لا يوجد إجماع في وجهات النظر في إيران على مقاربة فوز الرئيس الأميركي جو بايدن. ثمة إختلاف في وجهات النظر بين الإصلاحيين ومن ورائهم الحكومة وبين المحافظين ومن ورائهم أغلبية البرلمان.
يعتقد الإصلاحيون والمعتدلون أو حكومة الرئيس حسن روحاني أن وصول بايدن إلى الحكم “يشكّل فرصة هامة بالنسبة لإيران”. فرصة “أمام تعامل إيجابي بين إيران وأميركا في الأشهر أو السنوات المقبلة”، وذلك طبعاً بعد عودة الولايات المتحدة إلى الإتفاق النووي وإلغاء العقوبات الإقتصادية التي فرضتها على طهران وإلتزام كافة الأطراف المعنية بتعهداتها المنصوص عليها في الإتفاق النووي.
في المقابل، يعتقد المحافظون أنه لا يوجد فرق بين بايدن وترامب وأن الإدارة الجديدة “ستكون كسابقتها لجهة السعي إلى كبح جماح إيران وتعزيز قدرات إسرائيل وحلفائها الجدد في المنطقة”. هذا التيار الذي يسيطر على الأغلبية العظمى من مقاعد البرلمان الايراني يتبنى مواقف متشددة ضد أميركا ولا يثق إطلاقاً بإدارة بايدن، وخير دليل على ذلك القانون الذي تم تصويبه في البرلمان الايراني، غداة إغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وأدى إلى إلزام حكومة روحاني برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى عشرين بالمائة، كما أن تنفيذ جميع بنود هذا القانون في حال عدم التزام الدول الأوروبية بتعهداتها في الإتفاق النووي، سوف يؤدي إلى إنهيار الإتفاق النووي بشكل كامل.
لذلك من الواجب أن ننتظر بعض الشيء لكي يتبين لنا أيٌ من وجهتي النظر هي الأكثر صوابية، ولعل المفتاح ليس في طهران بل في واشنطن. السبب بسيط وهو أن نعرف ما إذا كان الرئيس بايدن يريد العودة إلى الإتفاق النووي وبالتالي إلغاء العقوبات التي فرضتها الإدارة السابقة على طهران أم لا؟
بشكل عام، الكرة الآن هي في ملعب الرئيس الأميركي الجديد. قراره سوف يُنعش العلاقات مع طهران أو يزيدها سوءاً، وهذا الأمر سيتضح خلال الأيام والأسابيع المقبلة من دون أدنى شك.
الملف النووي
ومثلما يمكن للملف النووي أن يكون القلب النابض في العلاقات الإيرانية الأميركية، يمكن أيضاً أن يكون بمثابة قنبلة موقوتة في مسار هذه العلاقات التي لم تستقم منذ تاريخ الثورة الإيرانية في العام 1979.
أولاً؛ يكون الملف بمثابة القلب النابض، إذا أرادت أميركا العودة إلى الإتفاق النووي وبالتزامن مع ذلك، يُصدر بايدن قراراً يلغي بموجبه ألف وخمسمائة عقوبة فرضتها إدارة ترامب على إيران. في مقابل ذلك، تلتزم طهران بكافة تعهداتها بموجب بنود الإتفاق النووي، وفي هذه الحالة، سوف نكون أمام ربيع جديد في العلاقات الإيرانية الأميركية، وربما تتطور الأمور في المستقبل إلى المزيد من التعامل مع ملفات أخرى غير الملف النووي.
ثمة إجماع بين الإيرانيين، من إصلاحيين ومحافظين، بأن الخطوة الأولى يجب أن تكون من طرف بايدن وتضمن العودة للإتفاق وإلغاء كافة العقوبات الإقتصادية “ووقف الحرب الإقتصادية الشاملة”
ثانياً؛ يكون الملف النووي بمثابة قنبلة موقوتة، إذا أثبتت الإدارة الأميركية الجديدة أنها غير راغبة بالعودة إلى الإتفاق النووي أو إذا أصرّ بايدن على أن تكون عودة بلاده إلى الإتفاق النووي مشروطة بالتفاوض على ملفات أخرى، مثل البرنامج الصاروخي الإيراني أو علاقات إيران الإقليمية. إيران ترفض مثل هذا السيناريو بشكل نهائي، ويؤكد جميع المسؤولين في إيران أنهم لا يوافقون على التفاوض حول قدرات إيران الدفاعية. في هذه النقطة تحديداً، ثمة إجماع بين الإيرانيين، من إصلاحيين ومحافظين، بأن الخطوة الأولى يجب أن تكون من طرف بايدن وتضمن العودة للإتفاق وإلغاء كافة العقوبات الإقتصادية “ووقف الحرب الإقتصادية الشاملة”، على حد تعبير الحكومة الايرانية في مناسبات عديدة.
رسالة ظريف للأميركيين
في هذا السياق، لا بد من تسليط الضوء على مقالة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في موقع “فورين أفيرز” الأميركي، في الثاني والعشرين من كانون الثاني/ يناير الجاري، وهي ليست مقالة صحفية بل رسالة إيرانية واضحة وصريحة ومذيلة بتوقيع محمد جواد ظريف إلى الإدارة الأميركية الجديدة وأيضاً إلى حلفاء واشنطن الأوروبيين، في معرض إتمام الحجة على شركاء الولايات المتحدة في الإتفاق النووي.
وقد كثرت التوقعات والتحليلات في الآونة الأخيرة حول نوايا بايدن: يعود أو لا يعود إلى الإتفاق النووي؟
ثمة رأي وازن في الإدارة الأميركية الجديدة يقول إن بايدن يريد العودة إلى الإتفاق، ولكن بشروط جديدة تشمل برنامج إيران الصاروخي ونفوذها الإقليمي. بهذا المعنى، جاءت مقالة الدبلوماسي الإيراني العريق محمد جواد ظريف لكي تضع النقاط على الحروف. قال ظريف إن الرئيس الأميركي الجديد أمامه فرصة واحدة لإنقاذ الإتفاق النووي وهي إلغاء جميع العقوبات التي تم فرضها على طهران ومن دون أي شروط، وبعدها أيضاً يجب أن يدرس الأعضاء الآخرون في الإتفاق النووي ما إذا كانوا سوف يوافقون على عودة أميركا إلى طاولة الإتفاق النووي التي غادرتها قبل أكثر من سنتين أم لا؟
بدوره، جزم ظريف بأن طهران لن تقبل بأي شكل من الأشكال الخوض في أية مفاوضات جديدة حول الملف الصاروخي أو النفوذ الإقليمي كشرط لعودة أميركا إلى الإتفاق النووي. طبعاً خاطب وزير الخارجية الايراني الإدارة الأميركية بأنه حان الوقت لكي تتخلى عن فكرة أن إيران لا يحق لها ما يحق للآخرين. فالولايات المتحدة ودول أوروبية عديدة تقوم ببيع أطنان من الأسلحة المدمّرة إلى السعودية والإمارات، وفي الوقت ذاته، تطالب طهران بالتوقف عن إنتاج الأسلحة التي تمكّنها من الدفاع عن نفسها، وهذا الأمر لن يحصل، كما يقول ظريف.
ويدرك الأميركيون أن طهران، كانت قد رحّبت مراراً، بلسان ظريف وغيره، بأية مبادرة من شأنها فتح باب الحوار والتفاوض بين دول المنطقة من أجل تخفيض منسوب التوتر بينها وبناء جسور من الثقة بينها، ولكن ظريف أكد أن هذه المفاوضات يجب أن تكون من دون أية تدخلات أجنبية.
وهنالك نقطة أخرى هامة أشار إليها ظريف في مقالته، وهي أن إدارة بايدن ليس أمامها الكثير من الوقت لإحياء الإتفاق النووي، في إشارة ضمنية إلى القانون الأخير الذي أقره البرلمان الايراني والذي يلزم الحكومة بإيقاف العمل بالبروتوكول الإضافي في الإتفاق النووي في العشرين من شباط/ فبراير المقبل، وبالتالي خفض التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيقاف الكاميرات التابعة للوكالة التي ترصد نشاطات إيران النووية بشكل مباشر وعلى مدار الساعة، إذا لم تلتزم أميركا والدول الأوروبية بتعهداتها الإقتصادية تجاه طهران خلال الأسابيع القليلة المتبقية، ولعل واشنطن تدرك أنه بعد إنقضاء تاريخ 20 شباط/ فبراير، سيدخل الإتفاق النووي في نفق يصعب إخراجه منه بعد ذلك.
وماذا عن المحادثات الإقليمية؟
لقد كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن ضرورة إشراك السعودية وباقي دول الخليج في أية مفاوضات لإعادة إحياء الإتفاق النووي. هنا ينبغي القول إن طهران ترفض أصل التفاوض على الإتفاق، ولو أرادت أن تفعل ذلك، لكانت إستجابت للكثير من الوساطات التي تحركت بين واشنطن وطهران في زمن ترامب، لكن طالما أن العودة إلى الإتفاق ورفع العقوبات لا يجب أن تكون مشروطة، فإن أية مفاوضات بين دول منطقة الخليج، هي مطلب إيراني قبل أن تكون مطلب الآخرين، لكن بكل الأحوال، أية إنفراجات في العلاقات الإيرانية ـ السعودية (والإماراتية) ستبقى مرهونة بتطور العلاقات الإيرانية الأميركية، وثمة قراءة إيرانية مفادها أنه من دون عودة أميركا إلى الإتفاق النووي ومن دون إلغاء العقوبات الأميركية المفروضة على طهران لن يكون هنالك أي تطور إيجابي في العلاقات الإيرانية الأميركية، وبالتالي لن يكون هنالك أي تحرك باتجاه مفاوضات أو تطوير للعلاقات بين إيران ودول أخرى مثل السعودية والإمارات.