزب الله نفسه مُدان لأنه القوة الأكثر قدرة على التأثير والأعجز على الفعل. كل نواب لبنان ليس مطلوباً منهم أن يتسمروا على الشاشات يراقبون حراكاً ما زال بعيداً عن كراسيهم.

كل لبناني هو جزء من طرابلس اليوم. من نزلوا إلى الشارع أكثر جرأة من غيرهم. تحدوا كورونا والمطر والبرد. هم أكثر تحرراً لأنهم أكثر فقراً في زمن الغيتوات الإجتماعية والصحية والغذائية.

طرابلس فقط بالإسم عاصمة ثانية. دفعت ثمن الإستقلال بنزعها عن إمتدادها الطبيعي بلاد الشام، فلا عادت سورية ولم يتعاملوا معها كمدينة لبنانية. لا المرفأ كان أولوية ولا المعرض ولا تجارتها أو صناعاتها أو ناسها. هذه مدينة مهمشة بالولادة. مدينة معاقبة بالتكوين. أرادوها أن تكون خزاناً للفقر وصندوقة إنتخابية لكل موسم إنتخابي. صار أهل السياسة فيها يتقنون اللعبة الإنتخابية البهلوانية ذاتها. يكفي أن تصرف في سنة الإنتخابات بعض الفتات، فينسى الفقراء كيف عاقبتهم وأدرت ظهرك لهم طوال أربع سنوات. أين المشاريع الإنتاجية؟ أين المستوصفات؟ أين يذهب الذين يتسربون سنويا من المدارس والمعاهد؟ أين يقضي العاطلون عن العامل أوقاتهم؟ أين التوظيف وأين التضامن الإجتماعي بأدنى صوره؟

إقرأ على موقع 180  الصين تصعد.. أمريكا تنحدر وأوروبا قلب النظام الدولي على حالها

أهل طرابلس وكل من نزل إلى عاصمة لبنان الثانية هم لبنان الحقيقي. لم يعد السكوت مقبولاً. فليبادر ميشال عون إلى المصادقة على تشكيلة سعد الحريري ولينصب له، إذا أراد، كميناً في مجلس النواب، فينتزع منه التكليف. فليبادر سعد الحريري إلى تقديم تشكيلة على قياس جبران باسيل، وليبادر، إذا أراد أو كان واثقاً بنفسه، إلى حجب الثقة عنها في مجلس النواب. قدّموا موعد الإنتخابات الرئاسية. لنذهب إليها الآن، وعلى وجه السرعة، بدل رهن البلد سنتين للفراغ الرئاسي الآتي حتماً وللفراغ النيابي الذي سيغرق البلد في الوحل أكثر فأكثر.

هذه الطبقة السياسية إنتهى مفعولها وإنتهت صلاحيتها. أعطونا صيغة سياسية من زمن السلطنة العثمانية أو الإنتداب الفرنسي أو العصر الحجري وليس حتى من زمن الجمهورية الأولى، وكونوا على ثقة أنها ستؤدي إلى بناء جمهورية فاضلة، لكن على أيدي سياسيين جدد بكل معنى الكلمة، لكن ليس على يد هذه الطبقة السياسية التي لو أعطيتها جمهورية ثالثة أو عاشرة ستجعلها ركاماً.

قال أحد ظرفاء طرابلس لأغنياء المدينة، في يوم من الأيام إن المطلوب منكم هو أمر واحد: تنظيم هروب شباب المدينة باليخوت الفخمة التي تملكونها بدل أن يموتوا في عرض البحر.

Print Friendly, PDF & Email
حسين أيوب

صحافي لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  سيولة زلزالية تطغى على المشهد الرئاسي التركي!