نتنياهو.. “الملك”، “الساحر” و”لص الكراسي”!

اسمه بنيامين بن تسيون نتنياهو، يلقبه انصاره "بيبي". يصير اسمه "عطالله"، وفق اللهجة الشعبية الفلسطينية، في حين يسميه مريدوه من البدو والعرب "ابو يائير".

مع تعدد الأسماء، تتنوع الصفات. البعض ينعته بـ”الملك” لانه حَكَمَ طويلاً. البعض الآخر لا يراه إلا “الساحر”. يلعب على حبال كثيرة ويحسن اخراج الارانب من قبعته نظراً الى قدرته الفائقة على المناورة وجمع التناقضات والتفلت من الأزمات في وقت الشدة. البعض الآخر يصفه بـ”الرئيس الكارثة” إستناداً إلى نتائج سياساته الكارثية.

نتنياهو، بهذا المعنى، حالة فريدة في التجربة السياسية الاسرائيلية منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 حتى يومنا هذا. احترف تشكيل التحالفات وجذب الأحزاب الصغيرة وتنظيمات المتزمتين، لتأبيد زعامته وحكمه. استطاع تحطيم كل ارقام البقاء على راس السلطة لاطول فترة ممكنة متجاوزاً بذلك كل القادة الصهاينة الذين سبقوه، بمن فيهم بعض مؤسسي الكيان وقادة حروبه الكبار من ديفيد بن غوريون الى شمعون بيريس مرورا بغولدا مائير واسحق رابين ومناحيم بيغن واسحق شامير.

في اقل من عامين، تجاوز كل الحملات الشرسة التي قادها خصومه السياسيين ضده، وتمكّن من الفوز في ثلاث معارك انتخابية متتالية، وهو يتطلع في انتخابات اليوم الى ولاية جديدة من الحكم في معركة وصفت بانها “حرب اليمين ضد اليمين”.

وبعدما اقصى نتنياهو الجنرالات الكبار باظهار هشاشتهم وبؤسهم السياسي امثال بني غانتس وغابي اشكينازي وموشي يعالون، انحصر التنافس في الجولة الرابعة اليوم (الثلاثاء) مع اقرب مساعديه السابقين اللذين انشقا عنه: جدعون ساعر ونفتالي بينيت اضافة الى يائير ليبد.

وبرغم لوائح الاتهامات الموجهة إليه بالفساد والرشى وسوء الأمانة، وبرغم أزمة الكورونا وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي، وبرغم  تواصل التحركات الشعبية الاحتجاجية التي تطالبه بالتنحي، فإنه لا يزال يتمتع بتأييد كبير بين الإسرائيليين ويحتل المرتبة الاولى بين المتنافسين.

لم تكن تجربة تولي نتنياهو الحكومة للمرة الأولى عام 1996، عندما فاز على زعيم حزب العمل شمعون بيريس، ناجحة. كان الإسرائيليون يريدون منه أن يتصرف بصفته الوريث الحقيقي لمناحيم بيغن، وأن يكون قادراً على اتخاذ قرارات تاريخية. وقد انتهت ولايته بخيبة أمل كبيرة لمؤيديه وانصاره.

لكن نتنياهو لم يستسلم. قطع طريقاً شاقاً وطويلاً قبل أن ينجح في إعادة حزب الليكود إلى السلطة مجدداً عام 2009، وتحويله شيئاً فشيئاً إلى حزب “الزعيم الأوحد”. اعتمد “بيبي” في استراتيجيته على أمرين إثنين: إضعاف منافسيه المحتملين على زعامة الحزب، واستخدامه خطاباً تخويفياً (قومياً وأمنياً)، ساعده على التقرب من الجمهور المتدين لليهود الشرقيين، ومن جمهور المستوطنين في آن معاً.

متعاطف ايديولوجيا مع سياسة والده الذي عمل سكرتيرا لمنظر الحركة التصحيحية الصهيونية زئيف جابوتنسكي، لكن أفعاله كرئيس حكومة ترتكز على اعتبارات براغماتية. وقد رأى فيه البعض نتاجاً صافياً للحركة التصحيحية المطعمة بالليبرالية الواقعية الأميركية

عداءه الكبير لليسار وشيطنته والحرب الشعواء التي شنّها عليه منذ أعوام، أمور شكلت عامل جذب لجمهور النخبة من اليمين من سكان المدن الكبرى، فهذا الجمهور المتعدد الانتماءات الاجتماعية والإثنية تهمّه يهودية الدولة وسيطرة اليمين أكثر ممّا تشغله تهم الفساد وسوء الأمانة التي أقنعهم نتنياهو بأنها “من اختراع اليسار” و”أعداء إسرائيل”. لكن خصومه يعتبرونه تسلطياً مستعداً لفعل أي شيء للبقاء في منصبه.

الاعلام سر شهرته وصعوده منذ كان في اميركا التي يتقن لغتها الانكليزية اتقاناً كبيراً. يعشق الصورة لكنه يكره الصحافيين الذين قتل 17 منهم في غزة، ولا يحب إلا الصحافة المتطوعة لخدمة إسرائيل والدفاع الأعمى عنها.

بعد أكثر من 12 عاماً في السلطة، لم يعد نتنياهو يمثل نموذجاً لزعامة “تحديثية” تجمع التوجه القومي الصهيوني والليبرالية السياسية، كما حاول أن يوحي في بداياته، فقد جعله تحالفه مع الأحزاب الدينية، ومحاولته التقرب من المستوطنين، وتبنّيه سياسات تحريضية ضد اليسار الإسرائيلي والمواطنين العرب، وحملاته التشكيكية في سلطات تنفيذ القانون في إسرائيل، وشخصنة الحكم، في نظر كثيرين “خطراً” على إسرائيل التي تصنف نفسها “دولة ديموقراطية”.

مؤدلج أم براغماتي؟ يعتبر هذا من أكبر الأسئلة في شأنه. هو متعاطف ايديولوجيا مع سياسة والده الذي عمل سكرتيرا لمنظر الحركة التصحيحية الصهيونية زئيف جابوتنسكي، لكن أفعاله كرئيس حكومة ترتكز على اعتبارات براغماتية. وقد رأى فيه البعض نتاجاً صافياً للحركة التصحيحية المطعمة بالليبرالية الواقعية الأميركية.

“بيبي” صاحب القدرة الخطابية جمع أوراق التطرف، ووضعها على طاولة المزايدات، سعياً للتربع على قمة هرم السلطة. كذّب الحقائق، وطوّع الجغرافيا، وخاض الصراع نحو بريق الحكم، بلا محرمات او تابوهات. هو الابن الشرعي للصهاينة الأوائل. اكسير صلفهم وغيّهم وكذبهم ولصوصيتهم. أجداده وضعوا اللبنة الأولى لسرقة أرض فلسطين، وهو تعهد بألا يترك شبراً واحداً منها لأهلها. لم يوفر خديعة من أجل تحقيق ذلك: بالاستيطان والتهويد حينا وبالضم احيانا أخرى. لم يضع فرصة ولعل اكبرها وجود دونالد ترامب في البيت الابيض. أهداه الرئيس الجمهوري نقل السفارة الاميركية الى القدس وضم المدينة المقدسة وهضبة الجولان السورية. نتنياهو يدافع عن إسرائيل بوصفها “دولة يهودية” يجب أن تمتد حدودها في الجهة الشمالية الشرقية وصولاً للأردن. من هنا يأتي وعده بضمّ غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة.

إقرأ على موقع 180  73 عاماً على "النكبة".. إسرائيل وجهاً لوجه مع فلسطين

لم يكتف بسفك دماء الفلسطينيين بل كان ايضا المحرض على قتل سلفه اسحق رابين بتشجيع الاحتجاجات والتظاهرات ضده بعد توقيعه اتفاق اوسلو واطلاقه الشعارات التحريضية مثل “رابين الخائن”، وهذا الاتهام أورده الصحافي الاسرائيلي المعروف بن كاسبيت في كتابه “نتنياهو.. سيرة”.

يعيش نتنياهو في تناقض دائم. برغم قوله دوماً إنه لا يمكن أن يتفاوض مع الإرهابيين؛ إلا أنه وقع عام 2011 اتفاقاً مع حركة حماس من أجل إتمام صفقة الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شاليط، الذي وقع في الأسر عام 2006.

“بيبي” صاحب القدرة الخطابية جمع أوراق التطرف، ووضعها على طاولة المزايدات، سعياً للتربع على قمة هرم السلطة. كذّب الحقائق، وطوّع الجغرافيا، وخاض الصراع نحو بريق الحكم، بلا محرمات او تابوهات. هو الابن الشرعي للصهاينة الأوائل. اكسير صلفهم وغيّهم وكذبهم ولصوصيتهم

وبحسب ما اورده في كتابه “مكان تحت الشمس”، ينظر نتنياهو الى العرب باعتبارهم “أمة لا نفع منها، ولا يمكن أن تستقيم في نهج الحضارة إلا من خلال سياسات القوة، وأنه لا يمكن الوثوق بهم. متلونون. يبدّلون آراءهم ومواقفهم بسرعة عجيبة. قادتهم السياسيون يتخذون من القضية الفلسطينية فزاعة لتحقيق أهدافهم الشخصية”. برغم ذلك، يجد تعاطفاً غير مسبوق من بعض الزعماء العرب. يتهافتون على لقائه. يشرعون عواصمهم للتطبيع. يفتحون قصورهم لتوقيع الصفقات معه، متذرعين بـ”الخطر الايراني”!

الهاجس الايراني الذي يسكن عقل نتياهو لا يحتاج دليلاً. مع كل شروق شمس يستحضر المخاوف من امتلاك طهران السلاح النووي، إلى قضية الصواريخ الدقيقة لدى حزب الله. يعتبر إيران بمثابة “العماليق” المذكورين في التوراة بوصفهم عدوا شرسا للعبرانيين. لمواجهة هذا “التهديد”، فإنه لا ينفك يدعو الى الحصار والتحفيز على توجيه ضربة عسكرية لإيران، علماً أنه طوال سني حكمه لم يخض حرباً واحدة ضد حزب الله، بل يستمر بخوض ما يسميها الإعلام العبري “المعركة بين الحروب”، سواء في سوريا أو في ساحات أخرى، في البر والبحر، كما في العالم السيبراني.

ما آلت إليه زعامة نتنياهو المتزوج ثلاث مرات، ليس فقط نتاج التغييرات التي مر بها بقدر ما هو انعكاس للتحولات التي طرأت على المجتمع الإسرائيلي في العقود الأخيرة، وابرزها صعود النزعات القومية المتشددة وعودة تأثير التيارات الدينية في الحياة العامة في إسرائيل في جوانب عدة، منها القانون والجيش والتربية والتعليم. كما أن قانون القومية الذي يشير إلى الحقّ الديني للشعب اليهودي في تقرير مصيره، هو “بمثابة تجديد لا على مستوى إسرائيل فحسب، بل على مستوى الفكر السياسي برمّته” يقول الخبراء الإسرائيليون.

لص الارض. لص الكراسي، يطمح مجددا الى البقاء على الكرسي لفترة جديدة تمكنه من ابتلاع البقية الباقية من الضفة وغور الأردن وكي يكون ملكا على اسرائيل بلا منازع. يستمد حظوظه من ضعف خصومه لكن المعركة ليست سهلة ذلك ان قسما كبير من الناخبين يتوق الى التخلص منه، كما ان سياسته الايرانية ومكاسبه التطبيعية مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب التي استغلها ارذل استغلال في معركته الانتخابية، لم تؤدّ إلى تدعيم زعامته داخلياً. السؤال الاهم اليوم: هل سيؤثر خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض في مكانة نتنياهو لدى الإدارة الأميركية الجديدة؟ وأي تداعيات سيكون لذلك على زعامته داخلياً؟

حتى الآن، يبدو الأوفر حظاً. إذا لم يكن كذلك، ستذهب الدولة العبرية حتماً نحو إنتخابات خامسة.

Print Friendly, PDF & Email
أمين قمورية

صحافي وكاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "معاريف": يهود أميركا.. مع إسرائيل وضد ترامب!