تتشابه بنية اللقاح الأميركي “جونسون أند جونسون” إلى حد كبير مع اللقاح الروسي “سبوتنيك V”. هو يحمل المادة الوراثية لفيروس كورونا المستجد داخل فيروس غير مؤذٍ للجسم. لديه هدف واحد ألا وهو إيصال هذه المعلومات إلى خلايا الجسد كي تستطيع بدورها تصنيع البروتينات الفيروسية وبالتالي تحصل ردة الفعل المناعية.
وقد أثبت هذا اللقاح نسبة حماية جيدة وصلت إلى 85% في الأميركيتين و67% في جنوب أفريقيا، والنسبة الأخيرة جيدة إذا ما قورنت مع المتغيّر الفيروسي الآتي من هذه الدولة، خصوصًا في ضوء الخوف الذي ساد الأوساط العلمية من أن يتمكّن هذا المتغيّر من قلب الطاولة على اللقاحات كلّها، كما أنّ التعامل مع هذا اللقاح من الناحية اللوجستية سهل للغاية ولا يتطلّب حفظه حرارة أعلى من 8 درجات مئوية ولا يحتاج سوى جرعة واحدة للتحصين المناعي.
وبرغم نزول اللقاح الأميركي الجديد إلى “الساحة”، لا يبدو، حتى الآن، أنّ البشرية ستستعيد أنفاسها عاجلًا أو آجلًا، بل ستبقى هذه العملية مشروطة بأمر مهم جدًا ألا وهو سرعة الانتاج والتوزيع على كافة المجتمعات بعدالة، فهذه المرّة العدالة ستكون سدًا في وجه المتغيّرات الفيروسية، لأن أيّ مجتمع يسمح بالانتشار الكبير بين أفراده سينتج لنا متغيّرات وسلالات جديدة ويعيدنا خطوات إلى الوراء.
وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن الدراسات الإحصائية الأخيرة التي صدرت في بريطانيا بعد تلقيح 80% من المسنين وحوالي الـ 30% من الفئة الأقل عمرًا، بيّنت إنخفاض نسبة الدخول إلى المستشفيات بشكل حاد (60%) ما يؤكّد أن لا خروج من هذه الكارثة سوى بالسّير نحو المناعة المجتمعية تلقيحًا.
لبنان، هل من خطة بديلة؟
أمّا في ما يتعلّق بلبنان، فيستمر توزيع اللقاحات بوتيرة بطيئة جدًا. بحسب المقدّر، قد لا تنتهي حملة التلقيح هذه خلال سنوات خمس، إذا استمرت على هذا المنوال، وهذا يبدو للوهلة الأولى ضربًا من ضروب الخيال، فالبلاد لا تحتمل إقفالًا لأيام قليلة، بسبب الضائقة الإقتصادية والمعيشية، فكيف نتكلّم عن سنوات، إذًا ما المطلوب؟
أولًا، على مستوى استقدام اللقاحات من الخارج:
ارتكبت الجهات الرسمية المعنيّة بالوضع الصحي في لبنان منذ بداية الأزمة عددًا من الأخطاء أوصلتنا لما نحن عليه الآن، فلم نقم بعقد اتفاقيات التجارب مع الشركات المنتجة للقاحات خلال المراحل الأولى، ما كان سيسهم في إنشاء خط النقل والتوزيع منذ أن بدأت الدراسات ما سيسمح في ما بعد بوضعنا على خارطة البلدان الأولى التي ستصلها الكميات المنتجة بعد أن ساهمنا في التطوير وهذا ما حدث فعلًا مع الإمارات العربية المتحدة وتركيا والكيان الإسرائيلي المحتل، حيث تتركز الدراسات في منطقة الشرق الأوسط في هذه النقاط الثلاث.
أمّا نحن، فلدينا لجنة علمية تعيد قراءة الدراسات بعد أن وافقت الجهات العلمية العليا في العالم عليها، ولن أضيف أكثر.
وعليه، علينا العمل على دبلوماسية اللقاحات للخروج من الأزمة التي نعيشها الآن والتواصل مع كلّ من نستطيع الوصول إليه في العالم لمدّنا بما عنده، بل العودة والمشاركة في الدراسات، فلمصلحة من الاستمرار بزج القطاع الخاص كلّ مرّة نريد فيها أن نستورد شيئًا ما وللمفارقة هنا ترفض الشركات العالمية في هذه الأثناء التعامل مع القطاع الخاص لأنّها تعمل وفق “أخلاقيات الجائحة” أي تريد إيصال العلاج عبر الدولة، والدولة لا تريد، لماذا، لمصلحة من؟ أين هي مافيا الدواء مما نشهده من تباطؤ لا مثيل له؟
فليكن هناك قرار سياسي واضح بإنقاذ لبنان بدل الإنصات إلى وشوشات التهديدات من هذه الكارتيلات أو تلك. فليكن الاتصال بكل دول العالم، شرقًا وغربًا، أخرجوا يد لبنان من تحت بلاطة البنك الدولي فمن غير المعقول ما يجري اليوم، هناك من يريد أن يرانا نموت ويمنعنا من الاتصال بغيره ونحن نطيع ولا نمانع
ثانيًا، لا مركزية الللقاح:
يجب الخروج من فكرة مركزية التلقيح وضرب المواعيد عبر تطبيقات الكترونية، فهناك عدد لا بأس به من اللبنانيين لا يجيدون استخدامها. يطرح ذلك إشكالية وجود بيروقراطيين يديرون الأزمة. إنّهم لا يدرون ماذا يوجد في الباحات تحت مكاتبهم، بالتالي علينا توسعة مروحة المراكز التي يمكن للناس الوصول إلى اللقاحات عبرها. هناك على سبيل المثال في لبنان 2160 صيدلية و30 مستشفى حكوميا و160 مستشفى خاصا (بحسب موقع وزارة الصحة). هناك كلّيات تمريض في مخلتف الجامعات، أي هناك عدد كبير من الكوادر التي يمكن توزيعها مناطقيًا لاطلاق حملة تلقيح واسعة.
كما يمكن الاستفادة من الساحات العامة بالتنسيق مع البلديات التي تعرف جيدًا ماذا يوجد في مناطقها لا سيّما بلديات الأطراف، ففي المملكة المتحدة يتمّ الآن تلقيح الناس في الصيدليات لزيادة المناعة المجتمعية بشكل سريع.
ثالثًا، الاستفادة من الكوادر الطبية المتوافرة:
إذا وصلنا إلى مرحلة توفر عدد كبير من اللقاحات، وهذا شرطه الأول ضرب المافيا بيد من حديد وفتح الباب أمام الشركات الخاصة لإستيراد الكميات التي تريدها (المصارف، الميدل إيست، المؤسسات العسكرية والأمنية، الجامعة اللبنانية، جامعات ومدارس خاصة عديدة، مؤسسات إجتماعية في جميع المناطق اللبنانية)، فهذا يؤدي إلى فتح مسارات عديدة ولا يبقى اللقاح محصورًا بفئات عمرية أو صحية أو قطاعية محددة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، في الجامعة اللبنانية، هناك مجمعات ومبانٍ تقريبًا في كلّ المناطق وبالتالي يمكنها الانطلاق بمسارها الخاص، وهذا المثال هنا يمكن تعميمه على معظم القطاعات في لبنان: التعليمي، الصناعي، التجاري، المصرفي.. وهنا تأتي أهميّة العيادات النقالة التي أنشأتها وزارة الصحة لا في ذهاب هذه السّيارات إلى المجلس النيابي أو القصر الجمهوري أو المجالس الملية الطائفية.
ختامًا، فليكن هناك قرار سياسي واضح بإنقاذ لبنان بدل الإنصات لوشوشات التهديدات من هذه الكارتيلات أو تلك. فليكن الاتصال بكل دول العالم، شرقًا وغربًا، أخرجوا يد لبنان من تحت بلاطة البنك الدولي فمن غير المعقول ما يجري اليوم، هناك من يريد أن يرانا نموت ويمنعنا من الاتصال بغيره ونحن نطيع ولا نمانع، حتى بحسابات الطبيعة الإنسانية وحلاوة الروح.. هذا غير منطقي وغير طبيعي.