في الرابعة.. هل يقول الإسرائيليون “وداعاً نتنياهو”؟

أن تذهب إسرائيل إلى إنتخابات عامة هي الرابعة خلال أقل من سنتين، فهذا الأمر بحد ذاته هو العنوان. سابقة تاريخية هي أوضح تعبير عن شرخ عميق أصاب الكيان العبري. شرخ يشي بأزمة هوية بمعزل عن الرابح والخاسر في الإنتخابات.

يتوجه الإسرائيليون يوم الثلاثاء المقبل إلى رابع إنتخابات عامة، في أقل من سنتين، في ظل إنقسام كبير داخل معسكر اليمين، وعدم اليقين ما إذا كانت الجولة الرابعة ستحسم عدم الإستقرار في السياسة الإسرائيلية. وهذه الجولة كسابقاتها الثلاث، سيكون عنوانها أيضاً هل سيقول الإسرائيليون “وداعاً نتنياهو”، لكن بفارق ليس ببسيط أن الجولات الثلاث السابقة حصلت في أثناء ولاية الجمهوري دونالد ترامب، بينما هذه أول جولة إنتخابية تجري غداة وصول الديموقراطي جو بايدن إلى البيت الأبيض.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي نجح بخوض حملات ممنهجة ممزوجة بخطاب شعبوي مثير للانقسام وجهد إلى تقديم نفسه كرجل دولة لا يمكن الاستغناء عنه، على رأس إسرائيل لأطول فترة من الزمن، قياساً بكل أسلافه، منذ نشأة الكيان حتى يومنا هذا، هو اليوم أيضاً محور هذه الدورة الإنتخابية.

نتنياهو المحاصر بتهم الفساد، لا يزال واثقاً من نفسه بأنه وحده المؤهل  للسلطة، مستخدماً كل ما يملك من أساليب تحايل ودهاء، للوصول إلى أهدافه، وهو الذي يريد إشعار الرأي العام الإسرائيلي أنه ضحية مؤامرة سياسية!

وعلى مدى الجولات الإنتخابية التي جرت منذ العام 1996، حتى الآن، قامت استراتيجية نتنياهو على “السلبية” من خلال تحطيم خصومه، وصولاً إلى حد القول إنهم يشكلون خطراً على أمن إسرائيل. لكن حملته الراهنة أظهرت تحولاً نحو “الايجابية” عبر الآتي:

أولاً، تسويق نجاحه في جعل كيانه يحتل الريادة في جهود التلقيح ضد وباء كورونا. ومن المرجح أن يتم تطعيم الغالبية العظمى من الإسرائيليين البالغين بحلول يوم الإنتخابات في 23 آذار/ مارس الحالي. علماً ان هذا النجاح مرده، دفع نتنياهو مبالغ أكثر من تلك التي دفعتها الدول الأخرى مقابل التلقيح المبكر، بدليل الفائض الذي توزع إسرائيل معظمه مجاناً إلى دول أخرى قبل إنتهاء صلاحيته وهي عملية شملت حتى الآن 19 دولة على الأقل!

ثانياً، رهان نتنياهو على ان التأييد الشعبي الواسع لـ”اتفاقات أبراهام” التطبيعية سيزيد حظوظه في صناديق الاقتراع. لكن استطلاعات الرأي الاخيرة تظهر ان حزبه “الليكود” سيحصل على عدد مقاعد أقل مما سجّله في الإنتخابات الماضية التي جرت قبل التهافت العربي على التطبيع.

ثالثاً، تودُّده تجاه الناخبين العرب، عبر اعتذاره العلني عن التخويف من الناخبين العرب في حملة عام 2015. وموافقته على اقامة المزيد من مراكز الشرطة في البلدات العربية لمواجهة العنف الإجرامي، ووعده بتوزير المرشح العربي نائل الزعبي المدرج على قوائم “الليكود” الإنتخابيّة في حال فوز حزبه في الإنتخابات، وعبر احداث شرخ في “القائمة العربية المشتركة”.

رابعاً، يحاول نتنياهو ببراغمتياته التطبيع سريعاً مع الإدارة الأميركية الجديدة، برغم شراكته مع ترامب في محاولة جعله يفوز بولاية رئاسية ثانية، وهو الأمر الذي أحدث وما يزال شروخاً مع الديموقراطيين.

يعاني نتنياهو من نقاط ضعف في الجولة الرابعة. فهذه هي الحملة الأولى التي يتم إجراؤها خلال المرحلة النشطة من محاكمته بتهمة الفساد، بالإضافة إلى ذلك، كانت شبكة الأمان الاقتصادية التي وضعتها حكومته للشركات الصغيرة المتضررة من جائحة “كوفيد”، ضعيفة نسبياً

ومع ذلك، فإن نتنياهو لم يتخل عن عاداته السابقة بالتشهير بخصومه، مركزا على منافسه الرئيسي يائير لبيد زعيم حزب “ييش عتيد”، وهدفه ليس فقط التشهير بخصمه اليساري الوسطي، بل أيضاً إثارة الشكوك بين ناخبي منافسيه اليمينيين جدعون ساعر المنشق عن “الليكود” ونفتالي بينيت زعيم حزب “يمينا”، وإقناعهم بأن القادة ذوي الميول اليمينية سينضمون إلى فصائل يسار الوسط ويرضخون لسياسات غير يمينية بمجرد الاطاحة به.

ومع ذلك، يعاني نتنياهو من نقاط ضعف في الجولة الرابعة. فهذه هي الحملة الأولى التي يتم إجراؤها خلال المرحلة النشطة من محاكمته بتهمة الفساد، بالإضافة إلى ذلك، كانت شبكة الأمان الاقتصادية التي وضعتها حكومته للشركات الصغيرة المتضررة من جائحة “كوفيد”، ضعيفة نسبياً. وبالمثل، يتعرض حلفاؤه المتدينون المتزمتون للسخرية لأن أقلية منهم (تحظى باهتمام دعائي كبير) تجاهلت بانتظام التدابير المتخذة في شأن فيروس كورونا. وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى أن نسبة تبلغ 52% من الناخبين اليمينيين لا يريدون إشراك المتدينين في الحكومة المقبلة. وما يزيد الطين بلة، أن اليميني المتطرف جدعون ساعر يعمل الآن مع “مشروع لينكولن”، وهي لجنة عمل سياسية أميركية شكلها الجمهوريون، وشنت حملة إعلامية ضخمة ضد دونالد ترامب، حليف نتنياهو.

ويمثل ساعر الذي اطلق “حزب الامل الجديد” (تكفاه حدشاه) بعد انشقاقه عن الليكود، التحدي اليميني الاكبر لرئيس الوزراء، وهو تعهد بعدم الدخول في ائتلاف مع نتنياهو في أي حكومة، وبرغم أن قائمته الإنتخابية تأتي من اليمين، إلّا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن العديد من ناخبيه يأتون من الوسط. وفي الواقع، يتطلع إليه الإسرائيليون ذوو التفكير الوسطي باعتباره قادراً على الوقوف بوجه نتنياهو بفضل دهائه السياسي وتجربته السابقة تحت حماية رئيس الوزراء.

إقرأ على موقع 180  ثقافة الأنظمة.. مثقفو البلاط!

ويواجه نتنياهو تحدياً إضافياً على جبهة اليمين من منافسه القديم نفتالي بينيت، الذي رفض الالتزام بالتحالف مع زعيم “الليكود” بعد الإنتخابات، وبدلاً من ذلك أعرب عن استعداده للتفكير في عروض الرابحين، الأمر الذي قد يجعله “صانع الحكومات”.

لكن نتنياهو الداهية في التكتيك والمناورة، اتخذ عدة خطوات لمنع الأحزاب من “إهدار” الأصوات لصالح اليمين، ومن ضمنها قرار مثير للجدل للغاية يقضي بتكليف مساعديه بجمع عدة أحزاب صغيرة من اليمين المتطرف معاً قبل الموعد النهائي، وصولاً إلى تسجيل هذا التجمع كحزب في 4 شباط/ فبراير. وبذلك، منح دوراً لإيتامار بن غفير، وهو سياسي مرتبط بإرث الشخصية العنصرية سيئة السمعة مئير كاهانا.

اذا اقتصرت الحكومة المقبلة على ائتلاف ضيق غير متجانس سياسيا فان الإنتخابات الخامسة ستكون على الابواب. اما الاخطر فهو تأليف حكومة تنبثق من ائتلاف يميني متطرف يحلم به نتنياهو برئاسته لتحقيق جنونه الاستيطاني والتهويدي

ومن خلال تأمين هذه المجموعة من الأحزاب اليمينية واستمالة بينيت، يمكن لنتنياهو أن يقترب جداً من جمع الـ 61 مقعداً المطلوبة للحصول على غالبية في الكنيست المكوّن من 120 عضواً، علما أن 39 لائحة تقدمت لخوض الإنتخابات، ولن تتمكن سوى 11 قائمة من دخول الكنيست، على الأرجح، حسب إستطلاعات الراي الأخيرة التي ترجح فوزاً كاسحاً لأحزاب اليمين المتطرف، علماً أن الخريطة الحزبية تتحرك بشكل حاد، صعوداً ونزولاً، وهو مؤشر إضافي على عمق الإنقسام في المجتمع الصهيوني المتعدد الإثنيات والقوميات.

وتستبعد استطلاعات الرأي الاخيرة وجود غالبية واضحة في الكنيست تسمح لنتنياهو، أو للمعسكر المعارض له، بتشكيل حكومة، إلا في حال حصول أحزاب معسكر نتنياهو، ومن ضمنها “يمينا”، على أكبر عدد من المقاعد التي توقعتها الاستطلاعات، وعندها ستدعم حكومة يشكلها نتنياهو غالبية مؤلفة من 61 عضواً في الكنيست فقط، لكن هذا الإحتمال يبدو حتى الآن ضعيفاً. بيد أن الكثير من الاستطلاعات اجتمعت على نتنياهو بصفته الأنسب لرئاسة الحكومة بحصوله على 35 في المئة تلاه لبيد بـ21 في المئة وساعر 12 في المئة وبينيت 10 في المئة.

وبحسب آخر استطلاع للرأي نشرته القناة 13، جاء ترتيب الأحزاب على النحو الآتي: الليكود 28؛ “يش عتيد” بقيادة يائير لبيد 20؛ “يمينا” بقيادة نفتالي بينيت 11؛ “تكفاه حدشاه” بقيادة جدعون ساعر 9؛ “يسرائيل بيتينو” 7 بزعامة افيغدور ليبرمان؛ “يهدوت هتوراه” 7؛ “شاس” للحريديم الشرقيين 6؛ “الصهيونية الدينية” 6؛ العمل اليساري 6؛ “ميرتس” العلماني 4 و”كاحول لافان” الوسطي (ازرق ابيض) 4.

وفي حال لم يتكمن نتنياهو من حشد الغالبية اللازمة لتأليف حكومة، فان الائتلافات الاخرى يمينية كانت ام وسطية  تفتقر إلى زعيم محفّز بعد هبوط شعبية بيني غانتس وحزب أزرق أبيض (كاحول لافان)، وقد ينتهي المطاف بسهولة بعدد قليل من هذه الأحزاب إلى عدم حصولها على العتبة الإنتخابية اللازمة لدخول البرلمان، ولا سيما اليساريين والوسط مثل حزب “أزرق أبيض”، و”العمل”، و”ميريتس”. ومن بين الأسئلة أيضاً هل ستكون “القائمة المشتركة” المتقلصة مستعدة للمشاركة في ائتلاف ضد نتنياهو برغم بقائها خارج جميع الحكومات الإسرائيلية السابقة؟ وهل ستؤيد شخصيات مثل ساعر وبينيت إحتمال الدخول في ائتلاف حكومي مع حزب “ميريتس” اليساري؟

حتى لو حدثت معجزة وحصلت هذه الاطراف على الغالبية، فالحكومة التي ستتألف ستكون غير متجانسة سياسياً وايديولوجياً، ما يثير تساؤلات حول سياساتها وإمكانية صمودها.

في النهاية، سيصوّت الكثير من الإسرائيليين مجدداً على أساس إستقطاب أساسي: من مع نتنياهو ومن ضده (ضد الفساد)، وسيتعاملون مع سياسات الوسط مقابل سياسات اليمين باعتبارها مسائل ثانوية. ونظراً إلى الحقائق المعقدة لمفاوضات الائتلاف، من غير المرجح أن تُشكل في إسرائيل حكومة جديدة فاعلة قبل شهر أيار/ مايو على الأقل. واذا تمكن نتنياهو من تجاوز صعوبات تشكيلها، بتقديم تنازلات أو بالمناورات والالتفاف على مصالح افرقائها المتنازعين في ما بينهم، فانه سيسعى إلى تشكيل ائتلاف كبير ما أمكنه ذلك، لمنع أيّ من مكوّناتها لاحقاً، من ابتزازه سياسياً. وحكومة كهذه ستكون أكثر استقراراً من الحكومة الحالية، لكن لن تغير كثيرا جديا توجّهاتها وسياساتها، وسيتلطى نتنياهو خلفها لتجاوز ملفّاته القضائية والالتفاف عليها. واذا اقتصرت الحكومة المقبلة على ائتلاف ضيق غير متجانس سياسيا فان الإنتخابات الخامسة ستكون على الابواب حتماً. اما الاخطر فهو تأليف حكومة تنبثق من ائتلاف يميني متطرف يحلم نتنياهو أن يكون برئاسته لأجل تحقيق جنونه الاستيطاني والتهويدي في القدس والضفة.

Print Friendly, PDF & Email
أمين قمورية

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  ثقافة الأنظمة.. مثقفو البلاط!