ها هي لجين الهذلول تعيش تجرية جديدة في بلدها. تحاول أن تتساوى في الحقوق والواجبات مع الرجل. أن تكون لها حرية التجول واللباس وقيادة السيارة. أن تختبر قدرتها في التعبير عن رأيها والتضامن مع معتقلي الرأي. نالت حريتها ولكنها ستبقى لثلاث سنوات “رهن الاختبار والمراقبة، ومحظور عليها السفر لخمسة أعوام، بمعنى أنه ستبقى معلقة، وطوال ذلك لن تتمكن من التعبير عن رأيها”، كما تقول الأكاديمية السعودية مضاوي الرشيد، في مقالة لها في “ميدل إيست آي”، غير أن الحضانة الحقوقية وحتى السياسية دولياً، ستجعل هوامش تعبيرها، ربما أوسع مما يعتقد كثيرون.
هذه الناشطة النسوية السعودية حظيت في عهد الديموقراطي باراك أوباما (2009ـ 2017) بالتنويه بنشاطها الهادف إلى التغيير الاجتماعي في المملكة عبر تحصيل حقوق النساء، إلا أن خلفه الجمهوري دونالد ترامب لم يبد أي اهتمام بسجناء الرأي. كان “متسامحاً” مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بما في ذلك مع جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، برغم عاصفة ردود الفعل الدولية التي أثارتها، إلا أن دعوة بايدن ـ الرئيس لإطلاق سراح الناشطين السياسيين والحقوقيين في السعودية، كانت رسالة علنية حددت شروط العلاقة المستقبلية بين البلدين، وأول حروفها الحرية للجين الهذلول.
إعتقال، تعذيب وتحرش
اشتهرت لجين في حملة “سأقود سيارتي بنفسي”، لكن نشاطها انطلق قبل ذلك. بدأت ببث مقاطع فيديو عبر منصة تواصل معطلة حالياً تسمى “كيك”، حول قضايا نسوية. نشرت لجين مقاطع الفيديو هذه، بهدف تمكين الناس من مشاركتهم الكثير من آرائها. فنالت نصيبها من التنمر والمضايقات بسبب تلك الفيديوهات، لكن ردها كان المزيد من الإصرار. سجنت في العام 2014، بعد توقيفها في نقطة حدودية إماراتية ـــ سعودية بسبب قيادتها سيارة برخصة إماراتية، وأرسلت مع عدد من النساء اللواتي كن يشاركن في الإحتجاج إلى دار “للرعاية” بتهمة “عصيان” أولياء أمورهن من الذكور، في مرحلة من مراحل التوقيف، قبل أن يطلق سراحها. لم يمض وقت حتى كانت لجين تنظم في تموز/ يوليو 2016، حملة لإنهاء “نظام ولاية الرجل”، عن طريق إرسال برقيات وعريضة إلى الملك سلمان غداة توليه العرش خلفاً لعبدالله بن عبد العزيز. جمعت العريضة أكثر من 14000 توقيع، ووصفت “هيومن رايتس ووتش” موجة 2016 بأنها “مذهلة وغير مسبوقة” في السعودية.
وحسب شقيقتيها لينا وعلياء، إختفت لجين في آذار/ مارس 2018، عندما حاصرت الشرطة الإماراتية السيارة التي كانت تقودها واختطفتها وجرى تسليمها إلى السعودية. “تم وضع أختنا رهن الاعتقال في المملكة العربية السعودية لبضعة أيام، ثم أطلق سراحها ومنعت من السفر”، تقول الشقيقتان.
تمكن والد لجين من زيارتها في السجن. فحكت له عن الطريقة التي نقلوها فيها من سجن “ذهبان” في منتصف الليل، إلى ما يعرف بـ”الفندق”. سمته “قصر الرعب”. قالت لجين إنها اقتيدت معصوبة العينين ورميت في مؤخرة السيارة إلى ذلك المكان السري. وذكرت أن جلسات التعذيب كانت تحدث في الطابق السفلي للقصر
في 15 أيار/ مايو 2018، تم القبض على لجين من جديد، مع نشطاء آخرين يدافعون عن حقوق المرأة. بعد أسابيع قليلة من اعتقالها، حصل رفع حظر القيادة عن النساء، ودخل حيز التنفيذ. واكتشف لاحقًا أن لجين تعرضت للتعذيب النفسي والجسدي والتحرش الجنسي والتهديد بالاغتصاب وتقطيع جسدها إلى أشلاء وإلقائها في شبكة الصرف الصحي. وظلت في الحبس الانفرادي معظم فترة احتجازها التي استمرت قرابة ثلاث سنوات بينها أكثر من سنة بلا محاكمة، إلا أن السلطات السعودية ظلت تنفي ممارسة التعذيب، برغم التقارير الدولية التي تحدثت عن دور رئيسي لعبه المستشار سعود القحطاني في الإشراف على ملف تعذيبها والتحقيق معها، وهو الشخص نفسه الذي تبين أنه المتهم الرئيسي في قضية خاشقجي.
في أوائل 2020، نطقت محكمة سعودية بحكم ضد لجين الهذلول بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر، وتم احتساب الحكم بسجنها منذ احتجازها لأول مرة من قبل السلطات في أيار/ مايو 2018، ووفقا للسلطات السعودية فقد تم تكييف جريمتها قانونيا ضمن أحكام مواد “مكافحة الإرهاب بتقويض الأمن القومي ومحاولة تغيير النظام السياسي للبلاد”. هكذا وجدت لجين نفسها وقد تم إلباسها لبوس “الإرهابية”.
أثناء فترة سجنها، تبنت قضيتها عدة منظمات حقوقية في العالم، مثل “الأمنيستي أنترناسيونال” و”هيومان رايتس ووتش”. وتحدثت لينا الهذلول عن شقيقتها لجين ووصفتها بـ”بطلة حقوق المرأة في السعودية”، لأن جزءا كبيرا من نشاطها كان التركيز على مسألة “ولاية الرجل”، وحق المرأة في قيادة السيارة. كما دعمت لجين قضية النساء المعنفات في السعودية، وكانت تشتغل قبل اعتقالها على تأسيس ملجأ لضحيات العنف الأسري. وقد اضطر بعضهن إلى الهرب، مثل رهف القنون (18 سنة) التي لجأت إلى كندا. وأكدت شقيقتها لينا الهذلول أن فكرة “ملجأ المعنفات”، كانت “أحد أسباب احتجاز لجين”.
“الفندق” أو “قصر العرب”
كانت لجين إحدى الرافضات لنظام ولاية الرجل الساري بأشكال مختلفة، فلم يكن يسمح للنساء السعوديات بالسفر إلى الخارج دون محرم، ولم يكن يحق لهن الحصول على وثائق رسمية، كجواز السفر أو تسجيل زواج أو طلاق، وحتى الهوية التي لم تلزم باستخراجها إلا في العام 2012، الا انه جرى لاحقا السماح بمشاركة النساء في المجال السياسي، وضمنه التقدم للانتخابات بالتصويت والترشيح، حيث سعت لجين الهذلول إلى الترشح، فتم استبعادها بعدم تسجيل اسمها في قوائم الاقتراع.
كانت لجين “تفكر بالآخرين”، أثناء إعتقالها، “أكثر من اهتمامها بنفسها”، حسب شقيقتها لينا، وتضيف “كانت تحزنني فكرة أنها تخفي عنّا ألمها، وفي كل مرة كنت أسألها فيها عن قضيتها، كانت تقول إنها لا تستطيع الإجابة”.
خلال فترة اعتقالها، اعلنت الهذلول إضرابا عن الطعام في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، احتجاجا على ظروف اعتقالها. وقالت أسرتها حينذاك إنها أُجبرت على التخلي عن الإضراب عن الطعام بعد أسبوعين، لأن الحراس كانوا يوقظونها كل ساعتين.
وقبيل إطلاق سراحها (10 شباط/ فبراير 2021) بفترة قصيرة، تمكن والد لجين من زيارتها في السجن. فحكت له عن الطريقة التي نقلوها فيها من سجن “ذهبان” في منتصف الليل، إلى ما يعرف بـ”الفندق”. سمته “قصر الرعب”. قالت لجين إنها اقتيدت معصوبة العينين ورميت في مؤخرة السيارة إلى ذلك المكان السري. وذكرت أن جلسات التعذيب كانت تحدث في الطابق السفلي للقصر.
وأوضح وليد، شقيق لجين المقيم في كندا، أن أحد المحققين قال لشقيقته السجينة: “إن لم تتزوجيني سأغتصبك”، مشيراً إلى أن شقيقته تلقت عروضاً من المحققين بالعمل لصالحهم، ولا سيما ملاحقة النساء السعوديات اللاتي بالخارج واستدراجهن إلى السعودية، ويقول إن لجين رفضت هذه العروض “ولأجل ذلك، كانت المعاملة تسوأ شيئاً فشيئاً”.
ثمة توجس لدى المنظمات الحقوقية الدولية من إعادة اعتقالها بتهم باطلة، خصوصا أنها وعائلتها أعلنوا أنهم سيستمرون في الدفاع عما آمنوا به
وبعيد إطلاق سراحها، كشف شقيقها وليد أن سبب إخفاء شقيقته عن عائلتها هو تعرضها للتعذيب في فترة إيداعها السجن السري، وأنها كانت مهددة في حال أفشت ذلك إلى أهلها عبر الهاتف، موضحا: “قالت لي وش أسوي، حاطين الصاعق الكهربائي على أذني، ولو قلت أي شيء عن التعذيب راح يصعقوني بالكهرباء”. وأكد على ضرورة محاسبة من عذبوا لجين بتقديمهم للعدالة، وبينهم سعود القحطاني، ورفع حظر السفر عن لجين وجميع أفراد الأسرة وتعويض لجين عما لحق بها من تهم باطلة وتشهير”.
وقد اكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن القرار السعودي الذي يمنع الهذلول من السفر والخضوع لحكم مع وقف التنفيذ، يتيح للسلطات إعادتها إلى السجن في أي وقت لأي “نشاط إجرامي” مُتصوَّر.
لجين وفهد البتيري
لجين كانت متزوجة من الفنان فهد البتيري، وقصة الحب بين الاثنين كانت حديث السعوديين منذ اقترانهما عام 2014، فلجين كانت معروفة بنشاطها الحقوقي ضد حظر قيادة المرأة للسيارة، وفي المطالبة برفع الولاية عنها، بينما اشتهر البتيري بعروضه الكوميدية، خصوصا على اليوتيوب. وبسبب اختيارهما نمط حياة متحرّر عما هو مألوف في بلدهما، تعرّضا معاً لحملة انتقادات كبيرة. واشتهر الاثنان بالكثير من المنشورات التي وثقت لحياتهما الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، كما دافع البتيري عن زوجته في وجه بعض من انتقدوها.
لكن قصتهما واجهت عواصف المحافظين، واصطدمت بجدران السياسة، فقد نشرت عدة وسائل إعلامية أنباء عن ضغوط مورست على الزوج البتيري، وقد تمّ الطلاق بعد اعتقال لجين في أيار/ مايو 2018. وحتى دخول البتيري إلى السعودية لم يكن عادياً، إذ نقلت “الواشنطن بوست”، أنه اختطف من فندق بالأردن، ونُقل إلى بلاده.
تُردد عائلة لجين الهذلول أن الإبنة التي غزا الشيب شعرها خلال الإعتقال ونقص وزنها كثيراً، ستبقى متمسكة بمبادئها، لكن ثمة توجس لدى المنظمات الحقوقية الدولية من إعادة اعتقالها بتهم باطلة، خصوصا أنها وعائلتها أعلنوا أنهم سيستمرون في الدفاع عما آمنوا به وكشف الظلم والممارسات غير القانونية بحق المدافعين عن حقوق الإنسان.