خطر المشروع الصهيوني على لبنان.. والمسيحيين

تتوجّه هذه المقالة أساسا إلى المسيحيّين المتردّدين في مواجهة "إسرائيل" أو الذين يعتقدون أنّ التطبيع معها أمرًا إيجابيّا أو غير ضارّ، ونبيّن بالبراهين أنّ وجود "إسرائيل" ككيان ودولة هو مشروعٌ خطِرٌ على لبنان ومسيحيّيه، ونجيب على بعض مبرّرات التطبيع الشائعة.

خطر المشروع الصهيوني على لبنان

منذ بدايته، لم يكتفِ المشروع الصهيوني بطرح إقامة دولة «يهوديّة» في فلسطين بل سعى للتوسع نحو لبنان. وتعود الهجمات العدائيّة الاسرائيلية على لبنان إلى ما قبل نشوء منظّمة التحرير الفلسطينية في منتصف ستينيات القرن الماضي. ومؤخرًا وثّقت تقارير عدّة خُططًا لضمّ مساحاتٍ إضافية من جنوب لبنان عبر إنشاء «مستعمرات زراعيّة»، وهدّد مسؤولون إسرائيليون بذلك. لذلك يجب النظر إلى استهداف البنى التحتيّة والقرى والمزارع في جنوب لبنان اليوم كخطوات تهدف إلى دفع السكّان إلى الهجرة أو الخضوع.

تعمل «إسرائيل» أيضا على إشعال الفتن الأهليّة عبر افتعال خلافات طائفيّة ومذهبيّة لإشعال الصراعات الداخليّة. وقد خاطب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو اللبنانيّين العام الماضي كمسيحيين وسنّة وشيعة ودروز. هدفه من ذلك أن يرى الناس أنفسهم مجموعات دينيّة منفصلة وليسوا شعبًا واحداً. هذه الرؤية الطائفية-الدينيّة تؤسّس لضرب المجتمعات في لبنان والمنطقة، محاولة تفكيكها إلى كيانات دينية صغيرة، متناحرة، فقيرة، ضعيفة، وفاقدة للسيادة، الأمر الذي يُمكن “إسرائيل” من شنّ الحروب عليها لنهب ثرواتها عندما تريد.

لقد ذكر البطريرك الماروني الراحل نصرالله صفير أنّ «إسرائيل لا يمكن أن تقبل بالسلام في لبنان، فالديموقراطية نقيض ايديولوجيتها»، لأنّ الديموقراطيّة تساوي بين الجميع كمواطنين، وهذا عكس المشروع الصهيونيّ الذي لا يسمح بحقوق متساوية للجميع. من هنا فالقبول بـ«شرعية» وجود دولة «يهوديّة» سوف يشرعن منطق التقسيم الطائفيّ الذي يصبح فيه مسيحيّو المنطقة وغيرهم، مجرد أقلّيات مستهدفة.

لا يعني التصدي للمشروع الصهيوني شنّ الحرب بالضرورة، ولا يعني الالتحاق بإيران. التصدّي يتطلّب وعيًا وطنيًا قائمًا على مبادئ الحرّية والعدالة، وأن نتجّه كشعب نحو تعزيز الوحدة الداخلية. ومن ناحية المسيحيّين يعني أن يتجاوبوا مع خطاب الإنجيل الذي يُعلّي شأن الأخوّة البشريّة، وما تعنيه تلك من مساواة بين الناس، حرّية، عدالة، ومشاركة في خيرات الأرض

خطر المشروع الصهيوني على المسيحيين

يمكن للبنان، ومسيحيّيه بالتحديد، الاستفادة من تجربة السودان. في السودان عمل الاستعمار البريطاني على تأجيج الاختلافات الهوياتية مقسّماً المجتمع بين عرب وأفريقيين، مسلمين ومسيحيين، قبائل مختلفة؛ ونظّم تعدادًا طائفيًا وقبليًّا للسكان (كما فعل الفرنسيون عندنا). تفاقمت الاختلافات بين الهويّات حتى طالب المسيحيون في الجنوب بالانفصال. لكن ما أن نال جنوب السودان الاستقلال (2011) حتى اندلعت الحروب الأهليّة بين المسيحيّين، تمامًا كما حصل في لبنان داخل المناطق «المسيحية» خلال الحرب الأهلية.

إنّ الكيان الصهيونيّ الذي دعم تنظيمات مسلحة «مسيحيّة» في لبنان والسودان، و«سنّية» و«درزيّة» و«كرديّة» في سوريا، و«شيعيّة» في اذربيجان، وغيرها، ينسق اليوم مع النظام السوري الجديد الذي ارتكبت مجموعاته المسلحة مجازر بحق العلويين والدروز. فالهدف واحد ألا وهو تفكيك البلاد الواحدة إلى كيانات طائفيّة متناحرة تبقى تحت سيطرته.

من ناحية أخرى، لم يعد خافياً مشروع تهجير المسيحيين في المنطقة.. وهجرة المسيحيّين الفلسطينيّين والعراقيين (وحالياً السوريين) هي أسطع دليل. لذا، من النفاق أو الغباء تصوير الصهيونيّة كحامية للمسيحيّين. فالكنائس في فلسطين أعلنت مرارا أنّ السبب الأكبر لهجرة المسيحيّين الحاضرين هناك منذ فجر المسيحيّة، هو الاحتلال وسياساته العدوانيّة. هذه السياسات الصهيونيّة التي تُهجّر المسيحيّين مرشّحة أن تتكرّر في لبنان.

الردّ على الاعتراضات الشائعة

يُبرّر البعض التطبيع على أساس ضعفنا في الحرب الأخيرة. لكن جيش الاحتلال لم يستطع تجاوز خطوط أماميّة صمدت في الحرب البرية. وشروط الاتفاق المجحف بحق لبنان ليست مبرراً لاستسلام كامل. ثمّ يجب أن نفكّر مليًّا في الفكر الإباديّ الصهيونيّ الذي يُحرّك مشروع الإبادة في غزّة. إن هذا الفكر يُمكنه أن يُقرّر في يوم من الأيّام إبادةً في لبنان لتحقيق مكاسب! من الضروريّ التصدّي للمشروع الصهيوني واستقاء الدروس من غزّة، فالاستسلام العمليّ يُفقد البلاد السيادة، ويجعلها عرضة حتميّة للنهب والتهجير، ولإمكانيّة الإبادة.

يرى البعض أن التطبيع يفتح فرصًا اقتصادية، وخصوصًا في حالة بعض دول الخليج، وهنا ينبغي توضيح الآتي:

أوّلاً، خلال مقابلة أجراها نتنياهو مؤخراً مع إحدى الأقنية العبرية، صرّح بأنه يرى نفسه في مهمة “تاريخية” و”روحية” لتحقيق رؤية “إسرائيل الكبرى”. وعلى الرغم من أن نتنياهو لم يُحدّد أراضي بعينها يسعى إلى ضمها ضمن ما يُسمّى “إسرائيل الكبرى”، فإن هذه الرؤية معروفة بتضمّنها مناطق يُفترض أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية المنتظرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلى جانب أراضٍ تقع شرقاً وغرباً من نهر الأردن، ومناطق من مصر تشمل شبه جزيرة سيناء، وصولاً إلى الضفة الشرقية لنهر النيل. أي أن المسألة تتجاوز الجغرافية المباشرة، كما يتوهم البعض.

ثانياً، إن الثراء في الخليج ليس سببه التعامل مع «اسرائيل»، بل وجود النفط في بلاد تعاني من ضعف ديموغرافي.

إقرأ على موقع 180  أي دور للمكلف تشكيل الحكومة ومن يصرّف الأعمال؟

ثالثاً، إن معظم أنظمة الخليج تحكمها ديكتاتوريات، تستولي فيها مجموعة من الحكّام على ثرواتها. الوضع في لبنان وسوريا لو صار خاضعاً للصهيونيّة، سيكون شبيها للخليج من ناحية القمع، لكن من دون وجود ثروات لتوزّع، وعدد المواطنين كبير جدّا مقارنة بالخليج. ما يعني أننا بالتطبيع سنجني القمع من دون البحبوحة.

لا يعني التصدي للمشروع الصهيوني شنّ الحرب بالضرورة، ولا يعني الالتحاق بإيران. التصدّي يتطلّب وعيًا وطنيًا قائمًا على مبادئ الحرّية والعدالة، وأن نتجّه كشعب نحو تعزيز الوحدة الداخلية. ومن ناحية المسيحيّين يعني أن يتجاوبوا مع خطاب الإنجيل الذي يُعلّي شأن الأخوّة البشريّة، وما تعنيه تلك من مساواة بين الناس، حرّية، عدالة، ومشاركة في خيرات الأرض. ومن هنا من الضروريّ تفعيل الخطاب اللاهوتي المناهض للاحتلال كجزء من الخطاب اللاهوتيّ المناهض للظلم. فالاحتلال ظلمٌ ينزع الحرّية وينهب الثروات (والأرض)، ويمنع الحياة بكرامة.

ينبغي لمن يهتمون بحماية الناس في لبنان، ومنهم مسيحيّيه، التمسك بالمواطنة لا بالطوائف كمبدأ للانتساب إلى الوطن الواحد، ممّا يحمي جميع الناس، مهما كانت طوائفهم وأديانهم، وينبغي لهم التصدي للأشكال المختلفة التي يهدّد بها المشروع الصهيوني حاضرنا ومستقبلنا عوض القبول بها.

Print Friendly, PDF & Email
ألان علم الدين

مترجم وكاتب ومنسق في "مبادرة الدولة الديموقراطية الواحدة" ومناصر لـ"حركة مواطنون ومواطنات في دولة"، لبنان

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  إنّها "العَوْدةُ".. هلْ مَن يعتبر؟