لبنان بين حربَي 1982 و2024.. المضمونُ السّياسيّ نفسه؟

كثيرٌ ممّا يحدثُ في هذه الأيّام يُشبه لحظات محاولات الانقلاب السّياسيّ الكبرى التي عرفها لبنان منذ عام ١٩٤٨ عموماً، وتحديداً لمصلحة الأميركيّ وحلفائه وأدواته في المنطقة.. وعلى رأسها الكيان الإسرائيليّ.

منذ اتّخاذ حكومة العدوّ بقيادة بنيامين نتنياهو القرار بتوسيع الحرب على لبنان، الشّهر الماضي، ومنذ وضعت هدفاً رابعاً مزعوماً لحربِها على غزّة، وهو هدف “إعادة السّكّان إلى الشّمال”، دخلنا، بالفعل، في محاولة انقلابيّة من خلال أدوات أمنيّة وعسكريّة إسرائيليّة وأميركيّة معاً. إنّها محاولة انقلابيّة على مستوى لبنان وعلى مستوى المنطقة طبعاً.

تُشبه مرحلتُنا هذه مراحل العامين ١٩٨٢ و٢٠٠٦ من زوايا متعدّدة، وتختلف معهما من زوايا أخرى متعدّدة أيضاً. ولكنّ الجوهر واحد: تغيير الشرق الأوسط؛ العبارة الشهيرة التي قالتها وزيرة خارجية الولايات المتحدة كونودوليسا رايس في صيف ٢٠٠٦ والتي دشّن بها نتنياهو مرحلة ما بعد إستشهاد سماحة الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله.

وما بين لبنان ١٩٨٢ ولبنان ٢٠٢٤، ثمة مشتركات: استخدام القوّة العسكريّة الإسرائيليّة ظاهراً، بهدف قلب التّوازنات الدّاخليّة اللّبنانيّة لمصلحة الأميركيّ وحلفائه. وعندما نتحدّث عن قلب التّوازنات في لبنان، فنحن أيضاً نتحدّث، وبطبيعة الحال، عن محاولة قلبها على مستوى الإقليم ككلّ كما أشرنا: مُجدّداً، لمصلحة الأميركيّ والإسرائيليّ وحلفائهما المباشرين وغير المباشرين.

الاسرائيليّ يضربُ أمنيّاً وعسكريّاً واجراميّاً… بتدخّل عمليّاتيّ أميركيّ أصبح مباشراً وملموساً إلى حدّ بعيد.

تتحرّكُ الدّبلوماسيّة الأميركيّة لمساندة العدوان الاسرائيليّ وأهدافه… عالميّاً واقليّميّاً ولبنانيّاً.

يتحرّكُ حلفاء أميركا في المنطقة، كلّ حسب قدرته، أيضاً لمساندة هذه الأهداف.

تتحرّكُ بعض وسائل الاعلام والتّشويش، العربيّة واللّبنانيّة بشكل خاصّ… أيضاً في نفس الاتّجاه، وكلّ حسب الدّور الذي أُوكل إليه.

تتحرّك، وللأسف، بعض الجهات اللّبنانيّة المتحالفة مع الأميركيّ… أيضاً في نفس الاتّجاه الانقلابيّ العامّ على مستوى البلد.

كلمة واحدة تختصر المشهد اللّبنانيّ خصوصاً، والاقليميّ إلى حدّ بعيد، وللأسف: إنّها الحرب. والكلمة في الحرب للميدان أوّلاً: برجالِهِ (الظّاهرين والباطنين) وبأدواته المادّيّة (وغير المادّيّة) وبتوقيتِه وبمواقيتِه

منهم من يستطيع البَوح، ومنهم من لا يستطيع إلى ذلك سبيلا. ومنهم من يختبئ وراء شعارات مثل تحييد لبنان، أو مثل حماية السّلم الأهليّ والوحدة الوطنيّة و”الوسطيّة” (إلى ما هنالك من أدوات اللّغة الخشبيّة اللّبنانيّة الدّاخليّة. بالمناسبة، ليس هناك “وسطيّون” حقيقيّون في لبنان، ولكنّني أعتقد أنّ أغلبَنا واعون لذلك).

تتحرّك، كما سبق وأشرنا، أدوات الإعلام “التّشويشيّ” والتّحريضيّ في لبنان.

تبدو تحرّكات الأميركيّ الدّبلوماسيّة والسّياسيّة (والماليّة حسب بعض الإشارات) تصبّ في خانة ما يعتبرونه الإستعداد إلى مرحلة “ما بعد القضاء على المقاومة”.

في غياب أي طبقة سياسيّة بديلة وجدّيّة (حتّى الآن).. يبدو أنّهم يُخطّطون للمجيء ببضاعتهم القديمة، بمختلف تجلّياتها.

هل ينفعُ الكلامُ والكتابةُ أكثرَ من ذلك اليوم؟

لا أعتقد. كلمة واحدة تختصر المشهد اللّبنانيّ خصوصاً، والاقليميّ إلى حدّ بعيد، وللأسف: إنّها الحرب.

والكلمة في الحرب للميدان أوّلاً: برجالِهِ (الظّاهرين والباطنين) وبأدواته المادّيّة (وغير المادّيّة) وبتوقيتِه وبمواقيتِه.

شِئنا أم أَبينا: هذه هي الحقيقة التي يتكرّر تجلّيها في الواقع اللّبنانيّ عبر محطّات التّاريخ المعاصر للأسف.

إنّها الحرب: أَلا إنّه زمنُ الوَغَى والهَيْجاء.

ولا معنى لانتظارِ “الخبر” من غير الميدان… ومن غير ما سينتج عن الميدان (أي، من وجهة نظر فريق المقاومة ما سينتج ضمن إطار صمود هذه الأخيرة، ومنع العدوّ عن تحقيق أهدافه الكُبرى من خلال هذه الحرب).

لا أعتقد أنّ هناك ضرورةً للإطالة أكثر. فصيرورة المعادلات وكيفيّة تحرّكها… واضحةٌ جدّاً في هذه المرحلة.

ربّما نختمُ بإنشاد أحمد بن الحسين الكوفيّ (المُتنبّيّ) لسيف الدّولة الحَمَدانيّ، ضمن واحدة من أعظم قصائِدِه الحربيّة الطّابع:

أتَوْكَ يَجُرّونَ الحَديدَ كَأَنَّهُمْ

سَرَوا بِجِيادٍ ما لَهُنَّ قَوائِمُ

إِذا بَرَقوا لَم تُعرَفِ البِيضُ مِنهُمُ

ثِيابُهُمُ مِن مِثلِها وَالعَمائِمُ (…)

وَمَن طَلَبَ الفَتحَ الجَليلَ فَإِنَّماْ

مَفاتيحُهُ البِيضُ الخِفافُ الصَّوارِمُ!

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  يحدث في الغُربة.. كيفية تنشئة أبناء المهاجرين؟
مالك أبو حمدان

خبير ومدير مالي، باحث في الدراسات الإسلامية، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ماركس، الماركسيون.. المتمركسون