خلال زيارته الأخيرة إلى العراق، أعطى البابا فرنسيس إشارات إهتمام مميز بلبنان، وقال إنه امتنع عن الرد ايجاباً على دعوة البطريرك الماروني بشارة الراعي لإضافة لبنان “محطة ساعات” في سياق رحلته العراقية، لأن هذا البلد، الذي يكن له “مشاعر تعاطف وتضامن خاصة” والذي يمر في “أزمة حياة”، يستأهل اكثر من “فتات”، كما قال للوفد الصحافي الذي كان يرافقه في طائرة رحلة العودة من بغداد الى روما.
ووضعاً للنقاط على الحروف، توضح أوساط متابعة لملف العلاقات الفاتيكانية اللبنانية في روما الآتي:
أولاً، تتابع الدوائر الديبلوماسية مجريات الامور في لبنان بدقائقها وتفاصيلها من خلال تقارير سفارتها في لبنان ومن خلال اتصالاتها مع كل المراجع المعنية حيث تصلها الاصداء السياسية والدينية والاعلامية لكل التحركات.
ثانياً، حرصت هذه الدوائر على اخذ مسافة من الطروحات البطريركية، والملفت للإنتباه في هذا الاطار انه لا ذكر في اي من المواقف الفاتيكانية الرسمية والمعلنة لا من قريب ولا من بعيد لمبادرتي البطريرك الماروني بشاره الراعي اكان على صعيد طرح موضوع الحياد او على صعيد الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وذلك في تعبير عن رغبة فاتيكانية واضحة بعدم تبني اي من هذين المشروعين.
فمع تمسك الفاتيكان بالمرتكزات اللبنانية الاساسية التي ينبغي المحافظة عليها وتأمين موجبات احترامها الا وهي “الحرية ، السيادة، الوحدة والتعددية”، فان هذه الاوساط تعتبر ان الطروحات البطريركية “تفتقد الى تغطية وفاقية لبنانية وإلى ظروف خارجية مشجعة من جهة، وتفتقر الى آلية واضحة وعملية للتنفيذ من جهة ثانية”.
ثالثاً، ترى هذه الأوساط، انطلاقاً من “دعوة البابا الكنيسة لأن تبقى قريبة من الشعب” وان “الأسقفية خدمة لا شرفاً ولا امتيازاً ولا طبقة اجتماعية”، أن الاولوية الكنسية الآن هي “لتأمين مقومات البقاء للمكونات المسيحية وخصوصاً ان ظروف حياتها المعيشية والاجتماعية والصحية والتربوية حرجة جداً ومستقبل أجيالها الشابة مهدد وبالتالي فان كل الجهود يجب ان تتركز على توفير سبل الصمود لها”. كما أنه على رجال الاكليروس ان يكونوا في مجتمعاتهم “قدوة ومثالاً للشفافية والنزاهة والتجرد والتواضع” وان يكونوا في “خدمة الناس لا ان يستخدموا مراكزهم لمنفعة خاصة او مصالح شخصية”.
لا ذكر في اي من المواقف الفاتيكانية الرسمية والمعلنة لا من قريب ولا من بعيد لمبادرتي البطريرك الماروني بشاره الراعي اكان على صعيد طرح موضوع الحياد او على صعيد الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، وذلك في تعبير عن رغبة فاتيكانية واضحة بعدم تبني اي من هذين المشروعين
رابعاً، ابدت هذه الاوساط استغرابها وتحفظها لكيفية ادارة الشؤون العامة (الملفات السياسية). فمن جهة، يجب ان تبقى البطريركية “مرجعاً مسيحياً ومارونياً جامعاً”ً و”جسراً للتلاقي الوطني” و”ليس فريقاً يحتمي فيه هذا الجانب او متراساً يختبىء وراءه جانب آخر”، أكان على صعيد الوطن ككل او على صعيد المكونات المسيحية فيه.
ومن جهة ثانية، تضيف الأوساط، يجب ان يكون العمل “مؤسساتياً وجماعياً” ويتم فيه اشراك مختلف المؤسسات المسيحية وخصوصاً المارونية و”ليس عملاً فردياً واعتباطياً” (سجلت الاوساط استغرابها لارسال البطريرك الراعي موفدَين علمانيين، واحدهم موظف في البطريركية، الى رئيس مجلس النواب نبيه بري من دون مشاركة اي رجل دين منتدب في وقت كان من المفترض ان يضم الوفد شخصيات فاعلة، زمنياً وروحياً، وأن يرأسه احد المطارنة خصوصاً أنه يوجد نائبان بطريركيان في بكركي واكثر من مطران وكلهم مؤهلون لهذه المهمة).
خامساً، وصلت اخبار تناقلها بعض زوار الصرح البطريركي ومفادها ان “عدوى الطموحات الرئاسية” انتقلت اليه! وفي هذا الاطار، يروي مصدر ديبلوماسي فرنسي متابع للملف اللبناني ان لقاءً جمع الجانب الفرنسي بالبطريرك الراعي وذلك خلال مرحلة الفراغ الرئاسي بعد انتهاء عهد الرئيس السابق ميشال سليمان. وخلال التطرق الى كيفية الخروج من مأزق الفراغ وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، بادر الراعي محدثيه الى الاشارة الى سابقة المطران مكاريوس الثالث (رئيس وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية) في رئاسة قبرص. وقوبل ذلك بالصمت وبشيء من الاستغراب والانزعاج الظاهرين لدى الجانب الفرنسي، فما كان من الراعي الا ان اطلق إبتسامة قائلاً: “كانت مجرد مزحة”!.
والملفت للإنتباه أن حملة ديبلوماسية وسياسية واعلامية “تسويقية” لطروحات الراعي (الحياد والتدويل) بدأت لدى السفارات الاجنبية المعتمدة في لبنان كما في الخارج داخل الابرشيات ومع الفعاليات في دول الانتشار وخصوصا في القارة الأميركية، اضافة الى اللقاءات الاعلامية واخرها لقاء عبر تقنية التواصل عن بعد مع اعضاء “جمعية الصحافة الديبلوماسية” في باريس.
سادساً، عدم وجود اي اشارة لنية البابا فرنسيس القيام بزيارة قريبة الى لبنان، ويبدو حسب هذه الاوساط ان هذا الموضوع غير مدرج حالياً على الروزنامة البابوية في انتظار اتضاح صورة الاوضاع في لبنان.
وتشير هذه الأوساط الى ان الفاتيكان، بمختلف دوائره ومراجعه، وفي مقدمهم البابا، يتابع مجريات الأمور في لبنان وهو لا يوفر جهداً أو فرصة لتقديم كل دعم ممكن للشعب اللبناني، فالمساعدات الانسانية والصحية والتربوية مستمرة كما ان المتابعة الديبلوماسية قائمة مع الدول الكبرى والفاعلة من خلال التنسيق مع فرنسا والتواصل مع الولايات المتحدة لمواكبة المساعي الهادفة لانقاذ الوضع اللبناني من الانهيار الكامل والشامل.
وتختم هذه الاوساط بالقول ان الجواب الجامع الذي توصل اليه الفاتيكان من خلال اتصالاته الدولية “ان الخطوات العملية الاولى مطلوبة من اللبنانيين انفسهم الذين عليهم تحمل مسؤولياتهم كشرط ومدخل لاي دعم من قبل المجتمع الدولي وان مصيرهم بأيديهم”.