برنامج “الأثقال” الإسرائيلي.. الأسرى الفلسطينيون “يستحقون الموت” (51)

في الحلقة الحادية والخمسين من كتابه "انهض واقتل اولا، التاريخ السري لعمليات الاغتيال الاسرائيلية"، يعرض الكاتب "الإسرائيلي" رونين بيرغمان "نماذج" من ممارسات "إسرائيلية" وحشية بحق معتقلين فلسطينيين سبقت عملية القتل المتعمد التي نفذها "الشين بيت" ضد بطلي عملية "الباص 300" مجدي وصبحي ابو جمعة في 12 نيسان/أبريل 1984.

يقول رونين بيرغمان إنه مع تصاعد العمليات الفدائية، تصاعدت ضغوط الرأي العام على الحكومة “الإسرائيلية” كي تنتهج أجهزتها الامنية والعسكرية تدابير أكثر قساوة في مواجهة “الإرهاب”.

ومع انتهاج هكذا نوع من التدابير “ضعفت تدريجياً اجراءات التحكم والسيطرة والمراقبة لردود الافعال العسكرية والامنية على الهجمات الفدائية. وهكذا فان عمليات القتل المتعمد التي كانت تتم بعيداً عن حدود البلاد بموافقة مسبقة من أعلى السلطات باتت تجري داخل البلاد وبإشراف أقل بكثير من سابقاتها خارج البلاد، والافعال “غير المنضبطة” المحدودة التي جرت بعد “حرب الايام الستة” (1967) باتت افعالاً مقبولة خلال سبعينيات القرن الماضي”.

ويضيف الكاتب ان جهاز “الشين بيت” المكلف بالتصدي لهجمات منظمة التحرير الفلسطينية في الاراضي المحتلة استخدم تكتيكات غير قانونية منذ الستينيات لأن المحققين في الجهاز كانوا يؤمنون انه ما لم يستحصلوا على المعلومات من الاسرى باي طريقة كانت، فان المزيد من الاسرائيليين سيُقتلون في هجمات لاحقة، وهذه القناعة ادت الى استخدام كل وسائل الاذلال والقهر للمعتقلين خلال التحقيق، وبينها التعذيب النفسي والجسدي وعمليات اعدام وهمية وحرمان من النوم واجبار المعتقلين على البقاء لفترات زمنية طويلة في وضعيات مؤلمة وغير محمولة، وتعريضهم للحرارة الشديدة والبرد الشديد، وكان المعتقلون يُوهمون احياناً انهم حُقنوا بنوع من “مصل الحقيقة”، وهو في الحقيقة نوع من الادوية التي تسبب العقم، كل ذلك كان يتم في اقبية التحقيق الرطبة والمظلمة والتي بحسب “المحقق جيلون” يمكن “لاي شخص طبيعي ان يعترف خلالها بقتل السيد المسيح”. حتى ابراهام شالوم قال انه صُدمَ عندما زار معتقل “هيبرون” بصفته قائداً لوحدة الاغتيال “عصافير” وشاهد بأم عينه “شي معتقل عربي كنت اعتبره عجوزا لكنه كان يبلغ من العمر خمسة وخمسين عاما ولكنه بدا اكبر بكثير من ذلك وكان المحقق يصرخ بوجهه باللغة العربية “لماذا تكذب”؟ وكان المعتقل متهالكاً يائساً، ما جعلني اشعر بالاسى عليه فسألت المحقق لماذا يصرخ عليه فاخذ المحقق كرسيا وكسرها على الارض واخذ احد ارجلها واخذ يضرب بها يد العجوز قبل ان يطلب منه ان يضع يده على الطاولة ويسحق له اصابعه بضربات قوية متكررة بالعصا”.

وفي مناسبة اخرى، يقول إبراهام شالوم ـ حسب رواية بيرغمان ـ “رأيت محققاً يقتل معتقلاً عربياً ليس بقبضات يديه بل بضربه من حائط الى حائط، وصولاً إلى ضرب رأسه بالحائط بشدة وكأنه كان يريد أن يكسر الحائط.. وبعد اسبوع من الحادثة توفي هذا المعتقل جراء نزيف داخلي حاد في الدماغ”.

يضيف بيرغمان ان بعض المعتقلين كانوا يموتون تحت التعذيب وبعضهم الاخر كانوا يُدفعون نحو الانتحار وفي حالات اخرى كان يعثر على بعض نشطاء منظمة التحرير الفلسطينية الذين يعتقلون للاستجواب فقط وهم ميتون قبل وصولهم الى مراكز الاعتقال، وكان اخرون يختفون ببساطة وكانت عائلات هؤلاء تشتبه بانهم في احد المعتقلات فيطلبون مساعدة الشرطة بالعثور عليهم فتقوم الشرطة بنشر صورهم في الصحف المحلية بصفتهم مفقودين – وهو الاجراء المتبع في هكذا حالات – وتسأل “الشين بيت” عنهم فكان يأتي “الرد المعتمد” بحسب الضابط الرفيع في الجهاز يوسي جينوسار “لا معلومات لدى المؤسسة الامنية عن مكان وجود الشخص موضوع السؤال مع العلم اننا كنا نعلم بالدقة في اي حفرة تم دفن هذا الشخص”.

كان المعتقلون يُوهمون أحياناً انهم حُقنوا بنوع من “مصل الحقيقة”، وهو في الحقيقة نوع من الادوية التي تسبب العقم، كل ذلك كان يتم في اقبية التحقيق الرطبة والمظلمة والتي بحسب “المحقق جيلون” يمكن “لاي شخص طبيعي ان يعترف خلالها بقتل السيد المسيح”

ويتابع بيرغمان ان بعض الاشخاص “المفقودين” كانوا يُقتلون وفق برنامج سري حمل اسم “الاثقال”، وفي احدى عمليات برنامج “الاثقال” التي استهدفت رجال القائد الفلسطيني “ابو جهاد” (خليل الوزير) الذين كانوا مكلفين بتهريب كمية كبيرة من السلاح الى الاراضي المحتلة لوضعها في مخازن يقوم بعدها رجال اخرون بتسليمها الى المجموعات التي ستستخدمها لشن هجمات. اكتشف رجال “الشين بيت” مكان هذه المخازن فوضعوها تحت المراقبة بانتظار ان ياتي الفريق المكلف باخذ السلاح ليصار الى اعتقال رجال الفريق كلهم، وفي بعض الحالات كان “الشين بيت” بدلا من اعتقال هذا الفريق يقوم بتفخيخ المخزن بكمية كبيرة من المتفجرات التي تنفجر عند وصول الفلسطينيين اليه.

وينقل بيرغمان عن مصدر في “الشين بيت” قوله “ان الفكرة الاساسية لبرنامج “الاثقال” اتت من ممارسات المؤسسة العسكرية الاسرائيلية في جنوب لبنان ابان الاحتلال والتي تقول انه في بعض الاحيان لا جدوى من اخذ اسرى لان ذلك سيعني المزيد من المخاطر على قواتنا فالجانب الاخر سيفكر باخذ رهائن من اجل استعادة اسراه في عمليات تبادل وعلى اي حال فان هؤلاء يستحقون الموت. فكنا نرى ان كائنا من كان الذي سيأتي لاخذ الاسلحة من هذه المخازن فانه سيستخدمها لقتل اليهود لذلك من الاجدى ان نجعله يموت في حادث عمل”.

إقرأ على موقع 180  ثلاثة فصول من حرب صدام ـ "الموساد".. النووية! (68)

يضيف بيرغمان أن عمليات برنامج “الاثقال” التي تلخص إعدام المشتبه بهم أحياناً والذين لا يشكلون تهديداً مباشراً، كانت تشكل خرقاً واضحاً للقوانين “الاسرائيلية” ولقواعد الحرب وهي لم تكن عمليات غير منضبطة لعناصر مارقة بل كانت عمليات اعدام وقتل متعمد متجاوزة للجهاز القضائي برمته، وكانت تتم بعد ان يُقدم اقتراح بها الى رئيس “الشين بيت” من قبل كبار ضباطه فيقرها قبل ان يقرها له ايضا رئيس الحكومة اولا اسحاق رابين ومن بعده مناحيم بيغن ومن بعده اسحاق شامير على التوالي. وفي بعض عمليات تفخيخ المخازن كان عملاء “الشين بيت” يموهون عبواتهم الناسفة بوضع اكوام خفيفة من الحصى فوق العبوة او تحت صخرة كبيرة، في هذه الحالات يأتي نشطاء منظمة التحرير لاخذ الاسلحة ولكن في حالات اخرى كان يقوم برفع الصخرة أحد الرعاة أو ثنائي رومانسي بدافع الفضول فيقتلون ليأتي جنود الجيش “الاسرائيلي” ليلا فيجمعون الجثث ويتم دفنها في مقبرة مخصصة لقتلى العدو. وقد مارس “الشين بيت” سياسة صارمة بضرورة قول الحقيقة داخل الجهاز فقط ولكنه جعل عمليات الكذب في هذا الموضوع في العالم الخارجي سياسة صارمة ايضا من اجل التغطية على ممارساته. فكان المعتقلون مثلا يشتكون في المحكمة ان اعترافاتهم انتزعت منهم بعد تعرضهم للتعذيب الشديد، ولكن لم يكن لهذا الامر اية اهمية اذ عندما كان يُستدعى المحققون للشهادة في المحكمة فانهم كانوا كلهم يقولون ما ابلغوا داخل “الشين بيت” بقوله وهو استخدام مناورة “فلينظر المعتقل في عيني”، وعندما كان يسأل القاضي المحقق ما اذا كان قد ضرب السجين او عذبه باية طريقة من الطرق كان المحقق ينظر الى القاضي ثم ينظر الى السجين ومن ثم مجددا الى القاضي ويقول “لم المسه بتاتا فلينظر الان في عيني ويقول اني فعلت له اي شيء”.

وينقل بيرغمان عن رئيس قسم المحققين في “الشين بيت” ارييل هادار قوله “لقد نكرنا كل شيء وكان القضاة يصدقوننا بالطبع لان بعض المعتقلين كانوا يميلون الى المبالغة في وصفهم لما فعلنا بهم ما يؤدي الى عدم تصديق كل ما قالوه”. ويصر هادار كغيره من رجال “الشين بيت” الذين جرت مقابلاتهم خلال اعداد هذا الكتاب على ان المعلومات التي تم الاستحصال عليها في تحقيقاتهم انقذت ارواح العديد من “الاسرائيليين” جراء احباط الهجمات التي كانت ستنفذ، ويضيف كل هؤلاء مراراً وتكراراً زعمهم انه لم تتم اساءة المعاملة سوى للمذنبين. ويتابع هادار “لم نفبرك ابدا اي اثباتات ولم نختلق اي حقائق ولم نكن لنمثل في المحكمة لو لم نكن مقتنعين الف بالمئة ان الشخص الذي تجري محاكمته مذنب”.

ويقول بيرغمان انه “تم الغاء برنامج “الاثقال” في الثامن من ابريل/نيسان عام 1979 بعد ان ادى خلل في انفجار عبوة ناسفة الى قتل احد عملاء “الشين بيت” وتم تعيين ابراهام شالوم لرئاسة الجهاز في العام 1980 فاعاد على الفور العمل بهذا البرنامج في ظل ارتفاع حدة الهجمات (الفدائية)”..

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Download Nulled WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  "حوارات بوتين".. أميركا وقعت في "الفخ" الامبراطوري