كان العام الدراسي السّابق 2020/2021 محمّلًا بالأزمات على كلّ المستويات: اجتماعية، اقتصادية، وبالتأكيد مالية ما انعكس بشكل سلبي للغاية على الوضع والانتظام العام للتلامذة في المدارس والطلاب في الجامعات والأساتذة هنا وهناك، فهذه الشريحة من المجتمع اللبناني الأقل قدرة على التكيّف مع الوضع القائم، فمع كلّ تقلّب في سعر صرف الدولار تُكسر دون المقدرة على الجبر أبدًا، فالتاجر يغيّر من أسعار سلعه مباشرة أما الأستاذ فخسر أكثر من 90% من قيمة أجره خلال أقل من سنتين دافعًا أكبر الأثمان.
لم نستطع (وأتكلّم هنا بصيغة المتكلّم) خلال العامين الماضيين من تغيير شيء في وضعنا المعيشي. بالكاد وصلنا إلى نهاية السّنة الدراسية الماضية ومع كلّ المناشدات والصرخات التي كانت تطلق كلّ حين على شاكلة إضرابات مؤقتة أو مقالات صحفية أو حتى زيارات لوزارة التربية لم يكن هناك من آذان صاغية، بل جلّ ما اهتمت به الإدارة التربوية في لبنان هو إنهاء العام الدراسي بالامتحانات وإجراء استحقاق الامتحان الرّسمي كيفما كان.
نعم، كيفما كان أجريت الامتحانات فخلال السّنة الماضية وفي خضم كلّ الأزمات علّمنا عن بعد وحضوريًا ومدمجًا وبمناهج مخففة حينًا ومخففة اكسترا حينًا آخر، دفعنا ثمن الانترنت من جيوبنا المثقوبة، ووقفنا ساعات الذلّ الطويلة على محطات الوقود كي نتمكّن لاحقًا من الوصول إلى المدارس كي لا يتمّ استجوابنا من قبل التفتيش، نعم البعض استجوب وأدرج في ملفه الشخصي أنّه لم يلتزم بالدوام ومنّا من ركب الدراجات الهوائية لعشرات الكيلومترات، وكانت أمنيتنا الوحيدة في نهاية السّنة لا زيادة على الراتب – نحن نعرف تمامًا أن لا مقدرة الآن – بل أن نسمع كلمة تقدير وشكر من إدارتنا التربوية ولكن لا شيء، بل بالمقابل سمعنا مخططات حول تمديد العام الدراسي وصولًا إلى نهاية تموز/يوليو المنصرم.
فاجأتنا وزارة التربية بقرار أقل ما يقال فيه أنّه مهين ويؤكّد الانفصام ألا وهو المدرسة الصيفية لمن لم يتمكن من تحصيل الأهداف بشكل تام هذا العام، مدرسة صيفية في مدارس رسمية بعضها غير مجهز بمروحة سقف للاستعمال صيفًا، وكيف السّبيل للحث على المشاركة؟ نغري المعلّمين والأساتذة بدولارات (3.5$ على الحصة).. لا تعليق
إنّه ببساطة الانفصام التام عن الواقع، ففي كلّ مرّة كنّا نسمع أنّ الهمّ التربوي يدور حول التلامذة والطلاب، ولكن لم نشعر بذلك فعلًا على أرض الواقع، فالتلميذ مواطن لبناني أهله يعانون ما نعانيه جميعًا، فلا الانترنت وصل بشكل مجاني أو مخفف إلى منزله ولا الأجهزة الملائمة كانت بين يديه، وكلام وزير التربية هنا عن تأمين 60.000 الف جهاز لا يمكن أن يوضع إلّا في خانة الترويج والاعلام فعدد التلامذة في لبنان أكثر من 900.000 يتوزعون على كافة المراحل والمدارس الرسمية والخاصة.
انتظرنا طويلًا تغييرًا ما، لم يحدث شيء أبدًا بل على العكس فاجأتنا الوزارة بقرار أقل ما يقال فيه أنّه مهين ويؤكّد الانفصام ألا وهو المدرسة الصيفية لمن لم يتمكن من تحصيل الأهداف بشكل تام هذا العام، مدرسة صيفية في مدارس رسمية بعضها غير مجهز بمروحة سقف للاستعمال صيفًا، وكيف السّبيل للحث على المشاركة؟ نغري المعلّمين والأساتذة بدولارات (3.5$ على الحصة)، صراحة أكتب وأشعر بالمهانة والذّل كيف لنا نحن الأساتذة أن نشحن التلامذة بمعنويات الصمود والتحدي والتغيير الذي لا بدّ منه ووزارتنا تعتقد أنّنا لا نريد العمل إلّا بفتافيت الدولارات؟ لا تعليق..
مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية
بحسب تقرير “مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية”، هناك عقبات رئيسية تصعّب انطلاقة العام الدراسي القادم، فالهجرة الكبيرة من المدارس الخاصة نحو التعليم الرسمي بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نعيشها ستؤدي إلى تضاعف الضغط على المدارس والثانويات الرسمية دون أن تستطيع هذه الأخيرة التلبية لأسباب جوهرية متعدّدة منها:
- توزع المدارس الرسمية لا يتطابق مع الكثافة السّكانية:
المدارس الرسمية الموجودة في الضواحي والعاصمة والمدن الرئيسية تعدّ قليلة مقارنة مع الكثافة السّكانية الكبيرة، فعلى سبيل المثال في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت هناك 16 مدرسة وثانوية رسمية فيها 4.967 مقعداً دراسياً يمكن زيادتها لتصل إلى حوالي 6.500 بينما يبلغ عدد سكّان هذه المنطقة حوالي الـ 800.000 نسمة (على أقل تقدير).
بالمقابل، فإن المدارس الرسمية في الأطراف أكثر قدرة على تلبية الزيادات في أعداد التلامذة المهاجرين إليها ولكن هذا سيؤدي لمضاعفة الأعباء على الأهل لناحية الانتقال وتغيير أماكن السّكن.
- تدنّي قيمة رواتب الاساتذة والمعلّمين والهجرة:
ربطًا بما ذكر في بداية المقال، فقد هبطت قيمة الرواتب ووصلت إلى حدّ 120-150 دولارًا شهريًا، ما جعل هذه الشريحة غير قادرة على تأمين أساسيات العيش، فبدل الكهرباء وصلت قيمته لنصف الراتب، ولا كهرباء.
ما سبق يضغط على الأساتذة نحو الهجرة، سواء السّفر نهائيًا وترك لبنان أو ترك التعليم أقلّه والتفتيش عن مهنة أخرى تواكب تقلّبات العملة فالأستاذ يتقاضى راتبًا على أساس دولار 1515 ل.ل. ويعيش على أساس دولار 20.000 ل.ل.(حتى لحظة كتابة المقال، الرقم قابل للتعديل).
- الكلفة التشغيلية للمدارس:
تحتاج المدارس والثانويات الرسمية موازنات تشغيلية سنوية، هي عبارة عما تحتاجه من مصاريف تشغيل المولّدات الكهربائية أو الاشتراكات والطباعة وصولًا للأقلام والقرطاسية المستعملة في العمليّة التعليميّة، ولكن مع انهيار قيمة العملة أصبحت المبالغ المحصّلة من تسجيل التلامذة أقل بكثير من اللازم ما سيترك الإدارات في حيرة حول كيفية تأمين ما يلزم، وهذا ما حصل فعلًا في نهاية العام الدراسي 2020/2021 مع الامتحانات التي أجريت على كميّة جدّ محدّدة من الأوراق حيث كان يطلب من الممتحنين عدم استعمال أكثر من كرّاس واحد!
هبوط قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، أدّى لتضخم أسعار الكتب المدرسيّة بشكل كبير وصولًا لعدم استطاعة المركز التربوي من طباعة الكتب الرسمية العام الماضي ما دفع بالتلامذة لتأمين حاجاتهم من مكتبات المدارس وما هو مستعمل ومن تصوير ما يرسله لهم الأساتذة من مقررات مطبوعة
ولم نذكر حتى الآن المدارس في المناطق الجبلية الباردة التي تحتاج بالإضافة لكلّ ما سبق إلى موازنة خاصة بالمازوت للتدفئة، وهذه المادة اليوم مفقودة إلّا من السوق السوداء.
- حاجات التلامذة من كتب وقرطاسية:
دائمًا السّبب نفسه، هبوط قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار، أدّى لتضخم أسعار الكتب المدرسيّة بشكل كبير وصولًا لعدم استطاعة المركز التربوي من طباعة الكتب الرسمية العام الماضي ما دفع بالتلامذة لتأمين حاجاتهم من مكتبات المدارس وما هو مستعمل ومن تصوير ما يرسله لهم الأساتذة من مقررات مطبوعة، هذا إذا لم نحتسب أنّ سعر قلم الحبر الأزق العادي ناهز الأربعة آلاف ليرة لبنانية، فكيف لعائلة فقيرة ان تصل لما تحتاج؟
تصوّر الحل
الحلول المطروحة يجب أن تكون سريعة وشاملة تحاكي كلّ أطراف العمليّة التعليمية ولا تقتصر فقط على مساعدة طرف دون الآخر، فتأمين ما يحتاجه التلميذ من تجهيز وكتب وقرطاسية وحتى أجهزة الكترونية لا يعني أبدًا انطلاقة العام الدراسي ما لم تنظر الوزارة للجهاز التعليمي المنهك اليوم.
كما يمكن للمدارس وإداراتها تفعيل التعاون أكثر مع الإدارات المحليّة (البلديّات) والسّعي لتأمين مساعدات سواء من أفراد المجتمع المحلّي المعني بنجاحها أو من المنظمات الدوليّة.
بالإضافة لما سبق على وزارة التربية الضغط للإسراع في تنفيذ الاتفاقيات مع البنك الدولي حول مشروع شبكة الأمان الاجتماعي الذي يلحظ مساعدة الأسر الفقيرة لتشجيع أفرادها على الانخراط في التعليم بدل سوق عمالة الأطفال المزدهر كثيرًا هذه الأيام في لبنان.
أيضاً، علينا العمل على تغيير النظرة السّلبية النمطية في لبنان تجاه التعليم المهني، فهو حاجة أساسية للإنتاج في الأيام القادمة لا يمكن الاستغناء عنها، وعليه هناك توجهات استراتيجية لا بدّ لمتخذّي القرار من مواكبتها الا وهي حاجات سوق العمل فلا زال هناك عائلات حتى السّاعة تسعى في سفر ابنائها وبناتها ليتخصصوا في الطب والصيدلة بينما الحاجة في مكان آخر كلّيًا.
أخيرًا، إنقاذ القطاع التعليمي في لبنان بأهميّة إنقاذ المؤسسات الأمنية فلك عزيزتي القارئى وعزيزي القارئ أن تتخيّل أين هو الخيار اليوم: تلميذ في مدرسة أو مهنيّة أو عامل في مهن استغلالية قد تودي به إلى ما لا تحمد عقباه في الأيام اللاحقة، إن لم نقل عضو مافيا من المافيات اللبنانية التي ينتجها النظام لنا يوميًا..
رجاءً اعذروا أخطائي الإملائية أو الطباعية إن وجدت، فربطًا بالمقدّمة سقط سهوًا أن أفيد القارئ والقارئة أنّني على عجلة قبل أن تعاجلني بطارية جهازي المحمول برسالة مفادها: “بطاريتك على وشك النفاذ، عليك وصلها بخط الكهرباء”، ونحن لم نعد نعرف هذه الأخيرة. (المصادر: خاص 180؛ مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية في بيروت).