خريطة طريق عربية لإطلاق مفاوضات السلام في الشرق الأوسط

أثرنا منذ أسبوعين السؤال حول ما إذا كانت «القضية الفلسطينية» ستعود من جديد إلى جدول الأولويات الإقليمية، فى شرق أوسط يعيش على صفيح ساخن من الحروب والأزمات، ليس على مستوى الخطاب والشعار بالطبع بل على مستوى الفعل السياسي والدبلوماسي.
أثرنا ذلك غداة اللقاء الوزارى الرباعى المصرى الأردنى الفرنسى الألمانى فى القاهرة. وأشرنا حينذاك إلى العديد من الشكوك المشروعة، بناء على تجارب الماضى القريب والبعيد، بشأن تلك العودة. لكن الدعوة المشتركة المصرية الأردنية لعقد دورة غير عادية لمجلس وزراء الخارجية العرب فى الثامن من هذا الشهر، بعد إجراء العديد من المشاورات العربية تحضيرا لذلك، يدل على وجود قناعة وبالتالى قرار بإطلاق هذا المسار من خلال توفير الدعم والإطار العربى الضرورى له.

جملة من الأسباب تدفع بهذا الاتجاه:
أولا: استمرار تجاهل «الملف الفلسطينى» سيؤدى إلى جعله بشكل أكبر ورقة جذابة وجاذبة تحت عناوين أيديولوجية وسياسية عديدة فى الحروب الدائرة فى الشرق الأوسط ومنها الحروب الأهلية العابرة للدول بعناوينها وتنظيماتها المختلفة، توظف فى حروب وصراعات واستراتيجيات «لعبة الأمم» المستمرة.
ثانيا: إن الدول الواقعة فى الجغرافيا السياسية المباشرة للصراع تتحمل فى مختلف المجالات جميع تداعيات وتكاليف هذه الحروب، ولكن الدول العربية الأخرى تطالها أيضا هذه التداعيات ولو بشكل غير مباشر أحيانا عبر التحديات الأخرى التى تواجهها.
ثالثا: هنالك موقف أوروبى واضح لدعم التسوية السلمية للنزاع بسبب تداعياته غير المباشرة أيضا على القارة الأوروبية الجارة. ويبرز ذلك بشكل خاص من خلال موقف ودور ما يعرف بـ«القاطرة» الأوروبية (الثنائى الفرنسى الألمانى) إلى جانب وجود تأييد دولى واسع للتسوية السلمية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. لكن هذه المواقف بحاجة دائما لدور فاعل لتحويلها إلى سياسات فعلية حاملة لنتائج على الأرض.

لا مفاوضات جدية إذا لم تكن تحت رعاية الأمم المتحدة وبمواكبة فعلية من الرباعية الدولية، التى يمكن، فى ظل الدروس والمستجدات العديدة، توسيعها لضم دول أخرى قادرة وراغبة فى أن تساهم فى العمل على تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل

رابعا: الإدارة الأمريكية الجديدة لا تتبنى «صفقة القرن» ــ التى ولدت ميتة ـ وهى تعود إلى الموقف التقليدى المؤيد للقرارات الدولية دون أن يعنى ذلك العمل على تفعيلها. وهذا ما يفتح الباب أمام ضرورة التوجه العربى نحو واشنطن، مع التذكير أن هذا الملف ليس على سلم الأولويات الأمريكية حاليا، للدفع باتجاه جعل هذا الملف ضمن الأولويات الإقليمية.
خامسا: فى إطار «عودة الروح» الدولية لهذا الملف، تعمل روسيا للدعوة لعقد اجتماع للرباعية الدولية (الأمم المتحدة، الولايات المتحدة، روسيا والاتحاد الأوروبى) فى موسكو فى الربيع أو الصيف القادم بمشاركة المملكة العربية السعودية بصفتها صاحبة مبادرة السلام العربية التى اعتمدت فى القمة العربية فى بيروت ٢٠٠٢، بما تحمل تلك الدعوة من معانٍ عديدة بشأن مسار السلام المطلوب إحياؤه.
المطلوب من الاجتماع العربى أن يشكل استثناء عن الاجتماعات العربية كما كان مجملها. وهو بالطبع ما يهدف إليه صاحبا الدعوة أساسا. المطلوب إلى جانب إعادة التأكيد على مرجعيات السلام الشامل، وللتذكير على «المسارات الثلاثة»، الفلسطينى والسورى واللبنانى، العمل على بلورة عناصر لخريطة طريق عملية للتفاهم بشأنها مع أطراف الرباعية الدولية. وللتذكير هنالك مسئولية أممية ودولية يجب أن تفرض على إسرائيل احترام القرارات الدولية ذات الصلة. فهذا شرط أكثر من ضرورى لأى مفاوضات ذات مصداقية.
وللتذكير أيضا، ففى نهاية شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم تكون قد مرت عقود ثلاثة من الزمن على مؤتمر مدريد للسلام وما نتج عنه. وهنالك الكثير من الدروس والعبر التى يجب الاستفادة منها، فلا مفاوضات جدية إذا لم تكن تحت رعاية الأمم المتحدة وبمواكبة فعلية من الرباعية الدولية، التى يمكن، فى ظل الدروس والمستجدات العديدة، توسيعها لضم دول أخرى قادرة وراغبة فى أن تساهم فى العمل على تحقيق السلام الشامل والدائم والعادل المطلوب والذى يؤسس للاستقرار والسلم الإقليمى (المصدر: “الشروق“).

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  ماذا إذا أشهر "الناتو" المادة 5 تهديداً أم تفعيلاً!
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  شيطنوا طرابلس.. أنتم المجرمون!