روبرت فورد: الإستراتيجية الأميركية في سوريا فشلت.. وهذا بديلها
Matryoshka dolls depicting Vladimir Putin, Russia's president, center left, and U.S. President Joe Biden, center right, for sale at a souvenir store in Moscow, Russia, on Thursday, April 15, 2021. The Biden administration is poised to impose a raft of new sanctions on Russia, including long-feared restrictions on buying new sovereign debt, in retaliation for alleged misconduct including the SolarWinds hack and efforts to disrupt the U.S. election, according to people familiar with the matter. Photographer: Andrey Rudakov/Bloomberg via Getty Images

"يجب أن تقر واشنطن بأنها لا تستطيع بناء دولة"، هكذا افتتح روبرت إس فورد السفير الأمريكي في سوريا (2011-2014)، مقالة له في "فورين أفيرز" يعرض فيها لفشل الإستراتيجية الأمريكية في سوريا في مرحلة دونالد ترامب، ويقدم سلسلة إقتراحات إلى إدارة جو بايدن بشأن الملف السوري ومستقبل علاقات الولايات المتحدة بالأكراد والروس والأتراك تبعاً لتطور الملف السوري.

“خلال السنوات الأربع التي قضاها في منصبه، وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرارًا وتكرارًا بوقف إنخراط الولايات في عملية “الهندسة الإجتماعية”، وقال إن جهود الولايات المتحدة طويلة الأمد لإعادة بناء مجتمعات ما بعد الصراع وتحقيق الاستقرار فيها كانت مضللة ومحكوم عليها بالفشل. وبشكل كبير فعل دونالد ترامب هذا، حيث خفّض عدّد القوات في العراق وأفغانستان، وقلّص تمويل الترويج للديموقراطية بنحو مليار دولار خلال فترة وجوده في المنصب.

تخلت إدارة ترامب عن سياسة “الهندسة الإجتماعية” التي تحتاج إلى نفس طويل في سوريا، وإتخذت خيار القوة العسكرية والضغط المالي لإجبار الرئيس السوري بشار الأسد على قبول إصلاحات دستورية وإنشاء منطقة حكم ذاتي كردية في شمال شرق البلاد. وتحت إشراف الولايات المتحدة، تطورت تلك المنطقة إلى شبه دولة بجيشها الخاص، تحت مُسمي، قوات سوريا الديموقراطية (SDF)، وبيروقراطية راسخة تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية السورية (YPG) وذراعها السياسي، حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD).

لم تكن سوريا أبدًا قضية أمن قومي أمريكية رئيسية، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائمًا مقتصرة على منع الصراع من تهديد مصالح واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى

بعد ست سنوات وحوالي 2.6 مليار دولار، هذه الدويلة هي طفل أمريكا، نشأت تحت الحماية العسكرية الأمريكية ومحمية من الجيران المعادين. وبسبب عدم قدرتها على دعم نفسها، ستظل منطقة الحكم الذاتي معتمدة على موارد الولايات المتحدة في المستقبل المنظور. ومع ذلك، فإن الالتزام المفتوح من هذا النوع ليس ما تحتاجه الولايات المتحدة. لم تكن سوريا أبدًا قضية أمن قومي أمريكية رئيسية، وكانت المصالح الأمريكية هناك دائمًا مقتصرة على منع الصراع من تهديد مصالح واشنطن الأكثر أهمية في أماكن أخرى. السياسة الأمريكية (الترامبية) لم تفعل الكثير لتحقيق هذا الهدف المركزي. كما أنها لم تكسب الإصلاح السياسي في دمشق، ولم تعد الاستقرار للبلاد. لذا من الأفضل أن يقوم الرئيس جو بايدن بتغيير هذا المسار عبر سحب مئات الجنود الأمريكيين المنتشرين حاليًا في سوريا والاعتماد على روسيا وتركيا لاحتواء داعش.

ظاهريًا، تم تصميم الاستراتيجية الأمريكية في شمال شرق سوريا للتخلص من آخر بقايا داعش، مما يحرم التنظيم من الملاذ الآمن لشن الهجمات منه. وعلى الرغم من أن الحملة العسكرية الدولية التي استمرت لسنوات دمرت الجماعة الإرهابية إلى حد كبير، إلا أن عناصر تنظيم الدولة (داعش) المتبقين ما زالوا يشنون هجمات متفرقة منخفضة المستوى في سوريا والعراق. ومن المفترض أن يساعد الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديموقراطية، ووحدات حماية الشعب الكردية التابعة لها، على احتواء داعش بأقل قدر ممكن من المساعدة الخارجية ودون الحاجة إلى انتشار أمريكي واسع النطاق.

على الرغم من الجاذبية السياسية لهذه الاستراتيجية إلا إنها معيبة للغاية. فقد تسبب التحالف الكُردي ـ الأمريكي في تفاقم التوترات الإقليمية القائمة منذ فترة طويلة بين العرب والأكراد. هناك إحباط (السكان العرب) واسع النطاق من الهيمنة السياسية الكردية – التي مكنتها الولايات المتحدة – والسيطرة الكردية على حقول النفط المحلية. كما احتج السكان العرب على الفساد الإداري المزعوم لقوات سوريا الديموقراطية وعمليات مكافحة الإرهاب القاسية وممارسات التجنيد الإجباري. من جانبها، شنّت القوات الكردية هجمات بسيارات مفخخة على بلدات عربية خاضعة لسيطرة الجيش التركي. وفي مثل هذه البيئة المليئة بالتوترات العرقية والخلافات القبلية، يمكن لداعش العمل بقبول ضمني من المجتمعات المحلية وتجنيد الساخطين من صفوفهم.

استراتيجية الولايات المتحدة لها عيب آخر أكثر جوهرية يتمثل في: عدم إحتواء تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الولايات المتحدة وقوات سوريا الديموقراطية، بل وتعمل الجماعة الإرهابية أيضًا في منطقة تسيطر عليها بشكل فضفاض الحكومة السورية وحلفاءها، بما في ذلك روسيا وإيران، والتي تمتد ما يقرب من 200 ميل إلى الغرب من نهر الفرات. فإذا كان الهدف هو منع داعش من إعادة تشكيل نفسها أو استخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات في أماكن أخرى، فإن حصر الانتشار الأمريكي في الربع الشرقي من البلاد لا يحل هذه المشكلة. كما أن معاقبة حكومة الأسد – برغم أنها مثيرة للاشمئزاز – تترك للحكومة السورية موارد أقل لمحاربة الجماعة المتطرفة.

تسليم المسؤولية عن مكافحة داعش في شرق سوريا (إلى روسيا) لن يلغي الحاجة إلى منع الجماعة الإرهابية من استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة أو مصالحها. للتخفيف من هذا التهديد، يجب على الولايات المتحدة إقناع تركيا بتأمين حدودها الجنوبية

كما يفتقر النهج الأمريكي الحالي إلى نهاية قابلة للتحقق. من دون غطاء دبلوماسي وعسكري أمريكي، من المرجح أن تواجه وحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديموقراطية حربًا على جبهتين أو ثلاث جبهات ضد كل من تركيا والحكومة السورية، مما قد يؤدي إلى إبعاد مقاتليهما عن المعركة ضد داعش. ولمنع هذه النتيجة، مع استمرار دعم القوات الكردية، سيتعين على الولايات المتحدة البقاء في شرق سوريا إلى أجل غير مسمى. وإذا اختارت روسيا أو تركيا أو إيران أو الحكومة السورية زيادة الضغط العسكري على القوات الأمريكية أو الدولة الكردية الوليدة، فستضطر الولايات المتحدة إلى تخصيص المزيد من الموارد لحل المشكلة. كان هذا هو الحال عندما بدأت الوحدات العسكرية الروسية في مضايقة الدوريات الأمريكية في صيف عام 2020 فكان أن أرسلت القيادة المركزية الأمريكية وحدات مدرعة خفيفة جديدة للردع.

بالنظر إلى هذه العيوب في سياسة ترامب تجاه سوريا، تحتاج الإدارة الجديدة إلى نهج مختلف – نهج يقضي على داعش بنجاح دون إلزام الجيش الأمريكي بحرب أخرى إلى الأبد. وبدلاً من الحفاظ على الاستراتيجية الأمريكية الحالية، يجب على فريق بايدن، بتركيزه الجديد على الدبلوماسية، أن يعتمد بشكل أكبر على روسيا وتركيا. هذا أمر غير سار، لكن الاعتراف بمصالح هذين البلدين في سوريا قد يؤدي إلى نتائج أفضل.

روسيا ليست شريكًا مثاليًا، لكن دعمها للأسد يجعلها القوة المناسبة لتولي القتال ضد داعش. تلتزم موسكو بضمان بقاء الحكومة السورية، كما أن عودة ظهور داعش (التي يُحتمل أن تمولها حقول النفط السورية التي تم الاستيلاء عليها من قوات سوريا الديموقراطية) ستهدد الأسد بشكل خطير. للاستفادة من هذا الشريط الضيق من الأرضية المشتركة، يجب على إدارة بايدن إبرام صفقة تفوّض موسكو مهمات مكافحة داعش على جانبي نهر الفرات. وسيتطلب هذا حتمًا زيادة التواجد العسكري الروسي في شرق سوريا، وستحتاج الولايات المتحدة إلى التفاوض على انسحاب تدريجي لقواتها ووضع جدول زمني للانتقال من السيطرة الأمريكية إلى السيطرة الروسية.

إقرأ على موقع 180  "المصيدة الأوكرانية".. بالغزو والغاز والإغراءات!

ومع ذلك، فإن تسليم المسؤولية عن مكافحة داعش في شرق سوريا (إلى روسيا) لن يلغي الحاجة إلى منع الجماعة الإرهابية من استخدام سوريا كقاعدة لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة أو مصالحها. للتخفيف من هذا التهديد، يجب على الولايات المتحدة إقناع تركيا بتأمين حدودها الجنوبية. مثل موسكو، تمتلك أنقرة حوافز واضحة للتعاون. حيث شن تنظيم الدولة الإسلامية هجمات إرهابية داخل تركيا أيضًا. ومع ذلك، فإن إغلاق حدود يبلغ طولها حوالي 600 ميل بالكامل سيكون أمرًا صعبًا، لذا سيتعين على واشنطن تزويد تركيا بالدعم التكنولوجي والاستخباراتي لمراقبة حركة الإرهابيين. سيتطلب مثل هذا الجهد تعاونًا مكثفًا، وكان من الصعب التعامل مع الأتراك حتى قبل أن يساعد دعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب، التي تعتبرها تركيا جماعة إرهابية، في تعزيز قوتها. لكن التعاون سيكون أسهل بمجرد أن تتوقف الولايات المتحدة عن مساعدة القوات الكردية بشكل مباشر. والهدف الأساس لتركيا هو منع هذه الجماعات من إنشاء كيان مستقل في سوريا.

يجب على بايدن تجنب مفاجأة شركاء الولايات المتحدة الأكراد بهذه الاستراتيجية الجديدة؛ ويجب على إدارته إبلاغهم في وقت مبكر بشأن الخطوات الأمريكية الوشيكة. كانت قوات سوريا الديموقراطية ووحدات حماية الشعب شريكين جيدين في القتال ضد داعش، وسيكون من الحكمة أن يواصل الروس العمل معهم بموجب ترتيب جديد. موسكو لديها خبرة في هذا المجال: أنشأ الروس، وسلحوا، ويشرفون حاليًا على “الفيلق الخامس” من المقاتلين الموالين لدمشق الذين يقومون بمهام في جميع أنحاء البلاد. بالاشتراك مع الحكومة السورية، يمكن لموسكو إنشاء “الفيلق السادس” الجديد المكون من أعضاء قوات سوريا الديموقراطية تحت القيادة الروسية.

على الرغم من المساعدة الكردية القيّمة في القتال ضد داعش، فإن الولايات المتحدة لا تدين لهذه الجماعات بمظلة عسكرية غير محددة على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين. فالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة هي احتواء التهديدات الإرهابية، وليس ضمان شكل الحكم في شرق سوريا

بشكل منفصل، سيتعين على حزب الاتحاد الديموقراطي ووحدات حماية الشعب التفاوض مع دمشق حول الوضع السياسي للأراضي التي يسيطرون عليها. يمكن لعلاقة حزب الاتحاد الديموقراطي الطويلة الأمد مع الحكومة السورية أن تسهل هذه العملية. في عام 2012، أبرم التنظيم اتفاقًا مع الأسد للسيطرة على المدن الشمالية الشرقية مع انسحاب الجيش السوري، ولم تتعرض مجتمعاته مطلقًا لحملات قصف حكومية مثل تلك التي استهدفت حمص وحلب وضواحي دمشق. الآن، يجب على وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديموقراطي البناء على هذا الإرث لتأمين حقوق المواطنة والملكية المتساوية لمجتمعاتهم – وهي حماية لطالما حُرم منها أكراد سوريا. على الرغم من أن مثل هذا الترتيب لن يشكل حكماً ذاتياً كاملاً في سوريا الفيدرالية، إلا أنه سيكون بمثابة تحسن كبير مقارنة بالوضع قبل الحرب.

ومع ذلك، سيكون هناك بلا شك صيحات احتجاج من السياسيين والمحللين الأمريكيين الذين يصرون على أن واشنطن مدينة لوحدات حماية الشعب وقوات سوريا الديموقراطية بأكثر من ذلك بكثير. لكن على الرغم من المساعدة الكردية القيّمة في القتال ضد داعش، فإن الولايات المتحدة لا تدين لهذه الجماعات بمظلة عسكرية غير محددة على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين. فالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة هي احتواء التهديدات الإرهابية، وليس ضمان شكل الحكم في شرق سوريا.

في النهاية، تحتاج إدارة بايدن إلى أن تكون واقعية بشأن قدرة الولايات المتحدة على انتزاع التنازلات السياسية في سوريا. ولطالما سعى المسؤولون الأمريكيون، بمن فيهم أنا (روبرت فورد)، إلى إصلاحات من حكومة الأسد – دون نجاح يذكر. ومن جانبها، حاولت إدارة ترامب استخدام العقوبات المالية والسيطرة على حقول النفط السورية لإجبار دمشق على تغيير سلوكها. لكن الأسد بالكاد يتزحزح، وتتفوق دمشق في توتير المفاوضات، وعطلت محادثات الأمم المتحدة في جنيف والتي علقت واشنطن آمالها عليها. بالنسبة للأسد وحلفائه، فإن الصراع هو لعبة محصلتها صفر حيث تؤدي مطالب الإصلاح أو الحكم الذاتي حتمًا إلى عدم الاستقرار أو تشكل تحديًا لسيطرتهم أو عبارة عن دعوات غير مرحب بها للمساءلة…

يزعم محللون آخرون أن الانسحاب الأمريكي من شأنه أن يمنح إيران وروسيا السيطرة على سوريا. تتجاهل هذه الحجة الروابط السياسية والعسكرية بين البلدين التي استمرت لعقود طويلة مع دمشق – وهي العلاقات التي من غير المرجح أن تضعفها الضغوط الأمريكية. حافظت روسيا وسوريا على علاقة وثيقة منذ الحرب الباردة، وعمل المستشارون الروس في البلاد قبل وقت طويل من بدء الصراع الحالي في عام 2011. كما أن وجود إيران طويل الأمد: عندما كنت سفيراً للولايات المتحدة في سوريا قبل عشر سنوات، كانت الولايات المتحدة تتقاسم مبنى سكنياً مع أعضاء في الحرس الثوري الإيراني. كانت هناك منشآت عسكرية للحرس الثوري في سوريا منذ ما يقرب من 20 عامًا. الدوريات الأمريكية الصغيرة في شرق سوريا لن تغير أيًا من هذه العلاقات الثنائية، ولن تكون قادرة على منع شحنات الصواريخ الإيرانية إلى البلاد – وهو أمر تقوم به القوات الجوية الإسرائيلية بشكل فعال.

يمكن لبايدن، بالطبع، الحفاظ على استراتيجية إدارة ترامب. لكن القيام بذلك يعني إهدار مليارات الدولارات مع تفاقم التوترات الطائفية والفشل في احتواء داعش في سوريا. للولايات المتحدة أهداف محدودة في سوريا من المفترض أن تكلّف واشنطن أقل بكثير. مهما كانت الأموال التي تريد إنفاقها يجب أن تذهب إلى مشكلة اللاجئين الهائلة. لذا مِن الأفضل السماح لروسيا وتركيا بتأمين مصالحهما الوطنية من خلال تحمل عبء مكافحة داعش. في نهاية المطاف، جوهر الدبلوماسية هو العمل على حل مشاكل محددة، حتى مع شركاء بغيضين، لتحقيق أهداف محدودة ولكنها مشتركة”. (بتصرف؛ المصدر فورين أفيرز).

Print Friendly, PDF & Email
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  إحتمالات التقاطع الأميركي ـ الإيراني.. والإنفراجات الآتية