نتنياهو يحشر ترامب بين “الخيار الليبي” والحرب مع إيران!

لم يستطع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التزام الصمت حيال المفاوضات الأميركية-الإيرانية، فأعلن في وقت سابق من الأسبوع المنصرم أن السقف الذي يرضيه في أي اتفاق نووي محتمل بين إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وطهران، هو "النموذج الليبي" (إزالة البرنامج النووي برمته)، ليس أقل من ذلك.

يُحاذر نتنياهو منذ الصدمة التي أصيب بها في البيت الأبيض الشهر الماضي، مع إعلان ترامب عن بدء التفاوض مع طهران بدلاً من قصفها، توجيه الانتقاد مباشرة إلى الرئيس الأميركي، ويبوح عن رأيه المكبوت مواربة. ويعزو الفضل علناً إلى العمليات السرية التي نفذتها إسرائيل منذ أكثر من عقد، في تأخير وصول طهران إلى القنبلة النووية. هو يلمح إلى عدم جدوى المفاوضات، إلا إذا أوصلت في نهاية المطاف إلى تدمير البرنامج الإيراني بالكامل.

مبعث التساؤلات والشكوك عند نتنياهو، تتجاوز ما بعد ترامب. ويطرح فكرة أنه واثق من قدرة الرئيس الأميركي الحالي على فرض رقابة صارمة على إيران لمنعها من انتهاك أي اتفاق محتمل، لكنه يسأل ماذا بعد أن تنتهي ولايته، ويأتي رئيس آخر، ألن تكون طهران قادرة على التملص من التزاماتها والعودة إلى انتهاك الاتفاق؟

كلام المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف عن احتمال السماح لإيران بنسبة تخصيب محدودة 3.67 في المئة، جعل الصقور المنتقدين لخيار التفاوض مع إيران في الولايات المتحدة وإسرائيل، يُحذّرون من أن ترامب يتجه إلى اتفاق شبيه بذاك الذي وقّعه الرئيس الأسبق باراك أوباما في 2015، وانسحب منه ترامب نفسه في ولايته الأولى عام 2018. السناتور الجمهوري ليندسي غراهام قال إنه يراهن بنسبة “واحد على تريليون” على أن المفاوضات ستفشل، بينما يرى أن الضربة العسكرية مضمونة النجاح “90 في المئة”. ولتبديد هذا الانطباع، صعّدت الإدارة الأميركية مواقفها.

في هذا السياق، أعلن ترامب الخميس الماضي زيادة الضغط على إيران بفرض دفعات جديدة من العقوبات التي من شأنها تقويض مبيعات النفط الإيراني، وآخرها التهديد بعقوبات ثانوية على الدول التي تتجرأ على التعامل نفطياً مع طهران. والأكثر وعيداً كان وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي تسلم إلى منصبه منصب مستشار الأمن القومي بالوكالة بعد إقالة مايك والتز، إذ قال في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، أن “عليهم (الإيرانيين) أن يبتعدوا عن رعاية الإرهابيين، وعليهم أن يبتعدوا عن مساعدة الحوثيين (في اليمن)، وعليهم أن يبتعدوا عن صنع الصواريخ بعيدة المدى، التي لا يوجد أي غرض لوجودها سوى امتلاك أسلحة نووية، وعليهم أن يبتعدوا عن تخصيب اليورانيوم” بالمطلق. وأضاف شرطاً آخر، وهو أن تقبل طهران إمكان مشاركة الأميركيين في أي نظام تفتيش، ووصولهم إلى جميع المنشآت، حتى العسكرية.

يتواقت ذلك مع تصعيد الحملة الجوية الأميركية على الحوثيين في اليمن، وتهديد وزير الدفاع بيت هيغسيث الأربعاء، بأن إيران “ستدفع ثمن المساعدات التي تُقدّمها للحوثيين”.

وعلى رغم التوتر الأميركي-الأوروبي حول مسألتي أوكرانيا والتعريفات الجمركية، نجح روبيو في اقناع نظيره الفرنسي جان نويل بارو الذي زار واشنطن قبل يومين، بعدم تلبية طلب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، بلقاء الترويكا الأوروبية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا الجمعة الماضي، لإطلاعهم على سير المفاوضات مع أميركا، والبحث في امكان إرجاء طرح آلية إعادة تفعيل العقوبات الأممية على إيران في مجلس الأمن.

يُحذّر ستراغاسيتش من أن عدم ضمان القصف الجوي في تدمير البرنامج النووي الإيراني، “قد يدفع البعض بطبيعة الحال إلى استنتاج أن الوجود البري الأميركي وحده هو الكفيل بالمهمة. سيكون هذا الجهد جباراً في بلدٍ يفوق عدد سكانه سكان العراق عام 2003 بثلاثة أضعاف تقريباً، حيث يفيد أحد التقديرات أن القوة الأميركية اللازمة لاحتلال البلاد تبلغ 1.6 مليون جندي، أي نحو ثلاثة أضعاف عددها في ذروة حرب فيتنام”

جدير بالذكر، أنه بموجب القرار 2231، أمام مجلس الأمن حتى تشرين الأول/أكتوبر المقبل إعادة تفعيل العقوبات على طهران لانتهاكها اتفاق 2015. وبحسب بنود الاتفاق، يحق لأي طرف من الأطراف الموقعة عليه، وهي الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا، أن تطرح إعادة تفعيل العقوبات “سناب-باك”. وبسبب انسحاب أميركا من الاتفاق، هناك شكوك في امتلاكها حق اتخاذ مثل هذا الإجراء. ولذلك، هناك حاجة أميركية لضم الترويكا الأوروبية إلى الضغوط الممارسة على إيران.

ما يسترعي الانتباه هو أنه في خضم هذا المناخ التصعيدي، أعلن الوسيط العُماني عن إرجاء جولة المفاوضات الرابعة التي كانت مقررة في روما السبت الماضي “لأسباب لوجستية”، بينما قالت إيران إن “تحديد موعد جديد يعتمد على النهج الأميركي”.

أقصى أمنية لنتنياهو الآن، هي أن تفشل المفاوضات وأن تمضي الأحداث إلى الخيار العسكري. وكشفت وكالة “الأسوشيتدبرس” الأميركية، أنه في الوقت الذي تتحدث إسرائيل مع واشنطن عن أولوياتها بالنسبة لأي اتفاق، فإنها فهمت (إسرائيل)، أنها إذا اختارت الذهاب إلى توجيه ضربة لإيران، فإنها ستفعل ذلك بمفردها، في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات.

إقرأ على موقع 180  هل يُعذّب الإله الأبرياء؟ حوار مع لايبنيتز (1)

ويدفع هذا المسؤولين الأميركيين إلى إطلاق رسائل مشوشة، لشراء الوقت ريثما تتضح معالم المفاوضات وما إذا كانت فرص النجاح هي الغالبة.

وترى صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن “ما من رئيس أميركي يمارس سياسة محلية أو خارجية وسط فراغ، وأن ترامب يواجه الآن تدنياً في شعبيته، وانخفاضاً في ثقة المستهلكين واحتمال ارتفاع التضخم. هذه التحديات يمكن أن تزيد من فرص مواصلته التفاوض حتى تشرين الأول/أكتوبر أملاً في إبرام اتفاق، لإدعاء الانتصار وتعزيز موقفه في الداخل”.

وفي لحظة عدم اليقين من نتائج المفاوضات مع إيران، نجاحاً أو فشلاً، ومراوحة الجهود الأميركية المبذولة لوقف الحرب الروسية-الأوكرانية، على رغم توقيع اتفاق المعادن مع كييف، ومع توسيع نتنياهو لحروبه على غزة والضفة ولبنان وسوريا، اتخذ ترامب قرار إقالة مايك والتز من منصب مستشار الأمن القومي وترشيحه لمنصب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة.

ومع أن خلفيات الإقالة تتجه نحو تسببه بفضيحة إشراك رئيس تحرير مجلة “الأتلانتيك” الأميركية جيفري غولدبرغ في مداولات داخلية عبر تطبيق “سيغنال” بين مسؤولين أميركيين حول الضربات الموجهة للحوثيين، يجب التوقف عند مسألة أن والتز كان معارضاً للتفاوض مع إيران ومن مؤيدي تغليظ العقوبات عليها. وفي الوقت نفسه، يظهر روبيو الذي بات أول وزير خارجية منذ هنري كيسنجر الذي يتولى المنصبين معاً في سبعينيات القرن الماضي، انسجاماً أكثر في التنسيق مع ويتكوف الذي يعتمده ترامب مبعوثاً لقضايا إيران وغزة وأوكرانيا.

هل شنّ ترامب ضربة استباقية على والتز، كي لا يشوش على المفاوضات مع إيران أم بسبب “سيغنال غيت”؟ لا يزال هذا موضع تكهنات.

تمسك ترامب بالمفاوضات مرده أيضاً إلى عدم التأكد من أن الخيار العسكري كفيل، بتدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل، من طريق ضربات جوية فقط. الباحث المشارك في معهد أولويات الدفاع بواشنطن سكوت ستراغاسيتش يكتب في مجلة “ذا هيل” الأميركية، أن البرنامج النووي الإيراني يتناثر على منشآت متعددة في البلاد على مساحة 640 ألف ميل مربع. إن حملة أميركية أو أميركية-إسرائيلية، ستطلب غارات على مناطق في أنحاء إيران، وشن هجمات على مدار الساعة لاستهداف ليس المواقع النووية فقط، وإنما أنظمة الدفاع الجوي، ومحطات الرادار، والمطارات العسكرية، ومراكز القيادة والسيطرة، وأهداف أخرى استراتيجية لعرقلة رد النظام. لقد قصفت إسرائيل بعض أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية من طراز إس-300 في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، مما جعل البعض يعتقد أن إيران صارت مكشوفة. ومع ذلك، فإن حجم الضرر غير معروف، وليس واضحاً كيف عوّضت إيران خسائرها”.

ويُحذّر ستراغاسيتش من أن عدم ضمان القصف الجوي في تدمير البرنامج النووي الإيراني، “قد يدفع البعض بطبيعة الحال إلى استنتاج أن الوجود البري الأميركي وحده هو الكفيل بالمهمة. سيكون هذا الجهد جباراً في بلدٍ يفوق عدد سكانه سكان العراق عام 2003 بثلاثة أضعاف تقريباً، حيث يفيد أحد التقديرات أن القوة الأميركية اللازمة لاحتلال البلاد تبلغ 1.6 مليون جندي، أي نحو ثلاثة أضعاف عددها في ذروة حرب فيتنام”. وعليه يستنتج بأن “العلاج هنا سيكون أسوأ من المرض”.

وتنقل وكالة “رويترز” عن الديبلوماسي الاميركي السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط آلان إير، أن أي ضربة قد تبطئ برنامج إيران النووي، لكنها لن تقضي عليه. وأضاف: “لا يمكن أن تقصف المعرفة، إنها موجودة، أتقنت إيران تخصيب اليورانيوم”.

ما يبحث عنه ترامب وإيران الآن، تسوية تتيح للجانبين القول أنه حقق ما انتصاراً من الدخول في المفاوضات.

هل يجرؤ نتنياهو على قلب الطاولة على ترامب كي يعيد توجيه الأحداث في المسار الذي يشتهيه؟

الاحتمالُ قائمٌ..

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
online free course
إقرأ على موقع 180  من "الحزب" إلى "السوشيل ميديا".. لكل ثورة سلاحها!