إبنة مشعل تصرخ “بابا.. بابا” فينكشف “الموساد” والأردن (89)

في كتابه "إنهض واقتل أولاً، التاريخ السري لعمليات الإغتيال الإسرائيلية"، يروي الكاتب رونين بيرغمان التفاصيل الدقيقة لفشل محاولة إغتيال القيادي الفلسطيني خالد مشعل في 25 أيلول/سبتمبر 1997، بدس جرعة من السم في جسده في العاصمة الأردنية. ماذا يقول بيرغمان؟

في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول، بدا أن عميلي وحدة “الحربة” وهما مكلفان بالمراقبة سيثيرا شبهة أحد العمال في سوق شامية في العاصمة الأردنية، واعتبر رئيس الوحدة المذكورة المدعو “جيري” ان مواصلة التحرك في منطقة تنفيذ العملية بات خطراً وكان على الفريق ان يغادر في اليوم التالي سواء أكانت العملية قد نُفذت ام لم تُنفذ.

لم يكن الفريق قد جمع المعلومات الكافية عن تحركات القيادي في حركة “حماس” خالد مشعل ولم يكن أعضاء الفريق يعلمون مثلاً انه في بعض الاحيان كان يصطحب معه اطفاله لأخذهم الى المدرسة في الصباح، وذلك كان تماماً ما فعله صباح 25 سبتمبر/ايلول 1997، أي في آخر يوم محتمل لتنفيذ العملية، والأسوأ من ذلك ان الاطفال كانوا يجلسون في المقعد الخلفي للسيارة.. فلم يتمكن فريق المراقبة من رؤيتهم.

وعند الساعة 10:35 صباحاً، وصلت السيارة التي تقل مشعل الى مركز التسوق فخرج “جيري” من سيارة المراقبة واعطى الاشارة للعميلين المنتظرين مع قارورة الصودا المعدنية وآلة بث السم (الفينتانيل) للبدء بالعملية. لم يكن أحد من اعضاء الفريق يحمل وسيلة تواصل وذلك كتدبير وقائي في حال حصل امر ما سيء لا يكون عندها مع العملاء المنفذين اي شيء يثبت جرمهم، ولكن ذلك كان ايضا يعني انه ما ان يبدأ تنفيذ العملية لم يكن هناك اية وسيلة لإبلاغهم بوقف التنفيذ.

خرج خالد مشعل من سيارته وبدأ يسير نحو مكتبه وكان عميلا “الحربة” يلاحقانه، وكان يفترض بسائقه ان يواصل طريقه لأخذ اولاد مشعل الى المدرسة، ولكن فجأة لم تُرد الابنة الصغيرة لمشعل ان تترك والدها، فقفزت من السيارة وركضت نحوه وهي تناديه “بابا، بابا” فركض السائق خلفها. رأى “جيري” ما يحصل، ولكن فريق الاغتيال لم يكن بإمكانه رؤية ذلك، فحاول “جيري” ان يشير إليهما بوقف التنفيذ، ولكن في تلك اللحظة كانا قد أصبحا خلف أحد اقواس الممر ولا يمكنهما رؤية “جيري”. اقتربا من مشعل وأحدهما يرفع قارورة السم الملصقة بكف يده وأصبح جاهزا ان يرش مشعل على مؤخرة رقبته فيما بدأ الآخر بفتح قارورة الكوكا كولا بفرقعتها الفوّارة. تماماً في تلك اللحظة، إعتقد السائق الذي كان يُلاحق الطفلة الصغيرة أن الرجل الذي يرفع يده نحو مشعل من الخلف يُريد طعنه بسكين فصرخ “خالد.. خالد”. سَمعهُ مشعل وسمع ابنته تناديه مراراً فاستدار نحوهما، فأصابته رشة السم في أذنه بدلاً من مؤخرة رقبته. هذا لم يكن من شأنه تغيير مفعول السم، ولكن غطاء العملاء قد إنكشف عندما وجد مشعل نفسه وجهاً لوجه مع الرجل الذي رشّه بشيء ما من أنبوبة غريبة ففهم على الفور أن حياته باتت في خطر فأخذ بالركض بعيداً عن عميلي “الحربة”، فيما التقط السائق الطفلة وركض عائداً الى السيارة، اما القتلة فقد ركضوا ايضاً متخلصين من قارورة السم والصودا في سلة مهملات بينما كانوا في طريقهم الى سيارة الفرار التي كانت بانتظارهما.

كان مشعل لا يزال في مكتبه وقد استدعى زميليه القياديين في حركة “حماس” موسى ابو مرزوق ومحمد نزال، فقرروا إصدار بيان يقول ان “الموساد” حاول قتل مشعل وان القصر الملكي الاردني كان على علم بالخطة، وفيما هم يتحدثون بدأ مشعل يشعر بالضعف والدوخة، فقد بدأ السم يسري في دمه فسارع رفاقه وبعض المرافقين الى نقله الى المستشفى

يقول داني ياتوم، رئيس “الموساد” وقتذاك، بحسب بيرغمان، ان العملاء لم يتصرفوا بطريقة سليمة “الفرضية الاساسية للعملية أن تكون صامتة، ويجب أن لا يعلم “الهدف” (مشعل) بأنه قد جرى التأثير عليه بشيء ما. لقد خالف العملاء بشكل صارخ أوامري التي كانت بلا أدنى شك واضحة خطياً وشفهياً، وفي مناسبتين كنت خلالهما اراقب التدريب قلت فيهما إذا اقترب أي أحد من مشعل يجب ان لا يواصل العميلان التنفيذ، لكنهما فعلا ذلك على اي حال، وكان هذا هو سبب الفشل، أي التنفيذ الناجم عن التحفيز المفرط في ظروف كانت تشير بوضوح بعدم مواصلة التنفيذ”.

في وضع مثالي، يقول الكاتب نفسه، “كان يجب ان يكون هناك فريق اخر من “وحدة قيساريا” على مقربة من مكان العملية بانتظار القيام بعملية الهاء عند الضرورة، لكن في هذه العملية لم يكن هناك اي فريق، والاسوأ ان رجلاً يدعى محمد ابو سيف، وهو مقاتل مدرب ويعمل لدى “حماس” كناقل أسلحة وأموال صادف مروره في المكان خلال العملية، لكنه عندما رأى زعيمه يركض باتجاهه وهناك غريبان يركضان باتجاه آخر، التقط فكرة اولية عما يحصل فطارد الاسرائيليين حتى استقلا سيارتهما فتمكن من اخذ رقم لوحتها عندما انطلقا بها. رأى سائق السيارة التي أقلت العميلين أن محمد ابو سيف تمكن من كتابة رقم اللوحة فأخبر العميلين، وعلقت السيارة في زحمة سير قوية فانحرفت يميناً في طريق جانبي لتنحرف مرتين جديدتين الى اليمين، وعندما اعتقدا انهما أصبحا بعيدين عن مسرح العملية طلبا من السائق التوقف، وبما انه تم التعرف على السيارة اعتقدا انه من الاسلم التخلص منها حتى ولو عرفا متأخرين ان الشرطة الاردنية ستحتاج لساعات قبل إطلاق عملية البحث عنهما. ولم ينتبه الاسرائيليان ان ابو سيف العنيد قد استقل سيارة وواصل ملاحقتهما، ووصل اليهما في اللحظة التي اخذا يسيرا فيها باتجاهين مختلفين، وأحدهما كان قد عبر الطريق. وكان ابو سيف خبيراً بالقتال الجسدي بعد ان تدرب في معسكرات المجاهدين في افغانستان، فامسك بالإسرائيلي وقرّبه منه واخذ يصرخ ان هذا الرجل من الاستخبارات الاسرائيلية وأنه حاول قتل قائد “حماس”، ما جعل الاسرائيلي الآخر ينطلق عائداً حيث لكم ابو سيف على رأسه فشعر الأخير بدوخة واخذ ينزف، ولكن بدلاً من ان يهرب الاسرائيليان فقد بقيا وحاولا خنق ابو سيف الذي اخذ يفقد وعيه. لقد كان الحظ الجيد الى جانب “حماس” في ذلك اليوم.

في تلك اللحظة تماماً، صودف مرور سيارة أجرة تقل مقاتلاً سابقاً في جيش التحرير الفلسطيني يدعى سعد الخطيب وكان حينها قد اصبح عميلاً للأمن الاردني، وما أن شاهد حشد الناس يراقب أجنبيين يحاولان خنق مواطن حتى طلب من السائق التوقف وان ينتظره كي يبعدهما عنه. وينقل الكاتب عن سعد الخطيب قوله “احد الشخصين التقط حجراً كبيراً ورفعه الى الاعلى ليرميه على رأس ابو سيف، فقفزت عليه ورميته ارضاً وجلست على صدره وحاولت ان اسيطر على حركته”. عندها قال الخطيب للإسرائيليين إنه سيأخذهما الى مركز للشرطة، ونظراً لخوفهما من ان يقوم حشد الناس الذي جذباه اليهما بقتلهما، وافق العميلان من دون اي تحفظ، فيما قدّم بعض المارة يد العون لابي سيف كي يركب سيارة الاجرة – التي كان يستقلها الخطيب الذي طلب منه ان يجلس في المقعد الامامي ـ واستعار هاتفاً خليوياً كي يتصل بخالد مشعل.

كان العميلان على ثقة ان الهويات ـ الغطاء التي يحملانها سوف تصمد في التحقيق، فاظهرا في مركز الشرطة جوازيهما الكنديين واخبرا الشرطة انهما سائحين اتيا الى البلاد للاستمتاع بالمواقع الاثرية الاردنية ورويا كيف أنه وبشكل مفاجئ وفي وسط الطريق انقض عليهما “هذا المجنون” (أبو سيف) واخذ يضربهما. ولكن عندما جرى تفتيشهما وجدت السلطات على ذراع أحد العملاء رباط جروح من دون ان يكون تحته اي جرح وتبين أنها الشرائط اللاصقة التي استخدمت لتثبيت الآلة فوق الصوتية، فجرى اعتقالهما. عندها، استخدما هاتف السجن للاتصال “بأقاربهما في الخارج”. وبعد ساعتين من اعتقالهما اتى القنصل الكندي الى مركز الشرطة، وادخل الى زنزانتهما وسألهما اين عاشا في كندا بالإضافة الى اسئلة اخرى عن كندا. بعد عشر دقائق خرج القنصل وأخبر الاردنيين “لا أعرف من هما، ولكن بالتأكيد ليسا كنديين”.

كان مشعل لا يزال في مكتبه وقد استدعى زميليه القياديين في حركة “حماس” موسى ابو مرزوق ومحمد نزال، فقرروا إصدار بيان يقول ان “الموساد” حاول قتل مشعل وان القصر الملكي الاردني كان على علم بالخطة، وفيما هم يتحدثون بدأ مشعل يشعر بالضعف والدوخة، فقد بدأ السم يسري في دمه فسارع رفاقه وبعض المرافقين الى نقله الى المستشفى، ولو بقي الامر كذلك لبضع ساعات لكان قد مات.

بطبيعة الحال، فان الاتصالات الهاتفية التي اجراها عميلا “الحربة” من زنزانتهما كانت مع زملائهما في فريق “الموساد”، وأحد هؤلاء كانت عميلة توجهت فور تلقيها الاتصال الى فندق انتركونتيننتال لإبلاغ الضابط في وحدة “قيساريا” بن ديفيد بالأمر. كان الأخير جالساً بثوب السباحة قرب بركة الفندق في ساحته الواسعة يقرأ رواية الكاتب الأمريكي جيروم ديفيد سالينجر “حارس حقل الشوفان”. ينقل بيرغمان عن بن ديفيد قوله “لمجرد رؤية وجه العميلة شعرت ان امراً سيئاً قد حصل. تبادلنا بضع كلمات وعرفت ان حادثاً خطيراً قد وقع”. تبعاً للخطة الاصلية كان يفترض بالفريق المكلف بالعملية ان يطير من عمان في اتجاهات مختلفة، ولكن بعد ما حصل كان من المؤكد ان عيون الأردنيين ستكون مركزة بصورة أساسية على المطار.

إقرأ على موقع 180  حوارات بوتين: العلاقة مع الأوليغارشية والنظرة إلى ستالين

يتابع بيرغمان، اتصل بن ديفيد بمقر قيادة “الموساد” في تل ابيب فأعطيت إليه التوجيهات بجمع كل أعضاء الفريق من مخابئهم وإحضارهم على الفور إلى السفارة الإسرائيلية في عمان، وللصدفة فان اخبار اعتقال العميلين وصلت الى مقر قيادة “الموساد” في تل ابيب فيما كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موجوداً هناك لمعايدة الجهاز بعيد رأس السنة العبرية. كان نتنياهو على وشك إلقاء كلمة فيما كان المئات بانتظار بدء الاحتفال. في تلك اللحظة، ابلغ داني ياتوم رئيس الوزراء بالأخبار السيئة. فقرر الرجلان ان يواصلا الاحتفال وكأن شيئاً لم يكن، فتحدث نتنياهو باختصار وشكر العاملين بحرارة لمساهمتهم في الحفاظ على امن البلاد ليسرع بعدها مع ياتوم الى مكتب الأخير. أعطى نتنياهو الأوامر إلى ياتوم بالسفر فوراً إلى عمان وإخبار الملك حسين بما حصل وان عليه ان “يفعل أي شيء” لضمان إطلاق سراح العميلين “وإذا اقتضت الضرورة ان ينقذ حياة مشعل، فليفعلوا ذلك”، بحسب ما قال نتنياهو لياتوم.

حافظ ربابة على لياقته المهنية مع الطبيبة “بلاتينيوم” بما يتناسب مع رتبته العسكرية والطبية، ولكن بداخله كان يغلي غضباً وينقل عنه قوله “يجب عدم استخدام الطب لقتل الناس، ولكن الإسرائيليين فعلوا ذلك مراراً وتكراراً”. بعدها اخذ مشعل يتحسن ويشفى بسرعة وعاد داني ياتوم الى إسرائيل بصحبة بن ديفيد والعميلين اللذين قالا انهما تعرضا خلال اعتقالهما لضرب مبرح، ولكنهما لم يفصحا عن اي معلومات

استقبل الملك حسين رئيس “الموساد” داني ياتوم، وهو متفاجئ بما كان يحصل، وهرع خارجاً من الغرفة بغضب، وينقل الكاتب عن ياتوم تفاصيل تلك اللحظات قائلاً “لقد كان (رئيس جهاز الاستخبارات الأردنية سميح) البطيخي من جعل الملك غاضباً لأنه شعر بأني أهنته، فمن دون البطيخي كان يمكن لنا انهاء الموضوع مع الملك بهدوء وبسعر اقل. خلال النقاش، اشتكى البطيخي بأني لم أخبره بالأمر مسبقاً قائلاً “كان يمكن ان نخطط للعملية مع بعض.. الخ”. كان مجرد كلام طبعاً، فقد كنا طلبنا من الأردنيين عدة مرات وضع حد لحركة “حماس” ولم يفعلوا شيئاً، وكان إسحاق رابين قد انتقدهم بشدة عدة مرات، ولكن لم يتغير شيء في سلوكهم، لذلك كان واضحاً لماذا لم نشركهم في خطتنا ضد مشعل”.

خلال ذلك الوقت، يتابع بيرغمان، كان وضع مشعل يتدهور وكان الأطباء في المستشفى الإسلامي ضائعين وقد اوفد الملك حسين مدير مكتبه الخاص علي شكري للسؤال عن وضعه وقد تحمل توبيخ رفاق مشعل له متهمين الملك بأنه شريك في مؤامرة الاغتيال، وبما ان أوامر الملك كانت بفعل كل ما هو ممكن لإنقاذ حياة مشعل، نقله شكري الى الجناح الملكي في مستشفى الملكة عالية العسكري. رفض رفاق مشعل نقله في البداية، ولكنهم وافقوا لاحقاً شرط ان يبقوا بجوار سريره وبحراسة امنية من “حماس” وان يتم شرح كل مراحل وتفاصيل العلاج لهم. وهكذا فقد تم استدعاء الدكتور سامي ربابة، وهو الطبيب الشخصي للقصر الملكي، وفي نفس الوقت هو عقيد في اللواء الطبي للجيش الأردني ومن اهم الأطباء في البلاد، ولم يكن عنده فكرة كاملة من هو خالد مشعل، كما كانت معرفته بحركة حماس ضئيلة. وينقل عنه بيرغمان قوله “من خلال الصخب حول المستشفى وحقيقة ان علي شكري كان هناك، فهمت ان هناك ضيفاً مهماً للغاية للملك مطلوب معالجته”.

يواصل بيرغمان، كان مشعل دائخا جدا ولكنه اخبر الدكتور ربابة بما حصل معه خارج مكتبه وفيما كان يُخبر القصة كان يغفو فيساعده الفريق الطبي على البقاء يقظاً. عندها لاحظ ربابة ان مشعل يتوقف عن التنفس عندما يغفو، ويقول “كان من الواضح ان علينا الإبقاء عليه يقظاً وألا يغفو ويختنق”. لذلك عمل الأطباء على إيقافه على قدميه واجباره على السير في الغرفة ولكن هذا التدبير كان من شأنه أن يساعده لفترة وجيزة وتم إعطاءه جرعات من عقار نالوكسون الذي يستخدم كمضاد لبعض أنواع السموم ولكن مفعوله كان يضعف في كل مرة يعطونه جرعة أخرى فقام ربابة بتعليقه واقفا مع جهاز للتنفس الاصطناعي لأنه لم يكن باستطاعته ان يبقيه يقظا وكان من شأن ذلك ان يجعل الجهاز يتنفس عنه.

لم يرد أحد لمشعل ان يموت، فالملك حسين كان يخشى، وهي خشية مشروعة، ان موته قد يشعل موجة من الاضطرابات في المملكة وربما أيضا حربا أهلية، ونتنياهو وياتوم كانا يعرفان ان الملك حسين عندها سيكون ملزماً ان يحيل العميلين المعتقلين لديه الى المحاكمة وربما للإعدام وفوق ذلك كانا يعلمان ان الاستخبارات الأردنية تشتبه، وهي كانت مصيبة، بان باقي أعضاء فريق “الحربة” يختبئ في السفارة الإسرائيلية، فجرى استنفار فريق كوماندوس أردني بقيادة الأمير عبدالله الذي اصبح ملكا خلفا لأبيه لاحقا ليكون جاهزا لشن هجوم. لقد أراد الملك حسين ان يجعل الامر واضحا بانه يتخذ الحادث على محمل الجد كثيراً. فكان كل واحد يعرف بان سلسلة الاحداث البشعة تلك سوف بلا شك تقود الى تخريب كل الروابط بين الأردن وإسرائيل.

ينقل بيرغمان عن بن ديفيد قوله “كل ذلك الوقت كنت اسير هنا وهناك وانا احمل العقار المضاد الذي لم نحتج اليه لان لا أحد من رجالنا أصيب.. ثم اتاني اتصال من قائد وحدة قيساريا، في البداية ولان ما قاله كان رائعا اعتقدت اني أخطأت السمع فطلبت منه ان يعيد ما قاله”. فقد طلب من هـ.هـ. (قائد وحدة قيساريا حينها ولم يذكر الكاتب اسمه) ان يتوجه الى بهو الفندق حيث سيقابل نقيبا في المخابرات الأردنية ويذهب معه الى المستشفى، ففهم بن ديفيد ان اتفاقا ابرم على عجل: حياة مشعل مقابل حياة عميلي الموساد المعتقلين. بكلمات أخرى ذهب بن ديفيد الى بهو الفندق لإنقاذ حياة الرجل الذي حاول هو وفريقه قتله قبل ساعات. يقول بن ديفيد “كنا في وضع صعب، ولكن وضع كهذا لا يمكنك ان تعطي فيه اية أهمية لمشاعرك، لا يمكنك ان تقول آه لقد اخطأنا، ولكن فليذهبوا الى الجحيم، لا، عليك ان تفعل ما يجب عليك فعله وتنفذ ذلك بأفضل طريقة ممكنة، هكذا هو الامر. فلا مكان للمشاعر في هكذا وضع ابدا”.

ذهب بن ديفيد الى بهو الفندق حيث كان النقيب ينتظره. يقول عن اللقاء “لا زلت أتذكر نظرته العدائية، ولكنه هو أيضا كانت لديه أوامره وكان ينفذها”. طلب داني ياتوم من بن ديفيد وطبيبة التخدير التي كان يطلق عليها لقب “الدكتورة بلاتينيوم” ان يرافقا النقيب الى المستشفى وان يعطيا مشعل الجرعة التي تنقذ حياته، ولكن الأردنيين رفضوا. شرحت بلاتينيوم للدكتور ربابة أنها “كانت جزءا من فريق العملية، وان مهمتها كانت ان تساعد أي عضو في الفريق ممكن ان يتعرض للإصابة او يلمس السم، وان لا فكرة لديها من كان الهدف في العملية”. يقول ربابة إنها “وضعت عبوتين صغيرتين من المادة المضادة على مكتبي فأمرت بتفقد محتوياتهما في المختبر قبل استخدامهما لأننا لم نكن لنثق بما كانوا يقولون لنا فربما كانوا يريدون ان يكملوا العمل الذي جاءوا من اجله”.

حافظ ربابة على لياقته المهنية مع “بلاتينيوم” بما يتناسب مع رتبته العسكرية والطبية، ولكن بداخله كان يغلي غضباً وينقل عنه قوله “يجب عدم استخدام الطب لقتل الناس، ولكن الإسرائيليين فعلوا ذلك مراراً وتكراراً”. بعدها اخذ مشعل يتحسن ويشفى بسرعة وعاد داني ياتوم الى إسرائيل بصحبة بن ديفيد والعميلين اللذين قالا انهما تعرضا خلال اعتقالهما لضرب مبرح، ولكنهما لم يفصحا عن اي معلومات”.

Print Friendly, PDF & Email
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  كيف تطوّرت الحركة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى؟